الحرب تقسو على أفقر فقراء اليمن

24 أكتوبر 2016
21 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية (فرانس برس)
+ الخط -
توقّف صندوق الرعاية الاجتماعية الحكومي عن صرف الإعانات المالية الدورية (معاشات الضمان الاجتماعي) لمليون ونصف مليون أسرة من ‏أفقر الفئات في اليمن، مع بداية العام الجاري، من جرّاء تعليق التمويل الدولي للصندوق احتجاجاً على الانقلاب على ‏الرئيس الشرعي في البلاد. وانعكس توقّف الإعانات سلباً على أوضاع الأسر اليمنية المعدمة التي كانت تستفيد منها.

ويقدّم الصندوق إعانات مالية دورية لأكثر الفئات الاجتماعية هشاشة التي لا تحظى بحماية الحكومة ولا تمتلك الأصول الاقتصادية المدرّة للدخل، على سبيل المثال الأرامل والأيتام وكبار السنّ والأسر شديدة الفقر في المناطق النائية.

أم عادل المطري أرملة تعيل طفلَين وتعيش معهما في إحدى قرى غرب صنعاء، تقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المبلغ الذي نحصل عليه من الضمان الاجتماعي قليل، لكنّه ضروري ومهمّ بالنسبة إلى أسرتي، لا سيّما في مثل هذه الظروف بالغة السوء". يُذكر أنّ أم عادل اعتادت التخطيط لتوزيع المبلغ بدقّة حتى يغطّي أهمّ احتياجات الأسرة. تضيف: "كنّا ننتظر بلهفة الإعانة التي تصل قيمتها إلى 12 ألف ريال يمني (أقلّ من 50 دولاراً أميركياً) مرّة كلّ ثلاثة أشهر. إلى ذلك، كنّا نستلم مواد غذائية مرّة كلّ شهر أو كلّ شهرَين من برنامج الأغذية العالمي، بالإضافة إلى القليل الذي ينتجه حقلنا الصغير". وتتابع: "كنّا ننفق مبلغ الإعانة على شراء ما يساعد في طبخ ما نحصل عليه من حبوب وبقوليات. وتنحصر هذه المواد المساعدة بغاز الطبخ وبعض الخضر من قبيل البصل والطماطم، بالإضافة إلى بعض المنظفات الضرورية للصحة العامة، وكذلك ملابس الأطفال في الأعياد الدينية وخلال فصل الشتاء البارد. بالنسبة إلى أم عادل، فإنّ "انقطاع الإعانة المالية كارثة جديدة حلّت على أسرتي الصغيرة، في وقت لم يعد أحد من القرويين والأقارب يحسن إلينا ولو بمبلغ متواضع لسدّ احتياجاتنا الأساسية. فهؤلاء انقطعت مرتباتهم منذ شهرين، في حين فقد بعضهم أعماله مذ بدأت الحرب بالتصاعد".

من جهته، يخبر عبد الحميد العبسي أنّه ظلّ لأسابيع يقف في طوابير طويلة أمام مكتب البريد في الحيّ الذي يسكنه في صنعاء، منتظراً الإعانة الدورية التي كان صندوق الرعاية الاجتماعية يقدّمها للفقراء. وقد شعر باليأس في الأشهر الأولى من الحرب، لعدم صرفها كما كان مقرراً.



يقول العبسي لـ "العربي الجديد" إنّ "عدم صرف هذه المساعدات التي اعتدناها، يفاقم من سوء وضعنا المعيشي أساساً، إلى حدّ لا يمكن تصوّره". يضيف أنّ "الله وحده يعلم أنّنا لا نتناول إلا وجبة واحدة في اليوم، لعدم قدرتنا على توفير أهم احتياجاتنا. وقد انقطعت هذه المرتبات لتفاقم من سوء أوضاعنا". ويشير العبسي إلى أنّه لا يستطيع شراء الأدوية لأبنائه في حال أصيبوا بمرض ما. وقد أخرجهم من المدارس التي "تتطلب نفقات كثيرة لا نراها ضرورية، وفقاً لمتطلبات البقاء على قيد الحياة". ويناشد العبسي "الحكومة الشرعية في عدن وسلطة الأمر الواقع في صنعاء، العمل على الإفراج عن مرتّبات الضمان الاجتماعي بهدف التخفيف من معاناة ملايين اليمنيين". ويشدّد على أنّ "المبلغ الذي كان يصرف كلّ ثلاثة أشهر قبل الحرب، لم يكن كافياً. وأمام الارتفاع الجنوني للأسعار اليوم، لا يساوي شيئاً. لكنّنا في حاجة ماسة إلى أيّ معونة ماليّة تقدّم لنا، حتى نتمكّن من الصمود".

في هذا السياق، يوضح مدير صندوق الرعاية الاجتماعية منصور الفياضي أنّه قبيل تصاعد الحرب، تقدّم بطلب رسمي أمام البنك الدولي لتأمين التمويل لنصف مليون أسرة فقيرة جديدة، من دون أي استجابة. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الوضع المعيشي يتفاقم كلّ يوم ويزداد خطورة. ‏فالحرب الممتدة تزيد من ضعف مجتمعات بأسرها، وتفرز كلّ شهر آلاف الأسر المسحوقة. وتلك تتطلب ‏احتياجات يومية طارئة ومنقذة للحياة، بعدما استنفدت كلّ وسائلها الخاصة للتكيّف مع أوضاع الحياة ‏المتدهورة. فأخيراً، بدأت مراحل جديدة لم يعهدها اليمنيون من قبل، مثل المجاعة والعطش وأمراض كانت قد اندثرت". ويوضح الفياضي أنّ "فشل الحكومات المتعاقبة في إدراج أسر إضافية على قائمة هذه المعونات، جعل تلك الأسر تقع فريسة تداعيات ‏انعدام الاستقرار السياسي والأمني، على خلفيّة عدم رفع التمويل الدولي منذ ثمانية أعوام"‎.

وفي حين يرى مراقبون ضرورة دعم الأسر المتضررة بالسلع والخدمات، يؤكّد الفياضي على "أهميّة دعم الأسر ‏الفقيرة بالمساعدات المالية وبصورة عاجلة للاستجابة سريعاً لأبرز احتياجاتها التي تختلف ‏أولوياتها. على سبيل المثال، أسر كثيرة تبيع ما تتلقاه من مساعدات غذائية وغير غذائية ‏للوفاء بأهمّ احتياجاتها، التي قد تكون غاز الطبخ أو حليب الأطفال أو القمح أو الدواء وغير ذلك".

تجدر الإشارة إلى تحذيرات لمنظمات دولية من حدوث مجاعة تضرب المدنيين في اليمن، بسبب نقص الغذاء والدواء بعد تسجيل وفيات في المناطق الساحلية الغربية من جرّاء نقص في الغذاء. ويقدّر اليمنيون الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بـ 21 مليوناً من أصل 26 مليون نسمة (عدد سكان البلاد). إلى ذلك، حلّ اليمن في المركز السادس عالمياً على قائمة دول العالم في ما يخصّ مؤشّر الجوع العالمي للعام الجاري.