وسط التمييز الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بحقّ النساء العربيات العاملات في الداخل الفلسطيني المحتل، ولا سيّما لجهة الأجور، ترى الشابّات الفلسطينيات أنفسهنّ ملزمات بالحصول على شهادات تؤهلهنّ للدخول إلى سوق العمل.
كثيرة هي التحديات التي تواجهها المرأة العربية الفلسطينية، في سوق العمل بالأراضي المحتلة عام 1948، على الرغم من ارتفاع نسبة النساء اللواتي يحملنَ شهادات، وزيادة إقبال الشابّات عموماً على التعليم العالي في العقد الأخير. يُذكر أنّ هؤلاء يمثلن أكثر من 50 في المائة من الطلاب الجامعيين في مختلف التخصصات، فيما نسبة بطالتهنّ هي العليا بين النساء الفلسطينيات في الداخل الفلسطيني المحتل.
وكانت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية قد أصدرت أخيراً تقريراً، يفيد بأنّ ثمة ارتفاعاً بنسبة ثلاثة في المائة تقريباً في عدد النساء العربيات بسوق العمل، مع 38.2 في المائة عام 2018 في مقابل 34.9 في المائة عام 2017. لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ النساء العربيات بمعظمهنّ يعملنَ بدوام جزئي، إلى جانب ما يعانينَه جميعهنّ من تمييز عنصري من قبل السلطات الإسرائيلية.
يقول مدير بنك المعلومات "ركاز" في "جمعية الجليل" (الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحّية)، أحمد الشيخ، إنّ "ارتفاع نسبة النساء العربيات العاملات في الداخل الفلسطيني المحتل متوقع، مع زيادة عدد اللواتي يحملنَ شهادات إما أكاديمية وإما تخصصية وإما فنية". يضيف الشيخ أنّ "نسبة النساء العاملات في مجال التعليم والتدريس قد انخفضت في المجمل، بعد توجّه عدد أكبر منهنّ إلى مجالات أخرى"، موضحاً أنّ "النساء صرنَ يخترنَ العمل في مجالَي الخدمات والتجارة، الأمر الذي يمثّل قفزة نوعية، كذلك ثمة توجّه إلى الخدمات الصحّية". ويشير الشيخ من جهة أخرى، إلى أنّ "الفرق شاسع بين نسبة هؤلاء ونسبة النساء العاملات في المجتمع اليهودي الإسرائيلي التي تصل تقريباً إلى 65 في المائة، إلى جانب الفرق في الأجور". ويتابع أنّ "معدّل الأجور للفرد العربي في الداخل الفلسطيني المحتل يساوي ثلثَي ما يتقاضاه الفرد في المجتمع اليهودي الإسرائيلي".
من جهتها، تقول مديرة جمعية "نعم - نساء عربيات في المركز"، سماح سلايمة، إنّ "ارتفاع عدد النساء العربيات في سوق العمل الإسرائيلي بالمقارنة مع بيانات العام الماضي، يدلّ على إقبال الشابّات العربيات خصوصاً على مؤسسات التعليم العالي". وتشير سلايمة إلى أنّ "سوق العمل الإسرائيلي، ما زال يضع عراقيل عديدة أمام الأعمال الحرّة مثل التجارة وغيرها، لذا فإنّ الشهادة الجامعية ما زالت أهمّ وسيلة للاندماج في سوق العمل المهني في إسرائيل. وفي حين أنّ ثمة مجالات عديدة يستطيع الرجل العربي الانخراط فيها من دون تأهيل مهني أو دراسة جامعية، من قبيل تجارة البناء وقطاع الخدمات ومجال السيارات والورش الصناعية والنقل، فإنّ المرأة العربية غير قادرة على ذلك". وتوضح أنّ "تلك المرأة تتوجّه من ثم إلى الدراسة الجامعية، نظراً للحاجة إلى دخل ثانٍ في العائلة في ظل الغلاء المعيشي". تضيف سلايمة أنّ "ما تتغنى به وزارة الاقتصاد ووزارة التشغيل، وتحسبه تقدّماً ملحوظاً للنساء العربيات في ما يخصّ الاندماج في سوق العمل، مثلما هي حال النساء اليهوديات، يخدم البيانات التي تسعى إسرائيل إلى إبرازها أمام دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
وتلفت سلايمة من جهة أخرى، إلى أنّ "عدد العاطلات من العمل في ازدياد (وهنّ كذلك بفعل فاعل لا بإرادتهنّ). فنسبة العاطلات من العمل من بين النساء العربيات اللواتي يحملنَ شهادات، من الأعلى في البلاد مع 35 في المائة. فسوق العمل في الداخل الإسرائيلي المحتل ما زال غير جاهز لاستقبال الآلاف منهنّ، لأسباب مختلفة، بنيوية على سبيل المثال". وتتحدّث سلايمة عن "تردّي المواصلات العامّة من البلدات العربية إلى المدن اليهودية الكبرى، حيث فرص العمل أكبر، وعدم توفّر تسهيلات تتيح للأم العربية الانخراط في سوق العمل بطريقة منتظمة. كذلك، ثمّة أسباب عنصرية تمنع أصحاب أعمال يهوداً من تشغيل مواطنين ومواطنات عرب بذرائع مختلفة". وتتابع سلايمة أنّ "ثمة نساء عربيات نجحنَ في إيجاد فرص عمل مناسبة، لكنها للأسف وظائف جزئية. على سبيل المثال، وظيفة تدريس واحدة تُقسم أحياناً على ثلاث مدرّسات، وبهذا تتحسّن أرقام الإحصاءات وإن لم يتحسّن وضع المدرّسات الاقتصادي".
في السياق، تقول سلايمة: "لاحظنا كذلك إطلاق مشاريع اقتصادية عديدة، تشجّع تشغيل النساء العربيات وتحظى بتحفيز ودعم حكوميَين، لكنّ ذلك لقاء أجور زهيدة ومن دون عقود عمل طويلة الأمد. وهكذا يحصل صاحب المصنع أو المصلحة على المال من الحكومة لتشغيل الأقليات، لكنّ الواقع بعيد عن توفير الأمان الوظيفي للمرأة العربية".