تونسيون يعيشون أجواء رمضان بنكهته وغلائه

12 مايو 2019
معاينة ومناداة على البضاعة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

هو موعد سنوي للتونسيين مع رمضان. الحركة كثيفة في تونس العاصمة وبقية المحافظات في الأيام الأولى للشهر. تغيرت العديد من المنتجات المعروضة لتحلّ محلّها منتجات مرتبطة بوجبات الصائمين وكلّ ما يرتبط بالمطبخ

في استقبال شهر رمضان، اختار بعض التونسيين طلاء منازلهم، فيما اختار آخرون تغيير بعض التجهيزات المطبخية، لكنّ الجميع يتفق على مؤونة رمضان وما فيها من عناصر لا تغيب عن أيّ مائدة إفطار، شأن شربة الشعير (الحساء). وهكذا تكشف الأيام الأولى للشهر عن إقبال كثيف على الموادّ الغذائية التي تحتاج إليها ربات البيوت. مع ذلك، تدعو فئة من التونسيين إلى عدم المبالغة، بل اعتبار الشهر الفضيل فرصة لضبط النفس وعدم التبذير.



تتعالى أصوات الباعة، وتنهمك النساء في تفحص بعض الأواني الفخارية والزجاجية. تارة يسألن عن الأسعار، وطوراً يحترن في الاختيار، إذ تجذبهن الألوان الزاهية والمنتجات المتنوعة. في ساحة برشلونة بالقرب من السوق المركزية في العاصمة، وهي الكبرى لبيع الفواكه والخضر والأسماك واللحوم فيها، اختار الباعة المتجولون تغيير منتجاتهم وجلب ما هو مخصص لرمضان، وهكذا حلّت الملاعق والأطباق بدلاً من الملابس. يبدو علي منهمكاً في ترتيب الملاعق والكؤوس على قارعة الطريق: "رمضان شهر البركة والعمل ونحن كباعة نستبشر كثيراً بهذا الشهر".




في وسط السوق المركزية، تجذبك ألوان الفواكه والخضر التي يتفنن أصحابها في عرضها وتزيينها، فالكلّ يعرض بضاعته بطريقته الخاصة لإغراء المستهلكين الصائمين، وخصوصاً أنّ في رمضان يكثر الاشتهاء، وشهوة العيون غالباً ما تكون قبل البطون. تقول آمنة، وهي عاملة في مصنع بتونس، إنّها تستغل حلول الشهر الفضيل لزيارة عائلتها في سيدي بوزيد، لقضاء بعض الوقت معها. تضيف لـ"العربي الجديد": "في العادة، نركز على المؤونة خصوصاً البهارات من توابل يعدّ معظمها خصيصاً لشهر رمضان بحكم تنوع الأطباق، كما نعدّ شربة الشعير التقليدية التي تفضل والدتي أن تحضّرها في البيت". تتابع أنّها اختارت اقتناء أوانٍ جديدة لتزيين سفرة رمضان، ولإسعاد والدتها عند عودتها إلى محافظتها بعد فترة قضتها في العاصمة بعيدة عن العائلة. تضيف الشابة العشرينية أنّ ما يميز شهر رمضان اللمة العائلية، إذ يجتمعون في البيت لقضاء أول أيام رمضان مع العائلة، وهذا الشهر يجمع شتات الأسرة ويقرب أفرادها من بعضهم البعض، فرمضان للسهر وللقاء الأقارب بعد طول غياب.



تبدو الحاجّة بية متحمسة بينما تتفحص بعض الأواني المصنوعة من الفخار، وتتأمل الصحون المعروضة: "شهر رمضان معروف بالبركة فهو شهر فضيل، أعد البسيسة (أكلة من الطحين) والحلالم (حساء تقليدي يتكون من العجين)، وأيضاً الخبز العربي". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّها بالرغم من ظروفها الصعبة والمشاكل التي تمر بها، فهي تحافظ على بعض العادات في استقبال رمضان.

ينهمك الشاب العشريني طارق في تزيين التمور. يرتب البضاعة المعروضة ثم يساعد والده في بيع بعض التمور، ويقول إنّ عرض البضاعة مهم جداً في رمضان، والكلّ يتفنن في جذب الزبائن على طريقته الخاصة. يتدخل والده الهادي، ليقول إنّ التونسي في رمضان يأكل بعينه فإن جذبته المنتجات المعروضة يشتريها، ولذلك يحرص كبائع على حسن تقديم التمور التونسية، ومنها "دقلة النور" التي يزداد عليها الإقبال خصوصاً خلال الأيام الأولى، مضيفاً أنّ الإقبال تحسن مقارنة بالأشهر الثلاثة الماضية، فرمضان يضفي حركة تجارية على مختلف الأسواق التونسية.



في المقابل، يعتبر بائع آخر يدعى محمد أنّ الإقبال على الفواكه ما زال دون المأمول، فالسوق ليس مكتظاً كالعادة ولم يسترجع نسق الأعوام الماضية، مشيراً إلى أنّ القدرة الشرائية للتونسي تراجعت كثيراً وهو ما يجعله يركز على الضروريات. ويضيف أنّ ارتفاع الأسعار أضرّ بالباعة. من جهته، اختار البائع حافظ تغيير نشاطه من بيع الخضر إلى بيع الزيتون الذي يكثر الإقبال عليه لتزيين السلطات والأطباق في رمضان، مبيناً أنّ هناك منتجات تحضر بقوة في هذا الشهر، ولذلك يحاولون ملاءمة العرض مع الطلب، لأنّ تجارتهم تنشط نسبياً في هذه الفترة، فيسعون إلى تعويض الكساد الذي أصابهم طوال السنة، وعرض منتجات يقبل عليها التونسيون.

الإقبال على أحد باعة الأجبان في السوق كان واضحاً، فالأجبان بمختلف أصنافها وأنواعها تكاد لا تغيب عن الطاولة الرمضانية، وهو ما يؤكده البائع جمال، مضيفاً أنّهم يأملون أن يتحسن الإقبال في الأيام المقبلة، لأنّ البيع حالياً أقل من شهور رمضان الماضية. كذلك، فالحركة كثيفة في جناح السمك، تترافق مع أصوات الباعة. هنا تعرض أصناف مختلفة من الأسماك، ويقول البائع علي إنّ الإقبال الأكبر هو على الجمبري (القريدس) والسمك الأحمر (التريليا).



من جهتها، تعتبر سيدة الباجي (65 عاماً) أنّ تحضير التوابل والكسكسي (حبوب من القمح)، يبدأ قبل حلول رمضان ببضعة أشهر، لأنّ ربات البيوت يحتجن إليها في العديد من الأطباق. تشير إلى أنّ المنتجات متوفرة لكنّ الأسعار مرتفعة، فبعض التجار يستغلون حلول رمضان لزيادة الأسعار، كما تقول، إذ اشترت التمور قبل بداية رمضان بسعر أقل بكثير من السعر الذي تباع به الآن، وهو 11 ديناراً (3.5 دولارات أميركية) للكيلوغرام الواحد. تقول إنّها تفضل التركيز على المعيشة بدلاً من تغيير الأواني والأطباق وخصوصاً إذا كانت متوفرة في مطبخها، وهكذا ترفع شعار "لا للتبذير".




بدورها، تلفت مبروكة وشتاتي إلى أنّها تفضل إعداد منتجات كثيرة في البيت بنفسها، بدلاً من شرائها من الأسواق، تجنباً للغش الذي يكثر في هذه الفترة، مضيفة أنّ بقية حاجاتها من الخضر والفواكه واللحوم تفضلها طازجة، وخصوصاً أنّها متوفرة في الأسواق.