في مسجد السلطان محمد الفاتح وسط مدينة إسطنبول أقام مئات اللاجئين السوريين صلاة عيد الأضحى مع الأتراك، إلا أن عددا كبيرا منهم بقي ملازماً منزله خشية الاعتقال والترحيل مجددا، بسبب مخالفته لقانون حيازة بطاقة الحماية المؤقتة "الكملك".
ويقع مسجد السلطان محمد الفاتح في حيّ الفاتح الذي يصفه لاجئون بـ"سورية"، وذلك بسبب كثافة اللاجئين السوريين القاطنين فيه، وانتشار المطاعم والمحال التجارية العائدة للاجئين ومستثمرين سوريين إلى حدّ لافت.
الحاج محمد، لجأ إلى تركيا واستقر في حيّ الفاتح بمدينة إسطنبول منذ ست سنوات، وهذا العيد يصادف العيد الثاني عشر في المدينة، وكل تلك الأعياد قام بأداء صلواتها في مسجد السلطان محمد الفاتح.
وقال محمد لـ"العربي الجديد" "في كل عيد يكتظ المسجد بالمصلين الأتراك والسوريين والمسلمين المقيمين في المنطقة من كافة الجنسيات، لكن في عيد الأضحى الآن كان الحضور السوري أقل ولافتا مقارنة بالأعياد السابقة". وأضاف "أنا أقطن في حيّ الفاتح وابني وزوجته يقطنان في حيّ باغجلار، وجرت العادة أن يقيما عندنا أول أيام العيد، نأتي أنا وولدي لصلاة العيد وبعدها نتجول في المدينة، في هذا العيد لم يحدث ذلك، لأن ابني يحمل كملك غازي عنتاب، ويخشى من الاعتقال والترحيل أثناء التجول في المدينة".
ويعتبر محيط مسجد الفاتح المكتظ بالسوريين أحد الأهداف الأساسية للشرطة التركية، حيث جرى اعتقال مئات الشباب منها وترحيلهم إلى الولايات التركية التي سجلوا فيها عند قدومهم إلى تركيا.
وفي 13 يوليو/ تموز الماضي أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، عن البدء بتطبيق إجراءات صارمة بحق اللاجئين السوريين والأجانب المخالفين في إسطنبول. وجاء ذلك عقب خسارة بن علي يلدريم، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول، لصالح أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، ورافق الحملات الانتخابية عمليات تحريض من قبل المعارضة ضد السوريين، انتهى العديد منها بالتعدي على ممتلكات ومحال اللاجئين وتحطيمها.
أما وئام، فالتزمت بيتها هي الأخرى في أول أيام العيد، ولم تخرج كالعادة، لم تلبِ دعوات أصدقائها للخروج خشية توقيفها وترحيلها إلى غازي عنتاب أيضا.
وقالت لـ"العربي الجديد": "بعد إصدار القوانين الأخيرة من قبل وزارة الداخلية التركية لم أكن أخشى كثيرا كون الشرطة لم توقف البنات لطلب هوياتهن، لكن إحدى صديقاتي تم توقيفها على إحدى محطات الميترو، ولحسن حظها كانت تحمل بطاقة صادرة عن إدارة هجرة إسطنبول". وأضافت "عندما روت لي الحادثة بدأت أخشى الخروج، ومنذ ذلك اليوم لا أخرج إلى أماكن بعيدة عن المنزل إلا عند الضرورة".
وعلى الرغم من منح وزارة الداخلية التركية للمخالفين في إسطنبول مهلة حتى 20 أغسطس/آب الجاري، إلا أن عمليات الاعتقال والترحيل ما زالت مستمرة وفق شهادات العديد من اللاجئين.
وسبق لوالي إسطنبول أن أصدر بيانا وجهه للرأي العام، وأشار فيه إلى أن الحملة الأخيرة مستمرة، ومن لا يملك كملك صادرا عن ولاية إسطنبول لديه مهلة حتى 20 الجاري للمغادرة إلى الولاية التي منح فيها الكملك، ويمكن لمن لا يملك بطاقة الحماية المؤقتة أن ينتقل إلى الولايات التي تصدرها في الوقت الحالي.
اللاجئ محمد عدنان، من مدينة عفرين ويقيم مع عائلته في إسطنبول، يعمل في أحد مشاغل الخياطة مقابل ألفي ليرة تركية، يعيل بها أفراد عائلته الستة. ولم يتمكن من إصدار بطاقة الحماية، وعندما ضاقت به السبل لجأ إلى الطرق غير القانونية، وبحث عن أشخاص يصدرون البطاقة مقابل المال، لكن سرعات ما تبين له أن الأمر مجرد نصب وخداع كلفته مبلغ 10 آلاف ليرة سورية(نحو 500 دولار أميركي).
وأوضح رمضان لـ"العربي الجديد" أنه بعد تعرضه للنصب قرر الذهاب إلى مدينة بورصة عن طريق أحد معارفه مقابل مبلغ من المال، وعند وصوله إليها تبين له أيضا أن عملية استخراج الكملك متوقفة، ليبقى عالقا هناك عند أحد أقربائه. واليوم لا يستطيع محمد العودة إلى إسطنبول خشية الاعتقال، كما لا تستطيع عائلته الخروج إلى بورصة لعدم حيازتها بطاقة الحماية المؤقتة. واعتبر محمد أن آخر حل قد يلجأ إليه هو تسليم نفسه للشرطة، وتسليم عائلته ليتم نقلهم ضمن حملات "العودة الطوعية" التي تنظمها بلدية اسنيورت، التي شهدت أكثر عمليات الاعتقال والترحيل.
وذكر وسيم، وهو طالب في جامعة كربوك قرب أنقرة، أنه لم يمض هذا العيد مع عائلته في إسطنبول لعدم منحه إذن سفر من الولاية التي يقيم فيها. وأشار نحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنه نقل قبل عامين الكملك الخاصة به من ولاية إسطنبول إلى أنقرة بعد حصوله على قبول الجامعة، وفي كل إجازة يزور أهله بعد الحصول على إذن سفر، إلا أنه بعد القرارات الأخيرة أجبر على تمضية إجازة الصيف في المنطقة التي يقيم بها.
مئات الطلاب والطالبات يعانون من هذه المشكلة مثل وسيم، وخاصة بعد قيامهم بنقل الكملك من إسطنبول إلى المدينة التي حصلوا فيها على قبول جامعي. وسلمى أيضا تعرضت للمشكلة ذاتها، ولم توافق الشرطة في ولاية كرابوك على منحها إذن سفر. وقالت لـ"العربي الجديد": "أجبرت على البقاء هنا، أمضيت أول أيام العيد حزينة، هذا أول عيد أكون فيه بعيدة عن عائلتي".