زواج قصّر ليبيا

03 نوفمبر 2018
من يحميها من زواج مبكّر محتمل؟ (محمد تركية/فرانس برس)
+ الخط -

ما زال زواج الأطفال أو زواج القصّر، لا سيّما القاصرات، في المجتمعات العربية والإسلامية يثير حفيظة كثيرين، خصوصاً المنظمات الحقوقية والمدنية. والمجتمع الليبي مثال

يبدو أنّ الزواج المبكر أو زواج القصّر راح يتزايد في ليبيا في خلال السنوات الماضية. وتفيد بيانات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصدر قضائي في مجمّع محاكم طرابلس، بأنّ 186 زواجاً لقصّر سجّلها مجمّع المحاكم ما بين عام 2011 وعام 2017 في طرابلس لوحدها، من بينها 36 زواجاً بين طفلَين لا تتعدى سنّ الزوج فيها 16 عاماً والزوجة 14 عاماً.

منذ عام 2012، لا تملك الجهات الرسمية في البلاد إحصاءات رسمية للزواج والطلاق بسبب الفوضى في البلاد التي أثّرت على مؤسسات عدّة، لا سيّما بعد الانقسام السياسي منذ عام 2014. وبالفعل، كانت مصلحة الإحصاء والتعداد في طرابلس قد أعلنت عن عدم توفّر أيّ أرقام موثقة في مختلف المجالات، من بينها الزواج والطلاق على خلفية الانقسام الإداري في مؤسسات الدولة.




يقول المهدي العجيلي، وهو مأذون شرعي في محكمة شماليّ طرابلس، إنّ "هذا الرقم 186 (المشار إليه أعلاه) يقتصر على طرابلس"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "تلك الزيجات تتفشى في مناطق البدو والأرياف ويحميها العرف القبلي. كذلك تتخوّف الأسر من العنوسة، فتزوّج بناتها وهنّ صغيرات في السنّ". ويشير العجيلي إلى أن "حالات مثبتة في مناطق الجنوب، وعلى سبيل المثال جمع رجل واحد في الخمسين من عمره بين ثلاث قاصرات إلى جانب زوجته الأولى التي تماثل في سنّها سنّ أمهات ضرائرها الثلاث". يضيف أنّ "ثمّة تحايلاً قانونياً كبيراً في مناطق ريفية وبدوية لتسجيل هذه الزيجات، من خلال دعاوى لتعديل السنّ وأخرى توثّق الزواج بتاريخ مزوّر. ويجد هذا التحايل من يغطيه ويمرره".

ويؤكد العجيلي أنّه "من أبرز القضايا التي استوجبت التسوية، الخلافات القانونية الشرعية حول سنّ الزواج. فالقاضي، ليس أمامه إلا التصديق على زواج فتاة قاصرة، ما دام وليّ أمرها هو من يزوّجها. فالحكم بخلاف ذلك يُعَدّ مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية، وليس أمام القاضي إلا اعتبار حكمه استثنائياً ومستنداً إلى نصوص يوفّرها قانون الأحوال الشخصية". وعلى الرغم من أنّ القانون الليبي حدّد سنّ الزواج بـ 18 عاماً للجنسَين، فإنّ تزويج الأطفال ما زال سائداً في البلاد، فيوضح العجيلي في السياق أنّه "بحكم عملي موثقاً شرعياً، أستطيع التأكيد أنّ زواج القصّر اختفى جزئياً منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ليعود بعد ثورة فبراير/ شباط 2011".

وانطلاقاً من آراء دينية، حُدّدت سنّ الزواج بظهور علامات البلوغ لدى الجنسَين، علماً أنّها قد تظهر ما بين 11 عاماً و14، وطالب عدد من شيوخ التيار السلفي المسيطرين على دار الإفتاء المؤتمر الوطني العام في عام 2012 بإجراء تعديلات على قانون تحديد سنّ الزواج ، لكنّ المؤتمر الوطني أحال الأمر في ذلك الحين إلى لجنته التشريعية التي كانت تواجه معارضة من قبل تيارات مدنية في البلاد لإعادة النظر في القانون. وحاولت اللجنة التشريعية وقف الجدال القائم بمحاولة التوفيق بين مطالب الأطراف كلها، فأقرّت 18 عاماً سنّاً للزواج، لكنّها تركت الحرية للقاضي في تقدير الأمر ومنح الإذن لزواج الفتاة دون سنّ الرشد ومهما كانت سنّها. يُذكر أنّ طعوناً عدّة قُدّمت من قبل ناشطين وحقوقيين أمام المحكمة العليا التي لم تبتّ في الأمر حتى يومنا هذا.

في السياق، أثير جدال واسع عندما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة من شهادة صحية مُنحت لطفلة تبلغ من العمر 13 عاماً في منطقة صرمان إلى غرب طرابلس، بهدف تزويجها، مرفقة بصورتها التي تظهر ملامح الطفولة. وأطلقت جمعية "لماذا أنا" لحقوق المرأة في ذلك الحين، إلى جانب مؤسسات عدّة من المجتمع المدني، حملة للحدّ من زواج القاصرات. لكنّها توقفت بسبب انغلاق المجتمع وعدم لمس جديّة لدى المعنيين في المشاركة، بحسب ما أعلنت الجمعية التي أكدت أنّ حملتها جاءت لدقّ ناقوس الخطر إزاء ما قالت إنّه انتهاكات ترتكب بحقّ الطفولة، وللتشديد على ضرورة إيجاد حلّ بين رأي الشرع وحفظ حقوق الطفل، لا سيّما بعد تثبتها من عدم توفّر قاعدة بيانات وتوثيق في المحاكم الخاصة بزواج القاصرات (دون 18 عاماً).

من جهتها، تشير سمية المهرك إلى "مجموعة حقوقية تعتزم رفع قضية لدى المحاكم الليبية تلزم أولياء الأمور بتحمّل مسؤوليتهم أمام القضاء حيال تزويج بناتهم القصّر". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "الدعوى مبنيّة على وثائق طبية تؤكد تعرّض عدد من القاصرات إلى أضرار نفسية وجسدية بليغة، من بينها شهادات أطباء أجروا عمليات ولادة قيصرية لطفلات لم تتعدّ أعمارهنّ 14 عاماً". تضيف المهرك التي شاركت في ندوة نظمتها جامعة صرمان تحت شعار "زواج القاصرات بين المسموح والممنوع" في منتصف أغسطس/ آب الماضي أنّ "المذكّرة التي تُعَدّ بالتعاون مع مجموعة من المتخصصين توفّرت على مستند من الدائرة الشرعية بمجمّع محاكم طرابلس يؤكّد ارتفاع عدد القاصرات اللواتي زُوِّجنَ في الأعوام الخمسة الماضية بصورة لافتة. وقد توفّرت كذلك على تقارير طبية تؤكد وقوع وفيات بين قاصرات في أثناء الولادة، بالإضافة إلى توثيق رسمي لحالات الطلاق الكبيرة التي طاولت قاصرات، بعضهنّ لم تتجاوز مدّة زواجهنّ الأشهر الثلاثة، في حين أنّ أخريات تطلّقنَ وعدنَ إلى منزل العائلة مع أطفال، بينما لا تتجاوز أعمارهنّ 14 عاماً".




وتؤكّد المهرك أنّ "ثمّة مؤسسات سوف تتوجه إلى رجال الدين والهيئات الرسمية الدينية من خلال دراسات تبيّن الأضرار النفسية والجسدية للزواج المبكّر على الجنسَين، من خلال حالات مثبتة في المجتمع، بهدف إقناعهم بإعادة النظر في الفتاوى والآراء الدينية حول سنّ الزواج". وتلفت إلى "إطلاق حملات توعية بالتوازي، في مناطق عدّة، لا سيّما الريفية منها، لزيادة الوعي حول الزواج وبناء الأسر وضرورة تغيير الأعراف المجتمعية المتعلقة بهما".