أجهزة التنفس... مواجهة كورونا بنقص طبي في مصر

03 ابريل 2020
الفيروس يثير حالة هلع في مصر(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشف فيروس كورونا الجديد نقصاً كبيراً حاصلاً في المستشفيات المصرية، لا سيما في الصعيد، وهو نقص طويل الأمد يمنع تلك المستشفيات من استقبال المرضى

تواجه المستشفيات المصرية الحكومية والجامعية، المنتشرة بعدد من المحافظات، أزمة حادة في نقص أجهزة التنفس الاصطناعي، وهو ما يهدد حياة المرضى، خصوصاً المصابين حالياً بفيروس كورونا الجديد. وهي الأزمة التي بدأت في محافظات الصعيد، وتتزايد في عدد من محافظات الوجه البحري حالياً بالترافق مع زيادة أعداد المصابين بكورونا. من جهتهم، ناشد عدد من الأطباء ومديري المستشفيات وزارة الصحة ووكلاء الوزارات بالمحافظات، العمل على توفير تلك الأجهزة.

في هذا الإطار، كشف مسؤول بوزارة الصحة المصرية أنّ بعض المستشفيات ووكلاء الوزارات بمحافظات الوجه البحري، طالبوا رجال الأعمال بالتبرع لشراء تلك الأجهزة، بسبب الحاجة الماسّة إليها، في ظل انتشار فيروس كورونا الجديد، موضحاً أنّ تلك الأجهزة تنقل الأوكسجين إلى رئتي المرضى الذين يعانون من مشاكل تنفسية حادة من خلال أنبوب يجري إدخاله في الحلق، فضلاً عن استخدامها في العمليات التي تستدعي التخدير الكلي، وأنّ سعر جهاز التنفس الاصطناعي الواحد يراوح بين 300 ألف جنيه (19 ألف دولار أميركي)، و700 ألف جنيه (44.500 دولار)، بحسب المواصفات والدولة التي يستورد منها.



أضاف المسؤول الذي يفضل عدم نشر اسمه، أنّ تلك المستشفيات تعاني بالفعل من نقص حاد في أجهزة التنفس الاصطناعي، مشيراً إلى أنّ هناك بعض الأجهزة متوفرة في عدد من المستشفيات في المدن بمحافظات الوجه البحري، لكنّها لا تقوم بدورها على أكمل وجه، كونها قديمة وبعضها متهالك، كما أنّ الأزمة الصحية التي تمر بها البلاد كشفت عن عدم وجود أجهزة تنفس داخل مخازن المستشفيات، كما لا تلوح في الأفق القريب بارقة أمل لحلّ معضلة نقص الأجهزة، ووصل الأمر إلى حدّ استئجار بعض أهالي المرضى تلك الأجهزة من شركات المستلزمات الطبية.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وجّه أعضاء حكومته خلال الأيام الماضية إلى أهمية تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي داخل البلاد لتخفيف الاستيراد من الخارج. وجاء القرار بعدما أعلنت المستشفيات عن وجود أزمة لديها على هذا الصعيد. إذ يجري استيرادها من اليابان وألمانيا وماليزيا والهند، وهي دول تواجه أزمة إنتاج حالياً. أضاف المسؤول أنّ وحدات الرعاية المركزة بالمستشفيات المصرية الحكومية تواجه أزمة أيضاً، تتمثل في نقص شاشات المونتير التي تراقب وظائف أعضاء المريض بوحدة العناية المركزة، بالإضافة إلى أجهزة الصدمات الكهربائية التي تستخدم في معالجة اضطرابات القلب، وأدوات مثل ميزان الحرارة لقياس درجة حرارة الجسم، بجانب الأدوية والمضادات الحيوية، والأسرّة غير الكافية. ووصل الأمر إلى نقص في الدفاتر الخاصة بتسجيل تفاصيل المريض، ولم تتوقف كارثة العناية المركزة عند ذلك، بل هناك عجز حاد في طواقم التمريض ونقص مماثل في عدد الأطباء.

وكشف فيروس كورونا الجديد عن نقص حاد في المعدات والتجهيزات الطبية والأدوية الضرورية لعلاج المرضى بمحافظات صعيد مصر. ودفعت الأزمة محافظي إقليم الصعيد إلى إخلاء عدد من الطوابق بالمستشفيات الحكومية، ورفض استقبال المرضى المصابين بأيّ أمراض أخرى غير كورونا في تلك الطوابق.

ولفت مسؤول بإحدى الإدارات الصحية بصعيد مصر إلى أنّ عشرات من المستشفيات الحكومية بمحافظات الصعيد تفتقر للإمكانيات الطبية، وتعاني من الإهمال من جميع النواحي، وأوضح أن إخلاء الطوابق من المرضى حدث بناء على تعليمات من المحافظين، وهي العليا في مباني المستشفيات، حتى تكون بعيدة عن المترددين من الأهالي والمرضى، محذراً من أنّ بعض تلك الطوابق، التي جرى إخلاؤها على أنّها غرف للعزل، مبانيها متهالكة يكاد يختفي الطلاء عن جدرانها، وتغزوها الحشرات، فيما الأسرّة قديمة جداً، والحمامات غير صالحة للاستخدام في معظمها، بالإضافة إلى نقص الأدوية وطواقم التمريض والأطباء، وعدم توفر أجهزة تنفس اصطناعي. واعترف المسؤول بوجود حالات لمصابين بهذا الفيروس من أجانب ومصريين ومخالطين بمحافظات صعيد مصر، جرى حجزهم بمستشفيات خاصة وليست حكومية، بسبب جودة التجهيزات بتلك المستشفيات. وأشار المسؤول إلى تحويل يومي لحالات مشتبه فيها إلى المستشفيات الخاصة من دون الإعلان عنها، خوفاً من حالة الهلع، مضيفاً أنّ مستشفى "الأقصر الدولي"، الذي يجب أن يكون على استعداد تام لاستقبال حالات الطوارئ كافة بما فيها مرضى كورونا، نظراً لمكانته وسعة مساحته، خالٍ من التجهيزات الطبية والأطباء، وتجرى فيه عمليات بسيطة أو كشوف عادية، من بينها قياس الحرارة والضغط وتحويل إدارة المستشفى عشرات المرضى يومياً إما إلى مستشفى "أسيوط الجامعي" أو إلى عدد من المستشفيات في القاهرة.

وكشف الدكتور حسين م. وهو رئيس قسم بأحد مستشفيات الصعيد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المستشفيات الحكومية بمحافظات الصعيد تعمل بنصف طاقتها في الوقت الحالي، وربما أقل من ذلك، وهو ما أدى إلى زيادة أعداد المرضى في قوائم انتظار بعض العمليات"، مشيراً إلى أنّ هناك حالة من الازدحام الشديد في أقسام العيادات الخارجية بالمستشفيات، خصوصاً عيادات الباطنة والأنف والأذن والحنجرة والأطفال، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة لدى البعض والخوف من كورونا، وهناك ازدحام على شباك التذاكر من الصباح الباكر، إذ يتوافد المرضى قبل أن يبدأ الشباك عمله. وأضاف أنّ مستشفيات الصعيد غير مؤهلة بالدرجة الكافية لاستقبال المرضى في ظل ضعف الإمكانيات الطبية بصفة عامة، كما أنّ الأطباء تسيطر عليهم حالياً حالة من الخوف من احتمال انتقال الأمراض إليهم، لا سيما كورونا، بسبب ضعف الإمكانيات الوقائية، بالرغم من أنّ هذا الفيروس ما زال انتشاره محدوداً بالصعيد. كلّ ذلك يدفع الأطباء إلى شراء احتياجاتهم الخاصة من الصيدليات لاستخدامها أثناء الكشف على المرضى.



وحوّل إخلاء بعض المستشفيات الحكومية بالصعيد عدداً من العنابر لاستقبال حالات كورونا. يعلّق الدكتور حسين: "هناك تعليمات صادرة من المحافظين أو وكلاء الوزارات بالمحافظات بأنّه بناء على تعليمات سيادية، توضع الاستعدادات القصوى لاستقبال أيّ حالات كورونا بما هو متاح، وذلك بالرغم من عدم توفر أيّ من تلك الاستعدادات غالباً".

حضّانات غير كافية
ليس النقص الخاص بتجهيزات مقاومة فيروس كورونا الجديد وحده ما يشكو منه أهالي صعيد مصر، بل هناك أيضاً نقص في حضّانات المواليد، في المستشفيات الحكومية والجامعية، فيما الحصول عليها لا يجري إلا بالمحسوبية، بعد ارتفاع كلفتها بشكل كبير في القطاع الخاص، إذ يصل سعر الليلة الواحدة إلى ألف جنيه (64 دولاراً أميركياً)، وهو ما يعرّض هؤلاء الأطفال لخطر الموت.

المساهمون