ابتهال عبد اللطيف تتبنى قضايا سجينات الرأي المحررات بتونس

14 مارس 2015
تحمل في جعبتها حكايات معاناة سجينات رأي تونسيات(العربي الجديد)
+ الخط -

لا تنسى اسماً ولا تاريخاً ولا حدثاً، وهي تسرد تفاصيل معاناة أكثر من مائة سجينة رأي تعرّضن للاضطهاد في خلال حكم النظام التونسي السابق. فابتهال عبد اللطيف حفظت مأساة كل واحدة منهنّ، وكأنها مأساتها الخاصة.

وهذه الناشطة التونسيّة من مدينة قليبية في محافظة نابل (شمال شرق تونس)، ولدت في 30 يوينو/حزيران 1960 وأنهت دراستها الجامعيّة في عام 1991، أحد أكثر الأعوام التي ضيّق في خلالها نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي على الحريات، لا سيّما حرية اللباس والمعتقد وممارسة العمل السياسي وكذلك عمل الجمعيات. هي حصلت على شهادة في أصول الدين، لكنها لم تتمكّن من استكمال دراستها إذ لم يسمح لها بإتمام رسالة الماجستير بسبب التزامها بالحجاب. "تعرّضت للاضطهاد والحرمان من الدراسة، على الرغم من تفوقي وطموحي الكبير، لكن لحسن حظي لم أتعرّض للتوقيف أو السجن في تلك الفترة".

ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات، شهدت البلاد موجات توقيف طالت معارضين سياسيّين، لا سيّما نسبة كبيرة من الإسلاميّين من الرجال والنساء على حدّ سواء، حتى وإن لم ينتمِ معظمهم إلى أي تنظيم أو حزب أو حتى جمعيّة. وفي خلال تلك الفترة، ما بين 1987 و1991، كانت عبد اللطيف من الأشخاص الذين اهتموا بحقوق الإنسان كطالبة جامعيّة في تلك السنوات التي شهدت انتهاكات كبيرة للحقوق، وتضييقاً على النقابات ومضايقات للطالبات اللواتي طالبن بحقوقهنّ.

لكن المرأة الناشطة حققت ما كانت تطمح إليه بعد الثورة. فهي تمكّنت من إكمال رسالة الماجستير حول "العمل السياسي النسائي في تونس".

إلى ذلك، دفعها إيمانها بقضيّة المرأة وحقوقها إلى تأسيس جمعيّة "نساء تونسيات" في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، للدفاع عن حقوق المرأة وإعداد دراسات ميدانيّة تكشف واقع النساء في البلاد، لا سيّما اللواتي تعرّضن إلى انتهاكات قبل الثورة. فكانت تطرح الأسئلة حول ما إذا كانت كل التونسيات قد تمتعن بالفعل بحقوقهنّ بحسب ما كان يروّج، أم أنّ فئات منهنّ كانت مهمّشة طيلة سنوات".

فوجّهت نداءً عبر جمعيّتها إلى كلّ امرأة تعرّضت إلى انتهاك بسبب حرية التعبير أو المعتقد، أو على خلفيّة العمل السياسي مهما كان توجهها. وقد تلقّت بالفعل أكثر من 400 ملف لنساء تعرّضن للتعذيب في سجون النظام السابق، "لكن العدد قد يكون أكبر بكثير".

على الرغم من أنّ جمعيتها حديثة العهد، إلا أنها استطاعت توثيق قضايا وحالات لم تتمكّن من توثيقها جمعيات كانت تنشط منذ سنوات. فالجمعيات الحقوقيّة العريقة التي كانت تدافع عن حرية التعبير وتندد بانتهاك حقوق الإنسان، "لطالما اهتمت بالرجال وقضاياهم حصراً، حتى أننا خلنا أنّ سجون بن علي خالية من النسوة اللواتي كثيراً ما تشدّق النظام بالدفاع عن حقوقهنّ".

تبنّت الناشطة السجينات وقضاياهنّ، حتى باتت هي تذكرهنّ ببعض تفاصيل معاناتهنّ في السجون، التي قد تسهو عنهنّ.. كأنها عايشت معاناة كل واحدة منهنّ. وقد طالبت بمحاسبة كل من تورّط في تعذيبهنّ وقمعهنّ، وكذلك بردّ الاعتبار إلى كلّ سجينات الرأي وحقهنّ في العمل والاعتراف بنضالهنّ وصبرهنّ في الزنازين. فوقفت في الصفوف الأماميّة مع جمعيات حقوقيّة أخرى، للضغط على الحكومة والبرلمان بهدف تمرير قانون العدالة الانتقاليّة لردّ الاعتبار لكلّ من تعرّض للانتهاك من قبل النظام السابق.

من جهة أخرى، أعانت بعضهنّ للحصول على عمل، فيما ساعدت أخريات على الحصول على الرعاية الصحيّة بعدما تمكّن منهنّ المرض خلال سجنهنّ.

وفي العام الماضي، اختيرت من ضمن أعضاء "هيئة الحقيقة والكرامة" التي صادق عليها البرلمان في مايو/أيار 2014. والهيئة بحسب الناشطة "هي هيئة دستوريّة من أبرز الهيئات التي أنشئت بعد الثورة لتحقيق العدالة الانتقاليّة والتحقيق في جرائم الماضي، لردّ الاعتبار لكلّ من انتهك حقه المالي والمعنوي وأهينت كرامته، بالإضافة إلى كشف كل ضرر وتحقيق مصالحة وطنيّة". ومن خلال عضويتها تلك، تواصل عبد اللطيف "العمل على توثيق الانتهاكات التي تعرّض لها كلّ مواطن تونسي وحقائق وقضايا لم تكشف بعد".

أما طموحها فإنشاء دار للذاكرة، بهدف "حفظ الذاكرة الوطنيّة المتعلقة بالانتهاكات التي تعرّض لها التونسيّون، وجمع المعطيات المتعلقة بها وإحصائها وتوثيقها". هي دار "تضمّ كل الإبداعات الفكريّة والدراسات العلميّة وكل ما من شأنه أن يوثّق ما كان يمارس في الماضي من انتهاكات على مدى سنوات.. دار تحفظ فيها الذاكرة حتى لا ينسى التونسيّون تضحيات أناس دافعوا عن الحرية والحقوق".
المساهمون