أطفال ضحايا زواج "الشغار" في اليمن

03 ابريل 2018
رقصة تقليدية خلال عرس يمني (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
+ الخط -
تعود ظاهرة زواج الشغار مجدداً إلى الواجهة في اليمن، لتبدو ردة فعل طبيعية للتعقيدات الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها الأسر اليمنية بسبب الحرب، وحتى قبلها. وعلى الرغم من أنّ الإسلام كان قد نهى عن هذا النوع من الزواج، إلا أن بعضاً من الأسر اليمنية ما زالت تلجأ إليه لأسباب عدة، على رأسها عدم القدرة على توفير المهور، لتنتهي مثل هذه التجارب بمأساة تتجاوز انفصال الزوجين، وصولاً إلى إلحاق ضرر بالغ بالأبناء.

قبل خمس سنوات، أجبرت أمل على الزواج من شخص لا تعرفه، حين كانت في الثامنة عشرة من عمرها، في مقابل اقتران أخيها بشقيقة عريسها، في إحدى قرى محافظة ذمار (130 كيلومتراً جنوب مطار صنعاء). وتؤكد أن أحداً لم يسألها رأيها قبل الزواج، وبالتالي لم تملك قرار الموافقة أم الرفض، إذ أن والدها وشقيقها يقرران مصيرها ومستقبلها المجهول. أجبراها على الزواج من شخص اختير ضمن تقليد ريفي، حتى يحصل شقيقها على زوجة في مقابلها، "وكأنّني سلعة للمبادلة من دون ثمن". تضيف لـ "العربي الجديد": "لم يستمر زواجنا سوى سنتين. نتيجة مشاكل، انفصل أخي عن زوجته، وكانت النتيجة أن انفصلت عن زوجي، بعدما بات هناك خلاف حاد داخل العائلة، وصل حد الخصام والصدام بين والدي وعمي. والآن، صرت جسداً بلا روح بعدما حرمت من أطفالي".

ويبدأ زواج الشغار بالتوافق بين رجلين على منح كل منهما ابنته أو أخته للآخر من دون مهر، لينتهي في كثير من الأحيان بإجبار أحد الطرفين على تطليق زوجته، كنتيجة حتمية لفشل زواج الطرف الآخر، من دون أي اعتبار لمشاعر الزوجين أو الأثر السلبي للطلاق على الأبناء. وبسبب البطالة وارتفاع المهور بشكل كبير، باتت عائلات عدة تلجأ إلى هذا التقليد.




أم عبد الفتاح سعد الدين تعيش بعيداً عن أطفالها الأربعة، بعدما جاء أشقاؤها وأخذوها بالقوة من منزل زوجها عقب خلاف بين الأسرتين. تقول لـ "العربي الجديد": "عرفت اليوم لماذا نهى ديننا زواج البدل (الشغار)، فنتائجه مؤلمة. أتعذب يومياً بعيداً عن أطفالي الأربعة، ولا ذنب لي. لست أنا من قرر الزواج أو من تسبب في هذا الخلاف الذي فرقني عن أفراد أسرتي". تشير إلى أن شقيقها انفصل عن زوجته، فأجبرت أسرتها زوجها على تطليقها.

وعن أسباب قبولها هذا الزواج، تقول: "في أسرتنا، لا قيمة لرأي الفتاة في الزواج. وغالباً ما تكون الكلمة الفصل للأب أو الأخوة في هذه القضايا، وقد حددوا لي من أتزوج، على أن يتزوح أخي شقيقة زوجي". وتشير إلى أنها تفهمت عدم إعطاء مهر لها. "أخي يستفيد ويتزوج وهذا يسعدني لكنني كنت ضحية في النهاية".

من جهتها، ترى سهام وهي فتاة عشرينيّة، أن زيجات البدل (كما يسميها اليمنيون) ليست فاشلة دائماً، إلا أنها ترفض أن تتزوج بهذه الطريقة. تقول لـ "العربي الجديد": "كثيراً ما تُجبر الفتيات في اليمن على القبول بهذا الزواج بسبب الأعراف التي تعطي للأب حق تقدير الزوج الصالح، فتكون الفتاة في معظم حالات الزواج الخاسر الأكبر". وتشير إلى أن شقيقتها تزوجت بهذه الطريقة، وحتى الآن لم تحصل أي مشاكل، وهناك تفاهم كبير بين العائلتين على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات. وتوضح سهام أنّ بعض العائلات التي تلجأ إلى هذا الزواج تحرص على أن يقدم الزوج مهراً محدداً، وإن كان رمزياً.

في السياق، يقول الباحث الاجتماعي اليمني أحمد النهمي إن الشغار يجعل المرأة سلعة يمكن مقايضتها بسلعة أخرى. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن مستقبل نجاح إحدى الزيجتين يظل مرهوناً بنجاح الأخرى، خصوصاً في السنوات الأولى. يضيف: "كل ذلك يهدد كيان الأسرة بالانفصال، وينسف الاستقرار الذي يحتاج إليه الأطفال في السنوات الأولى من عمرهم من أجل اكتمال نموهم النفسي والبدني كما يجب".

إلى ذلك، يقول مدير الشؤون القانونية في المجلس الوطني للسكان في صنعاء، جلال الأبيض، إن زواج الشغار بمثابة لغم مؤقت قد ينفجر في أي وقت ليدمر أسراً سعيدة هانئة ذنبها أنها أحد أطراف هذا الزواج. يضيف لـ "العربي الجديد" أن غياب دور المؤسسات، وعدم تعاطيها الجاد مع هذه القضية، يساهم في استمراره. ولا يستبعد إمكانية استمرارية هذا الزواج في أوساط بعض الأسر الفقيرة، للتهرب من أعباء الزواج والمهور المرتفعة. "كما يمكن أيضاً تكريسه لدى الأغنياء للحفاظ على الميراث داخل إطار الأسرة. فيكون زواج البدل صيغة من صيغ الحفاظ على الميراث".




أقارب
تفيد دراسة للجنة الوطنية للمرأة في اليمن بأن 39 في المائة من الزيجات المسجلة في اليمن تحدث بين أقارب، ونسبة المتزوجات من ابن الخال أو الخالة تصل إلى 10.5 في المائة، والمتزوجات من ابن العم أو العمة 10.6 في المائة، في وقت تبلغ نسبة المتزوجات من أقارب خارج الفئتين نحو 47.4 في المائة.