مدفع رمضان فرحة قطر

09 يونيو 2018
قبيل الغروب... (معتصم الناصر)
+ الخط -

مع اقتراب أذان المغرب أيام رمضان، يتجمع عشرات من المواطنين والمقيمين في قطر حول "مدفع رمضان" الذي يطلق طلقاته الحيّة إيذاناً بانتهاء الصوم. وقد خصص لهذا التقليد الرمضاني الذي عرفته العاصمة القطرية الدوحة في ستينيات القرن الماضي، ثلاثة مدافع تجرّها مركبات عسكرية وعناصر من القوات المسلحة. وقبل حلول أذان المغرب بنحو 45 دقيقة، يوضع المدفع الحربي الأول في ساحة جامع محمد بن عبد الوهاب، والمدفع الثاني في ساحة الحمام في سوق واقف التراثي، والمدفع الثالث عند الواجهة الجنوبية في المؤسسة العامة للحيّ الثقافي "كتارا". كذلك، تحرص المدن الرئيسية في الجنوب وفي الشمال على هذا الالتزام بهذا التقليد الذي يرتبط بشهر رمضان.

ومع اقتراب أذان المغرب، تتوافد الأسر إلى هذه المواقع. فالأهل يصطحبون أطفالهم إلى تلك المواقع، ويحملونهم ليضعوهم على المدفع أو حوله ويلتقطون لهم الصور التذكارية. وقبل حلول موعد الآذان بدقائق، يُبعد القيّمون على تلك المدافع الجميع إلى خلف سياج حديدي جرى نصبه من أجل سلامتهم. ومن هناك يراقبون إطلاق القذيفة، الأمر الذي يجعل الفرحة تملأ قلوب الصغار والكبار على حدّ سواء. بالتزامن، تتولى عناصر من قوى الأمن الداخلي "لخويا" توزيع سلال تحتوي بعضاً من التمور والماء على الحضور من أجل الإفطار، قبل أن يعود المتجمّعون إلى منازلهم أو مقاصدهم ويتناولون إفطارهم.

... وأُطلق المدفع (معتصم الناصر) 

إبراهيم المفتاح من الأهالي الذين يصطحبون أطفالهم إلى ساحة السوق القديم في مدينة الوكرة الواقعة على الساحل الشرقي الجنوبي، حيث نُصب مدفع للإفطار. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أيام رمضان ارتبطت بالمدفع، على الرغم من التطوّر التكنولوجي وكلّ ما يُسجّل في مختلف مجالات الحياة. صحيح أنّ الناس لم يعودوا ينتظرون سماع صوت القذيفة التي يطلقها المدفع إيذاناً بالإفطار، غير أنّ ذلك يبقى تقليداً رمضانياً موروثاً وجميلاً". بالنسبة إلى المفتاح، فإنّه "من غير الممكن أن يحلّ رمضان من دون هذا التقليد"، مؤكداً أنّه "في كل عام أحرص على زيارة موقع المدفع وفي أكثر من مرّة". وهو اعتاد ذلك مذ كان المدفع يطلق قذائفه قديماً في ساحة "البريد" بالقرب من كورنيش الدوحة، في الماضي.

صورة تذكارية (معتصم ناصر)

من جهتها، لا تفوّت أم باسم وهي مقيمة في قطر من الجنسية السورية، إطلاق مدفع رمضان. تقول لـ"العربي الجديد" إنّه "مذ أتيت إلى الدوحة قبل ستّ سنوات، أتابع مدفع الإفطار. فهذا المشهد يفرحني". وتلفت إلى أنّه "في مدينتي حلب في الشمال السوري، لم أكن أشاهد هذا التقليد الرمضاني إلا عبر شاشة التلفزيون"، معبّرة عن إعجابها بتمسّك القطريين بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة ومنها الاحتفال بليلة "القرنقعوه" في منتصف شهر رمضان.

تجدر الإشارة إلى أنّ الروايات تتعدّد في هذا السياق، وتقول إحداها إنّ "مدفع رمضان" يعود إلى عام 859 للهجرة، عندما كان والٍ عثماني يدعى خوشقدم يتولى الحكم في مصر وكان جنوده يختبرون مدفعاً جديداً وصل هدية للسلطان من صديق ألماني. تزامن ذلك مع غروب الشمس، فظنّ المصريون أنّ السلطان استحدث هذا التقليد الجديد لإبلاغهم بموعد الإفطار. ولمّا توقّف المدفع عن إطلاق قذائفه، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان ليطلبوا منه استمرار "قصفه" خلال شهر رمضان. لم يجدوه، لكنّهم التقوا بزوجته الحاجة فاطمة. وهي من جهتها، نقلت طلبهم إلى السلطان الذي وافق عليه. وما زال الأمر يُعَدّ تقليداً مستمراً حتى يومنا هذا.




إلى ذلك، تقول رواية أخرى إنّ والي مصر محمد علي اشترى عدداً كبيراً من المدافع الحربية الحديثة، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تقوم استعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع بهدف التجربة. فانطلق ودوّى صوته في لحظة غروب الشمس تحديداً، وهو الأمر الذي جعل الصائمين يتصورون أنّ الأمر عادة جديدة تنبئ بوقت الإفطار. في وقت لاحق، طالبوا الحاكم بأن يتحوّل ذلك إلى تقليد خلال شهر رمضان عندما يحين موعد الإفطار وكذلك موعد السحور. هكذا، تحوّل إطلاق المدفع بالذخيرة الحيّة مرتين يومياً إلى عادة رمضانية في مصر.