صندوق الأفراح والأتراح و"الشرط" و"تويزة" في المغرب

24 ديسمبر 2018
أحد الأحياء الفقيرة في المغرب (Getty)
+ الخط -


يحتال فقراء في المغرب على الواقع المعيشي الصعب من خلال مبادرات تكافلية جماعية، خصوصاً في حالات الطوارئ أو الأفراح أو الأحزان. 

كثيراً ما يعجز الفقراء في المغرب عن تلبية حاجاتهم، لتتحول المبادرات الشعبية إلى تعويض عن النقص، على غرار "صندوق شعبي" لمواجهة الظروف الطارئة، و"التويزة"، و"شرط الإمام" وغيرها.

ومن بين المبادرات التكافلية الاجتماعية الناتجة عن معاناة الأهالي "صندوق الأفراح والأتراح"، وهو عبارة عن صندوق يتولّى أحد سكان الأحياء الفقيرة في المدن أو القرى جمع مساهمات مالية من الأهالي، كلّ بحسب إمكانياته. وتقوم فكرة الصندوق الشعبي على أن يتفق الجيران وسكان حي، على تكليف شخص يُعرف باستقامته وأمانته ومعرفته بأحوال الناس في الحي، إدارة صندوق يساهم فيه أهالي الحي بمبالغ بسيطة شهرياً أو كلّما سنحت لهم الفرصة، على أن يتم اللجوء إليه في المناسبات أو حالات الطوارئ.

وفي معظم الأحيان، يتم اللجوء إلى الصندوق في حالات الموت، أو لإجراء عملية جراحية، أو حفلات الزفاف. وتحصل على المال العائلات التي تحتاج حقاً إلى المال من أجل تنظيم جنازة، أو سداد ثمن عملية جراحية أو شراء أدوية باهظة الثمن. ويقول با علاوي محمد، أحد سكان حي الانبعاث في مدينة الرباط، الذي يتولى صندوق الحي لـ "العربي الجديد": "الأمر يتعلّق بمبدأ التعاون على البر والتآزر بين السكان في الأفراح والأحزان، خصوصاً في المناسبات الأليمة حين يعجز الأهالي عن تلبية حاجاتهم الأساسية".



يضيف أن كلّ أسرة أو بيت يمكنها/ يمكنه دفع 50 درهماً في الشهر طوعياً. ويأتي إليه الأهالي في نهاية كلّ شهر لتسليمه المال، ويسجّل بدوره أسماء المساهمين. وتمر الأسابيع والأشهر، وعندما يحصل حادث وفاة أو مرض أو جنازة أو زفاف، يلجأ المعني بالأمر إلى الصندوق لنيل حصة من المال تساعده، وذلك كله يسجّل على ورقة.

ومن العادات التي تعكس تضامناً بين الفقراء في المغرب، "شرط الفقيه أو الإمام"، خصوصاً في القرى، وهي عادة ما زالت مستمرة حتى اليوم، وإن قلّت مع مرور الوقت، وتعني التكفّل بمعيشة ومصاريف فقيه أو إمام مسجد بالتضامن بين أهالي القرية.

عبد العزيز بنورة، إمام مسجد سابق في إحدى القرى، يشرح لـ "العربي الجديد" معنى "الشرط"، قائلاً إنّ الأمر يتعلق بتعاون سكان البادية في ما بينهم، من خلال تكفل كل بيت بفطور الفقيه الذي يدرّس الأطفال القرآن خلال كُتاب قرآني أو يؤم الصلاة بالناس داخل المسجد. كما يقدمون له وجبة غداء، وقد يصل الأمر إلى تزويجه وجعله فرداً مقيماً بين أهالي القرية إن كان حسن الخلق.

يضيف أنّ عادة "الشرط" هذه، كانت تساعد الإمام الذي عادة ما يكون قادماً من مكان بعيد، ويكون فقير الحال، خصوصاً أن أجرة الإمام أو الفقيه تكون هزيلة ولا يمكنه سداد تكاليف معيشته، ما دفع النساء إلى التفكير بهذه العادة المسماة "الشرط"، التي يلتزم فيها الإمام بالصلاة بالناس، أو تدريس الأطفال القرآن وتحفيظه لهم.

و"التويزة" عادة اجتماعية تنتشر في الأرياف والقرى، خصوصاً لدى القبائل الأمازيغية، وترتبط بالعمل الزراعي في الحقول، وتعني تكافل واجتماع عدد من العمال أو العاملات من عائلات معينة لحراثة أرض أحدهم بشكل جماعي. وبعد الانتهاء منها، يبدأون بأرض أخرى، إلى حين الانتهاء من كل الحقول، وذلك قبيل حلول فصل الشتاء.

وتمتد مساعدة هذه القبائل في العمل التطوعي، الذي لا يحصلون منه على شيء إلى الحصاد في فصل الصيف، وجمع محصول القمح، إضافة إلى بناء مسجد، إذ يشترك أفراد القبيلة جميعاً في التشييد، أو في تحويل مجرى مياه مثلاً بهدف سقي الحقول.



و"التويزة" يشترك فيها الأطفال والرجال والنساء على حد سواء في هذه المناطق في المغرب. النساء قد ينشغلن مثلاً في حياكة زربية، أو إعداد حلويات تحضيراً لمناسبة عائلية لدى أسرة أخرى تقطن لدى القبيلة، أو يقتضي الأمر كذلك مساهمة الأطفال في تقليم العشب غير النافع في الحقل بشكل جماعي، أو إعارة الدوابّ إلى أسرة أخرى للاستفادة منها في أعمال السخرة والزراعة.

إلى ذلك، يقول الباحث المغربي إدريس الكنبوري: "كل هذه المبادرات تعكس الطبيعة التكافلية بين الفقراء"، موضحاً أن مبدأ التكافل الاجتماعي بين الأوساط الفقيرة يرتبط بتخلي الدولة عن الفئات الفقيرة والخدمات الاجتماعية. يضيف: "في الغالب، كان يتولى هذه الخدمات سياسيون لغايات انتخابية. لكنها تبقى مقتصرة على أفراد معينين أو دوائر انتخابية". ويوضح: "حتى بين الأغنياء تكافل وتعاون، وربما هم سبّاقون إلى خطوات مماثلة".

يتابع أن "الأغنياء قد لا ينشئون صناديق للتكافل، غير أنهم يعملون على المساعدة العينية والمباشرة في مناسبات معينة، إلا أن تعاونهم ليس له مدلول سياسي تجاه الدولة، عكس مبادرة الفقراء التي تحمل بعداً سياسياً وطبقياً".