المناهج السعودية الجديدة بخدمة السياسة: العثمانيون غُزاة

24 اغسطس 2019
تشكيل الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة سيختلف (فاليري شريفولين/Getty)
+ الخط -

السعودية تتغير بشكل متسارع، وهو ما تثبته المناهج المدرسية الجديدة، لكنّ هذا التغيير مبنيّ على مصالح سياسية تقولب التاريخ بحسب منظار الحاضر، وهو ما يحدث الآن مع وصف العثمانيين بـ"الدولة الغازية"

نشر مدونون سعوديون مؤيدون للحكومة صوراً لأجزاء من المناهج الجديدة لمادة "الدراسات الاجتماعية والمواطنة" والتي تُدرّس لطلاب الصف السادس الابتدائي في المدارس السعودية. وقد شملت المناهج بحسب خبراء في التعليم، تقليصاً للجرعة الدينية ومعها تقليص للتركيز على الدعوة الوهابية المتشددة التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، بالترافق مع إبراز أكثر لدور الأسرة الحاكمة في بناء الدولة، وربط جذور الدولة بفترة ما قبل الإسلام، وإبراز دور المرأة كذلك، وتأييد فرض الضرائب على المواطنين، ووصم الدولة العثمانية بأنّها دولة "غازية" للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

ينقسم الكتاب الجديد لمادة "الدراسات الاجتماعية والمواطنة" الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة رقمية منه إلى أربع وحدات؛ هي وحدة تعريف التاريخ، ثم وحدة تاريخ الدولة السعودية الأولى، ثم وحدة تاريخ الدولة السعودية الثانية، وأخيراً وحدة المواطنة الاجتماعية والاقتصادية.




وكان من أبرز ما اشتمل عليه الكتاب تقديمه سردية وطنية جديدة تؤكد جذور العائلة الحاكمة إلى ما قبل 200 سنة من ظهور الإسلام، بالإضافة إلى تأكيد وجود حضارة في الجزيرة العربية خلال "العصر الجاهلي" وهو أمر حاولت المؤسسة الدينية طوال عقود تجاهله. وقلل الكتاب من دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو رجل الدين الذي قامت الدولة السعودية على أفكاره وتحت سلطته رفقة جد الأسرة الحاكمة الحالية، الأمير محمد بن سعود، وهو المؤسس الأول لدولة آل سعود.



وذكر الكتاب دور المرأة في تأسيس البلاد والدفاع عنها وهو أمر لم يكن معهوداً في المناهج التاريخية القديمة في المدارس. وقد ذكر الأميرة موضي أبو وهطان، زوجة مؤسس البلاد، كصاحبة رأي وشريكة في الإدارة، كما جرى ذكر غالية البقمي، وهي زوجة أمير لإحدى القبائل، حاربت العثمانيين أثناء محاولتهم إسقاط الدولة السعودية الأولى. ووصف الكتاب السلطنة العثمانية بأنّها دولة غازية تضمر الحقد والشر للسعودية، وهو تطور كبير مقارنة بكتاب التاريخ السابق الذي يُدرّس في المدارس السعودية والذي كان يصف الدولة العثمانية بأنّها "خلافة" ودولة شرعية للمسلمين كافة. ويؤكد الكتاب على أهمية الضرائب لتسيير شؤون الدولة، كما حاول تمرير رسائل سياسية للتلاميذ ورسم السعودية كعاصمة للوطن العربي، كون الرسول "قد جاء منها" وكذلك الخلفاء الأمويين والعباسيين بحسب ما ذُكر في المنهج.

ويعدّ هذا الكتاب للمادة باكورة التعديلات الجذرية التي يزمع النظام السعودي القيام بها في التعليم وتطبيق مناهج أكثر "وطنية" و"علمانية" من المناهج الدينية القديمة التي أشرف على كتابتها رجال دين يعملون في وزارات الدولة المختلفة ويحظون برضا الأسرة الحاكمة قبل أن ينقلب عليهم النظام في ما بعد.



وكان وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، قال في منتصف عام 2017 إنّ بلاده اتفقت مع السعودية على تعديل المناهج المدرسية وجعلها أقل تشدداً. لكنّ أحمد الزهراني، وهو معلم سعودي سابق، هاجر إلى بريطانيا وأصبح معارضاً سياسياً هناك، يقول لـ"العربي الجديد": "هذه التعديلات ليست بسبب الضغوط الخارجية كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي اضطرت السلطات بموجبها إلى تغيير في بعض جوانب المناهج، بل إنّ التعديلات الحالية ووصف دول مجاورة بأنّها غازية وتضمر الحقد ومحاولة منح البلاد صبغة أسطورية كثيرٌ من جوانبها غير صحيح هو من صميم أفكار ولي العهد محمد بن سلمان". يشبّه الزهراني المنهج السعودي الجديد الذي نشرت أوراقه بالمناهج التي تطبعها الأنظمة الدكتاتورية مثل نظام صدام حسين السابق في العراق أو بشار الأسد الحالي في سورية.




بدوره، يقول معلم سعودي آخر، ما زال على رأس عمله، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد": "هناك نشرة صدرت من قبل وزارة التعليم قبل شهرين تقريباً وعممت على مدارس البلاد كافة، تقول إنّ المناهج سيجري تعديلها قريباً، كما أخبرنا شفهياً من قبل مديري المدارس بالاستعداد لتدريس مناهج جديدة خلال السنتين المقبلتين". يضيف: "بحسب ما ذُكر لنا، فإنّ المواد الدينية التي يصل عددها إلى خمس مواد حالياً ستختصر في مادة واحدة تُسمى التربية الإسلامية، وتشتمل على تعليم الصلاة والصيام والحثّ على مكارم الأخلاق وحبّ الوطن، بدلاً من المواد القديمة التي فيها تكفير للشيعة، وحثّ على العداء للأمم الكافرة، وعدم تقبل الاختلاف بحسب ما نُقل إلينا من قبل المسؤولين".