المخيمات العشوائية في إدلب أنشأها النازحون بأنفسهم في الأراضي الزراعية، ما يعني عدم استفادتها من أيّ جهة إنسانية، وهو ما يغيّب الخدمات عنها. الأزمة تتسع إذ ارتفعت أعداد النازحين أخيراً
تحولت سورية إلى بلد لمخيمات النازحين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. هي مخيمات تلازمها مآسٍ وآلام اشتركت جهات عدة فيها عندما أبعدت السكان عن منازلهم وقراهم، فمنهم من أجبرتهم غارات النظام السوري وروسيا على ترك بيوتهم، ومنهم من لعب تنظيم "داعش" دور الجلاد ليجعل من بقائهم تحت رحمته عذاباً لهم، ففروا إلى الصحراء كما حدث مع نازحي مخيم الركبان في منطقة المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق، فالصحراء كانت أهون عليهم من حكم التنظيم.
الشمال السوري أصبح بقعة جغرافية تكتظ بالمخيمات، التي أوى إليها النازحون مختزلين الشعب السوري في بقعة جغرافية ضيقة، إذ يبلغ عدد المخيمات في الوقت الحالي في منطقة الشمال الغربي من سورية 1153 مخيماً بحسب ما تشير إليه إحصائيات فريق "منسقو استجابة سورية" المتخصص بعمليات الإحصاء والمتابعة التي تخص النازحين وما يتعلق بهم. ومن بين هذه المخيمات مخيمات عشوائية خيامها مبعثرة، غابت عنها رعاية المنظمات الدولية والمحلية، ويعيش النازحون فيها ظروفاً يصعب وصفها، فلا خدمات متوفرة ولا رعاية صحية ولا مساعدات غذائية، كأنّهم على الهامش، وخارج التاريخ. وهذه المخيمات تتوزع في مناطق كثيرة من ريف إدلب، خصوصاً سلقين وحارم وأرمناز وكفرتخاريم ودركوش وجسر الشغور وسهل الروج، بما فيها منطقة الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، من مناطق سيطرة المعارضة السورية في الريف الغربي لمحافظة إدلب غربي المحافظة، وصولاً إلى ريف حلب الغربي الشمالي.
ومع نزوح نحو 200 ألف شخص من مناطق ريف إدلب الجنوبي، خلال الحملة العسكرية المستمرة منذ أول أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نصفهم من مدينة معرة النعمان، التي كان يقطنها 100 ألف شخص، سيرتفع عدد المخيمات العشوائية في محافظة إدلب، و يصبح من الصعب تخطي الكارثة الإنسانية، وتوفير متطلبات الحياة لهؤلاء النازحين الجدد.
عن المخيمات العشوائية وكيفية تجنب كارثة إنسانية فيها، يقول، مدير فريق "منسقو استجابة سورية"، محمد حلاج لـ"العربي الجديد": "عدد المخيمات العشوائية في الوقت الراهن 242 مخيماً، والمجموع العام للمخيمات المنتظمة والعشوائية في عموم مناطق إدلب هو 1153 مخيماً. هذه المخيمات العشوائية الـ242 تضم نازحين ومهجرين بحدود 120 ألف نسمة، وخلال موجات النزوح الأخيرة من مناطق الريف الجنوبي، بدأ عدد المخيمات العشوائية بالازدياد، نتيجة كثافة النزوح من تلك المناطق وعدم وجود مأوى للأهالي بمقدورها الاستقرار فيه أو مراكز إيواء".
هناك تدابير يمكن اتخاذها لجعل المخيمات العشوائية مناسبة للنازحين وقادرة على توفير بعض الظروف الملائمة للحياة، إذ يشير حلاج إلى أنّ المتطلبات الأساسية للمخيمات العشوائية تتلخص بعدة أمور، و في مقدمتها استبدال الشوادر أو الخيم البلاستيكية التي لا تتحمل الحرارة أو المطر وليست ملائمة في الأصل للحياة، فهذه الشوادر أو العوازل البلاستيكية وغيرها ليست خياماً نظامية، أما الإجراء الثاني والمهم فهو فرش أرض هذه المخيمات بالحصى، ومواد أخرى مناسبة، كي لا تتحول إلى أراض طينية تعيق حركة النازحين عند هطول الأمطار.
يضيف حلاج: "من التدابير المهمة أيضاً تصريف المياه الآسنة، ومياه الأمطار، والأخير أهم في الوقت الحالي، نتيجة العواصف التي تضرب المنطقة. ونحن دائماً نوضح أنّ المخيمات خصوصاً العشوائية هي حلول مؤقتة، ويجب استبدالها بحلول دائمة، ومن الحلول إعادة إعمار بعض القرى والبلدات الآمنة نسبياً، أو اللجوء لتركيب كرفانات سهلة التنقل يمكن وضعها في محيط المدن والقرى، ليكون هناك تواصل بين سكان المدن والقرى والمدنيين فيها، فيجري تأمين الخدمات الأساسية لهم من مياه وصرف صحي ووصل بالمدارس والمستشفيات، فيكون هناك انتقال للمدنيين من هذه المخيمات إلى داخل المدن والقرى، وحتى الأسواق". أما بالنسبة للمخيمات بالذات، يقول حلاج: "قدمنا الكثير من النصائح بهذا الخصوص، ومن أبرز الحلول في الوقت الحالي على اعتبار أنّ الاستجابة الإنسانية ضعيفة جداً، حفر خنادق في محيط المخيمات بشكل كامل بالإضافة لحفر خندق بسيط بمحيط كلّ خيمة، يجري فيه تصريف مياه الأمطار وإبعادها عن المخيمات كي لا تتعرض خيام النازحين للغرق فتتلف ممتلكاتهم".
لجأ نازحون في مخيمات عشوائية كثيرة في إدلب لحفر خنادق بمحيط الخيم، ورصف الأرض بالحجارة لتأمين ممرات لهم خلال الأمطار، كون المخيمات الواقعة في الأراضي الزراعية تتحول إلى أرض طينية يصعب التنقل فيها. يشير مدير مخيم الدير الشرقي الواقع بالقرب من بلدة كللي في ريف إدلب الشمالي الغربي، بهجت أبو عهد لـ"العربي الجديد" إلى أنّه عند هطول المطر تغمر المياه معظم الخيام، وتعيش العائلات مأساة حقيقية. يضم المخيم نحو 150 عائلة، نازحة من ريف حماة الشرقي، وهو النزوح الثاني لهذه العائلات، إذ أقامت سنوات بالقرب من بلدة الدير الشرقي، جنوبي شرق محافظة إدلب قبل التوجه إلى منطقة كللي، نتيجة العمليات العسكرية التي أجبرتها على مغادرة المنطقة. يوضح أيضاً أنّ عدة نداءات استغاثة جرى توجيهها لهيئات إنسانية لتقديم المساعدات للنازحين، والعمل على تأهيل المخيم الذي يقطنون فيه لكنّ كلّ هذه النداءات لم تلق أيّ استجابة.
في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت عدة منظمات إنسانية بالفعل بالتدخل لمساعدة النازحين، لكنّ التركيز منصب على المخيمات التي تضم أعداداً كبيرة من النازحين، ومن هذه المنظمات هيئة "ساعد" الإنسانية التي عملت على تحسين إنشاء بنى تحتية في بعض المخيمات ومنها الصرف الصحي، كما عملت مؤخراً على بناء مراكز لاستقبال النازحين من ريف إدلب الجنوبي، خصوصاً معرة النعمان. وأقيمت هذه المراكز في معرة الإخوان في ريف إدلب الشمالي، بالقرب مدينة معرة مصرين، بالإضافة إلى مركز آخر يتسع لنحو 1000 شخص بالقرب من بلدة كفر حلب، كما مركز آخر يستوعب 3000 نسمة باسم مركز شبيران بالقرب من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي.
وعن حال النازحين في هذه المخيمات المنتشرة في ريف إدلب، يقول الناشط الإعلامي، خضر العبيد لـ"العربي الجديد": "تجولت بين مخيمات عشوائية عدة في ريف إدلب، وهناك مشاكل كثيرة يعانيها النازحون، إذ رأيت أطفالاً ينقلون المياه بمستوعبات بلاستيكية لمسافات طويلة، في إحدى المخيمات الواقعة قرب مدينة بنش، كما تحدث لي النازحون عن الأفاعي التي تنتشر في فصل الصيف وكذلك العقارب والتي تهدد حياة أبنائهم، وهذه أبسط المشاكل في فصل الصيف! أما في فصل الشتاء، فقد اجتاحت الأمطار الكثير من المخيمات العشوائية في ريف إدلب خاصة تلك الواقعة قرب مدينة حرام، فهذه المخيمات تقع بأرض منخفضة وهي مجرى طبيعي لمياه الأمطار، كما أن هناك أيضا مخيم كفرزيتا الواقع في أرض زراعية في منطقة بابسقا بريف إدلب، ويفتقر النازحون في هذا المخيم للصرف الصحي، وارضية المخيم هي أرض ترابية، تتحول إلى أرض موحلة مع هطول المطر الذي يهدد النازحين بغرق خيامهم أيضاً.
يتابع العبيد: "من أشد ما يعانيه النازحون في الوقت الحالي داخل المخيمات العشوائية غياب وسائل التدفئة، ويلجأ البعض لحرق الأخشاب ووضعها داخل الخيمة، للحصول على قليل من الدفء، لكنّ هذا لا يجدي نفعاً كونه قد يتسبب باختناق من فيها. أيضا يعاني النازحون من مشكلة الحصول على مياه الشرب، فالصهاريج أو السيارات لا تستطيع الوصول لهذه المخيمات عند هطول المطر إذ تتقطع الطرق المؤدية إليها.
النازحة من ريف إدلب الشرقي، أم خالد تقول: "خرجت مع أولادي بما نملك من ملابس فقط. لم يكن بمقدورنا حتى حمل بعض الملابس الشتوية للأطفال. وصلنا إلى ريف إدلب الشمالي بعد عذاب. ليس لدينا شيء نستخدمه في التدفئة، فلا مازوت أو حطب أو غاز. أذهب لجمع بعض الأشواك أو الأغصان والأكياس البلاستيكية المنتشرة في الأرض القريبة من المخيم، لاستخدامها في الطهي لأولادي والتدفئة. هكذا نعيش منذ نحو عشرة أيام، نترقب أن يمد لنا أحد ما يد العون، لكن لا مستجيب".
في أحد المخيمات العشوائية، غربي بلدة باتابو في ريف حلب، يعيش النازح من ريف حماة الشمالي، خضر عبدو، مع أطفاله، صابراً على ما يعانيه كون الخيارات محدودة. يقول لـ"العربي الجديد": "الرياح تعصف بشدة هنا، وتتسبب بتمزيق الخيام وتضررها، وعند هطول المطر تنقطع الطريق، وهنا لا يمكن التنقل من دون انتعال جزمة بلاستيكية، بسبب الوحل، ولا يمكننا النوم ليلاً فقد تغرق خيامنا وما فيها من أغراض. نريد من المنظمات أن تقدم لنا عوازل للخيم ومواد للتدفئة، ليست لدينا القدرة على شراء وقود التدفئة أو الحطب فالأسعار مرتفعة جداً، وأطفالنا يعانون من البرد. نشعل الأكياس البلاستيكية والأحذية القديمة وكلّ ما يمكن حرقه للحصول على الدفء. نعرف أنّ هذا مضر بصحتنا وصحة أطفالنا لكن ما باليد حيلة، ولا نستطيع أن نقف عاجزين بينما يتجمد أطفالنا من البرد".