من منزلها حيث ما زالت تتماثل للشفاء، في بلدة الطور إلى شرق البلدة القديمة من القدس، تروي الفلسطينية أنيسة أبو الهوى (43 عاماً) اللحظات الصعبة التي عاشتها قبل ثمانية أيام، وسط زخّ الرصاص الحيّ الذي أطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي على ماهر زعاترة، شهيد جبل المكبر (جنوبي القدس) عندما كان في ساحة الغزالي المتاخمة لباب الأسباط، أحد أبواب المسجد الأقصى. وتقول أنيسة لـ"العربي الجديد" إنّ "مسافة شعرة ربّما فصلت بيني وبين الموت الذي هدّد به رصاص الاحتلال. وفي النهاية أصابتني رصاصة واحدة في رجلي فشلّت حركتي". تضيف: "شعرت حينها أن أجلي قد اقترب وأنّ الرصاص التالي سوق يقضي عليّ، فرأيت نفسي أنطق الشهادتَين وأكرّرهما".
حدث ذلك، يوم السبت 29 فبراير/ شباط المنصرم. وتخبر أنيسة: "بعدما غادرت المسجد الأقصى من ناحية باب الأسباط، ولدى وصولي إلى ساحة الغزالي، رأيت مجموعة من جنود الاحتلال تلاحق أحد الشبان. فانتابتني حالة من الهلع والتصقت بجدار في المكان. وبينما أنا كذلك، راح أحد أفراد شرطة الاحتلال، بلباس مدني، يطلق الرصاص بغزارة ومن مسافة قريبة جداً على الشهيد زعاترة، قبل أن تصيبني إحدى رصاصاته مختترقة منطقة أعلى الفخذ. حصل ذلك فيما كان جنود يواصلون إطلاق النار على زعاترة"، مؤكدة أنّ "المشهد كان مخيفاً وكذلك الموقف. فأنا كنت بين الحياة والموت، لا بل رأيت الموت بعينَيّ".
وتتابع أنيسة: "رحت أزحف على الرغم من إصابتي، في محاولة للاحتماء من مزيد من الرصاص. عندئذ، حضرت مجموعة أخرى من الجنود، وركلني أحدهم بقدمه بينما كنت أحاول الاتصال بعائلتي لإبلاغها بما جرى. وبعد ذلك، حضرت سيارة إسعاف إلى منطقة الحادثة ونقلتني إلى باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة، ومن هناك في سيارة إسعاف أخرى إلى مستشفى شعاري تسيدك في القدس الغربية، حيث خضعت إلى عملية جراحية. وفي اليوم التالي، غادرت المستشفى وأنا في حالة ضعف منعتني من المشي". وفي المنزل، حيث ترقد منذ أسبوع، تشكو أنيسة من عدم قدرتها على الحركة، وهي ما زالت تحت مراقبة وإشراف طبيب وممرّضة يحضران يومياً إلى منزل العائلة لتفقّد الجرح وتقديم ما يلزم.
اليوم، تشعر أنيسة بأنّها وُلدت من جديد، "فالحياة عادت إليّ بعدما كنت على مسافة قريبة جداً من الموت"، مؤكدة أنّ الواقعة ما زالت تسيطر عليها، لا سيّما صورة الشهيد. تقول: "كان في إمكانهم اعتقاله، لكنّ جنود الاحتلال أصرّوا على قتله بعدد كبير من الرصاص".