شمّ النسيم...فرح ونزهات رغم ارتفاع الأسعار

القاهرة

أروى أبو اليزيد

avata
أروى أبو اليزيد
13 ابريل 2015
+ الخط -



وسط أجواء ما زالت متوترة، يحيي المصريون، اليوم الإثنين، عيد شم النسيم ويحتفل كثيرون به، بينما يرى آخرون إن الظروف العامة والحالة الاقتصادية تحرمهم من فرحة هذا اليوم الذي يمثل عند المصريين عيداً شعبياً للجميع بتقاليده المتوارثة منذ زمن بعيد. وقد ظهرت في بعض الأماكن شوادر لبيع الفسيخ والرنجة والملوحة، وانتشرت في الشوارع عربات بيع الخس بأنواعه والبصل الأخضر والحمص الأخضر أو ما يعرف بـ"الملانة".

وعلى المستوى الرسمي، أصدرت وزارة الصحة تعليمات لمديرياتها في المحافظات بتشكيل لجان من مراقبي ومفتشي الأغذية تعمل على مدار الساعة، وتكثيف متابعة الأسواق العامة ومطابقة أماكن إنتاج الأسماك المملحة والمدخنة للاشتراطات الصحية، للتأكد من صلاحية الأسماك للاستهلاك الآدمي، كما اهتمت وزارة التموين بطرح كميات إضافية من الأسماك والرنجة بالمجمعات الاستهلاكية، بينما أعلنت وزارة الداخلية عن تكثيف قوات الشرطة بالميادين الرئيسية والحدائق العامة.

وعلى المستوى الشعبي، يقضي بعض الأسر العيد في منطقة القناطر الخيرية على نهر النيل، ويخرج العديد من المراكب من أمام مرسى ماسبيرو في وسط البلد للتوجه إلى هناك، وسط حالة من البهجة بين مستقلي المراكب، وتتوجه أسر أخرى إلى حدائق الحيوان بالجيزة، بينما يفضل آخرون الجلوس في بعض الحدائق العامة أو النوادي الاجتماعية.

والارتفاع الجنوني في أسعار سلع شم النسيم يغضب البعض لكنه لا يحرمهم من الاحتفال، حسب ما يقول المحاسب إسماعيل عبد الفتاح الذي يؤكد حرصه على تمتع أولاده وزوجته بهذا اليوم، حتى ولو عن طريق تقليل الكميات المشتراة. وأضاف أن محلات السلاسل الكبرى تبيع بتخفيضات لكنها غير متواجدة في كل الأماكن، مشيراً إلى أن معظم المناطق يباع فيها كيلو الرنجة بسعر من 27- 35 جنيهاً، وكيلو الفسيخ النظيف 120 جنيهاً، والكيلو الواحد من بطارخ الأسماك المملحة 200 جنيه، وطبق البيض البلدي "30 بيضة" وصل إلى 25 جنيهاً، كما إن حزمة البصل وصلت إلى جنيه بعد أن كانت بخمسة وعشرين قرشاً، وقالب الخس الواحد وصل إلى جنيهين وكان لا يزيد على خمسة وسبعين قرشاً، أما الملانة فيتراوح سعرها بين 7 إلى 10 جنيهات للكيلو.


ويؤكد أستاذ التاريخ محمود حازم إن حرصه على الاحتفال بشم النسيم ينبع من كونه عيداً مصرياً خالصاً، لا يخص ديناً بعينه، وليس صحيحاً ما يردده بعض الجهلاء الذين يسيئون للإسلام عندما يزعمون إنه عيد يخص المسيحيين فقط، فالعيد متواجد منذ الفراعنة، ولكن سبب ارتباط شم النسيم بعيد القيامة؛ لأن شم النسيم كان يقع أحيانا في فترة الصوم الكبير الذي يسبق عيد القيامة، ويمتنع فيه المسيحيون عن تناول الأسماك، فقد تقرر نقل الاحتفال به إلى ما بعد عيد القيامة مباشرة. وما زال هذا التقليد متبعاً حتى يومنا هذا، مؤكداً أن ديننا الإسلامي لا يمكن أبداً أن يكون ضد نشر البسمة على وجوه المتعبين.

ويقول الطالب الجامعي هشام الأحمدي إنه ينتظر هذا اليوم للخروج عن نمط الأسرة التقليدي، إذ يتفق مع زملائه على التوجه لقضاء النهار معاً في أحد الأماكن العامة، مشيراً إلى أنهم قضوا العيد الماضي بالقناطر الخيرية، لكنهم قرروا قضاءه هذا العام حول بحيرة قارون بالفيوم، مضيفاً: "شعارنا في شم النسيم.. هذا يوم للبهجة، على الهموم أن تتنحى، هيا نعيش الحياة".

أما ربة المنزل فتحية فهمي، فقد حسمت أمرها لتعلن بوضوح "ما أسمعه عن تحرش الصبيان بالفتيات يجعلني أخاف على بناتي الثلاث، لا سيما بعد وفاة زوجي، ونكتفي بالجلوس أمام التلفزيون في البيت لنأكل الرنجة والبصل والبيض الملون، والحمد لله على كل حال".

وتقول حياة النفوس محمد المصري إن شم النسيم مناسبة تأتي مرة واحدة في السنة، ونحرص على قضائه في إحدى الحدائق العامة، مشيرة إلى أنها تهتم بتنظيف الرنجة، ووضع كميات من الزيت وعصير الليمون عليها، بالإضافة إلى نسبة قليلة من الطحينة، كما تهتم بتلوين البيض عبر غليه على النار مع أغلفة البصل الناشف، ليحصل على اللون القريب من البني، لكنها لا تلونه بألوان المياه وغيرها مثلما يفعل آخرون، أما الفسيخ فيحرص شقيق زوجها على إحضاره كهدية للأسرة من مسقط رأسه مدينة نبروه بمحافظة الدقهلية الشهيرة بأجود أنواعه، والتي يتوجه إليها العديد من مشاهير الفن والكرة لشراء الفسيخ والرنجة والملوحة، رغم ارتفاع أسعارها بنحو عشرة جنيهات عن سعر أسواق القاهرة.

وعن تفسيرها للاحتفال بشم النسيم، تقول مستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة الدكتورة عزة كريم: "إن الكثير من الأسر المصرية تفتقد للفرحة والبهجة لأسباب اقتصادية واجتماعية عديدة، وتنتظر هذا اليوم لتفرح ولو لمرة في السنة في إطار أسري يجمعهم حول تقاليد طيبة يحرص عليها الجميع، ولا تمثل خروجاً على ثوابت الأمة".


وفي دراسة للباحثة في التراث الشعبي سمية عبده، تشير إلى أن شم النسيم هو عيد يحتفل به المصريون منذ عهد الفراعنة، وله طقوسه المميزة، بخروج الأسر منذ الصباح إلى المتنزهات وشاطئ النيل، كما تحيط بكل صنف من مأكولاته أسطورة فرعونية، فتناول الفسيخ بدأ في عهد الأسرة الفرعونية الخامسة، في إطار الاهتمام بتقديس النيل فكانوا يؤمنون بأن الحياة في الأرض بدأت في الماء، ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل، وكانت الأسماك المملحة رمزاً للخصوبة والنماء.

وتضيف الباحثة أن قدماء المصريين كانوا يحرصون على تناول الخس كرمز للبهجة والتفاؤل وتهدئة الأعصاب، كما أصبح البصل رئيسياً عند الفراعنة بعدما شفي نجل أحد الأمراء، بعد أن أمر الكاهن بإحضار ثمرة من البصل ووضعها تحت رأس المريض، ثم قام بشقها ووضعها عند أنفه ليستنشق عصيرها. كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الأخضر الطازج على أبواب القصر، حتى شفي الطفل، وما تزال أسر مصرية عديدة حريصة على هذه العادة حتى اليوم، بينما يرمز البيض إلى خلق الحياة من الجماد، وكانوا يرسمون على البيض، وتطورت هذه الرسوم إلى التلوين البديع للبيض.

اقرأ أيضاً: فنادق مصر تنتظر عيد شم النسيم لتحسين الإيرادات