بلال كياني.. طفل يقضي يومه بين السيارات لكسب الرزق

26 ديسمبر 2015
لا يمكن للراشدين تحمل ما يتحمله هذا الطفل(العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن الطفل الباكستاني بلال كياني يرغب في ترك المدرسة. وبعدما أجبر على ذلك نتيجة ظروف عائلته الصعبة، ما زال يحلم، وإن تغيّر حلمه .

قبل أن يتجاوز عامه العاشر، أرغمت الظروف المعيشية الصعبة الطفل، بلال كياني، على العمل في أحد الأسواق لتأمين لقمة العيش لأسرته الفقيرة، وقد أصيب والده بأمراض عدة أجبرته على ملازمة البيت. وعند بلوغه عامه الثاني عشر، اضطر نهائياً إلى ترك مدرسته الابتدائية في ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام آباد. فإصابة والده محمد طارق بمرض السكري وبتر رجله، أجبراه على ذلك وعلى العمل في أسواق مختلفة، منها سوق راجه بازار.

في البداية، رفضت والدته، ماجدة بي بي، أن يترك ابنها الوحيد الدراسة بهدف العمل. سعت إلى إيجاد وسيلة أخرى من أجل تأمين احتياجات عائلتها. لكن مرض زوجها أنهكها، فاضطرت إلى صرف كل ما تملكه لعلاجه. باءت جميع محاولاتها بالفشل، فأجبرت على إخراج ابنها الوحيد من المدرسة وإرساله إلى السوق.

تقول أم بلال: "يقلقني حال ابني الذي يخرج في الصباح الباكر إلى العمل. لا أريد أن أراه هكذا. مع ذلك، ليس لدي خيار آخر". تشير إلى أنها كانت تأمل في شفاء زوجها كي يستأنف عمله ويعود ابنها إلى المدرسة. لكن حلمها لم يتحقق، ولم يعد زوجها قادراً على مفارقة السرير، وقد نصحه الأطباء بالبقاء في البيت. تضيف أنه ليس لديها حلم إلا رؤية أطفالها يرتدون الزي المدرسي، على غرار أبناء أقاربها وجيرانها. لكن لا يبدو أن حلمها قد لا يتحقق، خصوصاً أن أحداً لم يساعد العائلة لتجاوز محنتها هذه. ولا يمكن لهذه المرأة إلا الأسف إزاء تعامل الناس معها. تقول: "لم يساعدني أحد في هذا الوقت العصيب، كي أتمكن من إرسال ابني الوحيد إلى المدرسة".

يخرج بلال المتحدّر من أسرة كياني العريقة في باكستان، إلى عمله في ورشة للسيارات في ضواحي العاصمة إسلام آباد في الصباح الباكر. يعمل طوال النهار في مقابل راتب زهيد لا يتجاوز الخمسين دولاراً أميركياً في الشهر. ويغطي هذا المبلغ ثلث احتياجات الأسرة. مع ذلك، تأمل الأم أن يكون لدى بلال ورشته الخاصة في أحد الأيام، ويستقر في عمله، ويكون قادراً على التأسيس لمستقبل ناجح. في الوقت الراهن، تحتاج الأسرة إلى أمور كثيرة، خصوصاً أن لبلال أربع شقيقات، وتحلم الأم أن ترسلهن إلى المدرسة وتوفّر لهن كل احتياجاتهن.

وتشير الوالدة إلى أن ما يكسبه ابنها لا يكفي لتأمين بدل إيجار المنزل، بالتالي هي مضطرة إلى العمل في تنظيف إحدى المدارس القريبة من بيتها، لتحصل على نحو ستين دولاراً في الشهر. أما بلال، وعلى الرغم من صغر سنه، فإنه يبدو متصالحاً مع حياته الجديدة. لا يبدو التعب على جسده، على الرغم من سنواته المعدودة. يعمل لساعات طويلة خلال النهار، ويبدو مصمماً على المضي قدماً في العمل، لافتاً إلى أنه يعمل جاهداً حتى يصبح له محله الخاص، ويتمكن من مساعدة أمه وأبيه وأخواته.

يتابع بلال: "أحب أن أدرس، لكنني لست الطفل الوحيد الذي ترك الدراسة بسبب الأحوال المعيشية الصعبة. لذلك، لن أحزن كثيراً لأن الأمر لا يتعلق بي بل بظروفنا الصعبة وبمرض والدي. صحيح أنني كنت أدرس، وكنت من أسعد أولاد القرية حين كان والدي سالماً معافى يعمل مثل غيره من الآباء، لكن ما باليد حيلة".

لدى بلال أحلام كثيرة. بالإضافة إلى التطور في المهنة، يأمل أن يتمكن من علاج والده وتعليم أخواته. ويبدو حريصاً على راحة والدته، وعدم اضطرارها إلى العمل. يدرك أن أحلامه لن تتحقق في وقت قريب، وما زال أمامه طريق طويل كي يصبح ميكانيكي سيارات وتكون له ورشته المستقلة.

يبدو الوالد محمد طارق حزيناً. يأسف على حال زوجته وأولاده، علماً أن العائلة كانت تنعم بحياة هانئة قبل أربعة أعوام. يقول لـ "العربي الجديد": "قبل أربعة أعوام، لم أكن أعاني من أي مرض، وكنت أعمل مثل جميع الآباء. كان حلمي الوحيد أن أوفر لأولادي وزوجتي ما يحتاجون إليه. لكن شاء الله أن أقضي ما تبقى من حياتي في السرير". أكثر ما يضايقه أنه عاجز عن مساعدة أسرته، مضيفاً أن زوجته وابنه يعملان على توفير الدواء له، بالإضافة إلى كل احتياجات المنزل.

من جهته، يصف صاحب ورشة السيارات محمد رياض، بلال بأنه صاحب عزيمة، مضيفاً أنه لا يمكن للراشدين تحمل ما يتحمله هذا الطفل. يتابع أن بلال طفل حسن الأخلاق وذكي ولا يتكاسل أثناء العمل وسريع التعلم. لذلك، لا يستغرب أن يكون قادراً خلال الأعوام المقبلة على فتح محله الخاص. ويقول إنه يساعد بلال ويمده بالمال، كما أنه على استعداد لسداد رسوم مدرسته إذا أراد هو الذهاب إليها. لكن هل يكون قادراً على ذلك حقاً؟ ومن يعوّض فترة غيابه حين يكون في المدرسة؟

اقرأ أيضاً: أطفال يلتقطون طيور الصيّادين
المساهمون