ياسمينة فيتاح تُغادر المغرب المنسي

26 فبراير 2016
الأجواء قاسية في المنطقة التي أُدرّس فيها(رسم: أنس عوض)
+ الخط -
ليست الحياة سهلة إطلاقاً في المغرب المنسي شتاء. وبسبب تساقط الثلوج الكثيف، غادرت المدرّسة ياسمينة فيتاح المكان وعادت إلى مراكش، علّها تنعم بقليل من الدفء

في الأطلس الكبير أو المغرب المنسيّ، كما يُطلق عليه، وبعد أيام على تساقط الثلوج بكثافة، أمسكت المدرسة ياسمينة فيتاح بعصاها لتتكئ عليها وتعود إلى بيتها في مدينة مراكش. ياسمينة ليست بطلة، ولم تتدرب من قبل على مهارات صعود الجبال أو نزولها. كلّ ما في الأمر أن الطقس ساء إلى درجة جعل العيش في منطقة تمنكار مستحيلاً، هي التي اختارت العمل هناك كمدرسة في مدرسة أكرماون. ولأنها ليست من أهل المنطقة، لم تعتد الاستعداد لفصل الشتاء جيداَ. على سبيل المثال، ليس في بيتها أخشاب للتدفئة أو شموع للإنارة، وقد تجمدت المياه ولم يعد بإمكانها الشرب من الساقية. يضاف إلى ذلك صعوبة الوصول إلى المدرسة، ما جعل أهالي التلاميذ يفضّلون إبقاء أطفالهم في البيوت، بدلاً من قطع مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة.

وبسبب تغيّب التلاميذ، توجهت وأربعة أساتذة آخرين إلى بيوتهم بحثاً عن الدفء. تقول لـ "العربي الجديد": "الأجواء قاسية جداً في المنطقة التي أُدرّس فيها. بدأت الثلوج تتساقط بكثافة، ما أدى إلى قطع الطرق غير المعبّدة، عدا عن انقطاع الكهرباء والمياه، ما يزيد الأمر صعوبة. وعادة ما لا يذهب التلاميذ إلى المدرسة في مثل هذا الوقت".

اعتاد أهالي الجبال البرد القارس. وطوّروا أساليب عيش تتناسب وهذا الصقيع. لكن ياسمينة وأساتذة آخرين لم يستطيعوا تحمّل هذا الطقس، وعادوا إلى منازلهم بانتظار أن يذوب الثلج ويعود التلاميذ إلى المدرسة. تقول لـ "العربي الجديد": "يعمل القاطنون في المنطقة على تخزين المؤونة للشتاء. لكن الصعوبة تكمن في حالات الولادة، إذ يصعب الوصول إلى المستشفيات، ما يؤدي إلى حالات وفاة عدة".

تقول ياسمينة التي بدأت العمل في مجال التعليم في منطقة تمنكار قبل نحو عامين، إنها لم تكن تعلم أن الثلوج ستتساقط بهذه الكثافة، ما يعني أنها لم تستعد لفصل الشتاء القاسي. وليس في بيتها وسائل للتدفئة، ولا حتى شموع للإنارة. ولا تملك إلا آلة كهربائية للتدفئة، وهذه ليست فعالة في طقس كهذا.

في الصباح، غادرت ياسمينة بيتها علماً أن الطريق وعرة للغاية وتكثر فيها الانزلاقات. وكان طبيعياً أن تتعرض لكدمات عدة، وهو ما اضطرها إلى استخدام عصا تساعدها خلال سيرها. من وقت إلى آخر، تحاول ياسمينة الاتصال بأحد السكان للاطمئنان على أحوالهم ومعرفة إن كان يمكنها العودة للعمل. تقول: "لولا قساوة الطبيعة لفضلت العيش هناك هرباً من ضغط المدينة وضوضائها".

على صفحتها على "فيسبوك"، تسعى إلى نقل معاناة الأهالي في أعالي الجبال. تقول: "كيف يمكنني التحدث عن مواضيع أخرى، وأنا ما زالت مصدومة بالواقع الأليم الذي جئت منه من أعالي جبال الأطلس، أي من المغرب المنسي؟ من يهتم بالأنشطة أو الزيارات التي يشهدها البلد حالياً، في وقت يعيش بعض المغاربة في سجن من دون أن يسأل عنهم أي من المسؤولين؟ هل حكم علينا أن نغامر بحياتنا كلما تتساقط الثلوج؟ ماذا عن أولئك الناس؟ هل يكون مصيرهم الانقطاع عن العالم؟

لا تطلب ياسمينة عبر صفحتها على "فيسبوك" أن يتضامن العالم مع أهالي الأطلس، بل المشاركة في أعمال تطوعية بهدف مساعدة القاطنين في تلك المناطق. هذه المدرّسة ناشطة اجتماعية أيضاً، وعادة ما تشارك في مختلف الحملات لمساعدة السكان وأطفالهم. وكانت قد شاركت أيضاً في حملة تبنت شعار "بدونها لن أكون"، وتهدف إلى دعم المرأة والمطالبة بحقوقها. تقول: "على الرغم من الانفتاح والتطور، إلّا أنّ المرأة ما زالت تتعرّض للعنف والتهميش في مجتمعنا".

كذلك، تعمل مع جمعية "شربة ماء"، وشاركت في أحد مشاريعها "قافلة لأطفال الأطلس"، الذي يسعى لإصلاح المدارس وتنظيم نشاطات للأطفال وتوزيع الملابس والكتب والأدوية وغيرها.

تجدر الإشارة إلى أن سلسلة جبال الأطلس الكبير تمتد من غرب مدينة أغادير الواقعة على المحيط الأطلسي باتجاه الشمال الشرقي، وأعلى قممها هو جبل "توبقال" (4165 قدم عن سطح البحر) ويقع في الجنوب الشرقي لمدينة مراكش. ويُطلق على هذه الجبال إسم "أدرار ندرن" بـ "الأمازيغية" وتعني جبال الحياة. وهذه تسمية قديمة لاعتقاد السكان المحليين أن الجبل مصدر المياه والحياة. ولا شك أن الجبال تغذي المنطقة وأنهارها وبحيراتها بالمياه بفعل الثلوج التي تتساقط عليها سنوياً.

اقرأ أيضاً: مريم شديد.. فلكية مغربية عاشقة للنجوم والمجرات
المساهمون