أطفال سجناء في ليبيا

14 ديسمبر 2018
باتا في مكان آمن (محمد تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

في سجن الجديدة الأكبر في طرابلس، 21 طفلاً أكبرهم يبلغ من العمر سبع سنوات، وقد ولد بعضهم في السجن بعدما اعتقلت أمهاتهم بتهمة الزنا، بحسب أحد مسؤولي السجن علي أشكيب. ويقول لـ "العربي الجديد": "عدد أطفال النساء المتهمات بالزنا ستة، أربعة منهم والدوا لأمهات غير ليبيات. هؤلاء الستة ولدوا في السجن، ووفرت لهم الإدارة ما تستطيع من إمكانيات لكنها أقل من الحاجة"، موضحاً أنّ "المسؤولين يعرفون أن غالبية النساء مظلومات، ويؤكدن أنهن اغتصبن". لكنّ القضاء يستمرّ في سجنهن لعدم توفّر الأدلة الكافية لبراءتهن، خصوصاً أن الجناة فارون". ويؤكد أن مصيرهنّ مجهول حتّى الآن، وبالتالي فإنّ مصير أطفالهن مرتبط بهن.

ليس سجن الجديدة وحده يضمّ أطفالاً. ففي سجن طمينة في مصراته وقرنادة شحات شرق البلاد، يبيّن تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الصادر في أبريل/ نيسان الماضي، استمرار سجون المليشيات في ليبيا في احتجاز آلاف المعتقلين، بينهم أطفال ونساء أوقفوا لأسباب سياسية وقبائلية ورغبة في الانتقام. ويعاني هؤلاء رعباً كبيراً، من دون أن يشير التقرير إلى أماكن سجون المليشيات.

لكنّ الناشط الحقوقي في المرصد الليبي للرقابة وحقوق الإنسان أسامة البكوش، يقول إن "المليشيات ما زالت تسيطر حتى الآن على سجون في طرابلس ومصراته وغريان والزاوية، وكلها في غرب البلاد". أما في الشرق، فلا يمكن إحصاء تلك السجون، لكن أكبرها الكويفية وقرنادة". يضيف البكوش لـ "العربي الجديد" أن المستندات التي في حوزته تثبت أن عدد الأطفال المحتجزين في سجون المليشيات، برفقة عائلاتهم، يتجاوز 120 طفلاً حتى منتصف العام الجاري". ويشير إلى أن الرقم لا يشمل الأطفال المحتجزين منذ عام 2011، فقد خرج كثيرون برفقة عائلاتهم بعد الإفراج عنهم. ويؤكد البكوش أنّ وزارة العدل لا تملك إحصائيات دقيقة حول عدد هؤلاء الأطفال، إذ أنها لا تسيطر على غالبية السجون التي لا تخضع لأحكام القضاء، ولم يقدّم من فيها للتحقيق والمحاكمة. يقول: "المشكلة تتضاعف إذا علمنا أنه لا يوجد قانون ينظّم وضع الأطفال المحتجزين الذين يكبرون داخل السجون". كما أن الشهادات المتوفرة لديه تؤكد أنهم يعيشون في ظروف تفتقر لأبسط حقوق الإنسان الأساسية كالرعاية الصحية الملائمة والتغذية.

ويوضح البكوش أنه "بحسب شهادات مسؤولي بعض السجون الرسمية، فإن الأطفال لا يحصلون على وجبات يومية كونهم ليسوا سجناء، ووجودهم استثنائي، ويعمل القائمون على السجن على أخذ حصص من وجبات السجناء ليوفروا منها وجبة للأطفال. وهذا عيب في قانون السجون الذي لم يتخذ إجراءات ملائمة لمثل هذه الحالات، مؤكداً أن التعليم غير متوفر لأطفال السجون. ويلفت البكوش إلى خطر السجون على تكوين الأطفال. وينقل عن شهود قولهم إن جهات حقوقية في ليبيا سعت إلى إبلاغ الجهات الدولية بما يحدث، كفقدان بعض الأطفال برفقة عائلاتهم داخل سجون المليشيات، ما قد يشير إلى تصفيتهم وعائلاتهم. ويقول: "خلال الأعوام الأولى للثورة، انتقمت بعض المليشيات من مناطق بأكملها كتاورغاء ونسمة وغيرها بسبب موقفها من الثورة وانحيازها لمعسكر القذافي، واعتقل أهلها مع الأطفال، ولم يُعرف مصيرهم حتى اليوم".




من جهتها، تشير أستاذة الخدمة الاجتماعية في جامعة طرابلس ربيعة الدوماني إلى خطورة أوضاع أطفال السجون. وتقول لـ "العربي الجديد" إنه يجب الالتفات الآن لمن خرج حديثاً من السجن، ومن بقي بداخله. تضيف: "يتوجّب علينا الضغط على الجهات الرسمية ومحاولة إقناع أمراء المليشيات الذين يسيطرون على السجون من أجل توفير الرعاية الصحية للأطفال، إذ الكثير من أطفال السجون في ليبيا يعانون مشاكل صحية وما من علاج. والأهم هو الاستعداد لتأهيل الأطفال نفسياً، وهو أمر غاية في الصعوبة". وتلفت إلى أن غالبية الأطفال كبروا وهم يرون مشاهد التعذيب والصراخ وسلوك المجرمين داخل السجن". وتؤكّد على ضرورة توعية المجتمع حول كيفيّة التعامل مع الطفل السجين بعد خروجه من السجن، لأن هذا الطفل لا ذنب له. تضيف: "من بين مشاكل هؤلاء الأطفال أن بعضهم بلغ سن السابعة ولم يحصل على فرصة تعليم، وسيتأخر عن الالتحاق بالمدارس إذا استمر وجوده في السجن، ما يعني مضاعفة المشكلة". وتسأل: "كيف لطفل لم يعرف شكل الحياة الطبيعية أن يندمج فيها ويعيش وسط مجتمع يعامله بدونية؟".