بقدر ما يتشوق الأب والأم للقاء مولودهما، بقدر ما تحول ذلك في إدلب، في الشمال السوري، إلى عبء ثقيل بسبب ارتفاع الكلفة المادية والخطر المتزايد على حياة الأم.
لم تكن عائشة عبد الله (17 عاماً) من سكان ريف إدلب الشمالي، تدرك أنّ الحمل متعب إلى هذه الدرجة، وأنّه سيكون رحلة متعبة من الإعياء والمخاطرة، بحسب حديثها إلى "العربي الجديد". تقول: "تزوجت قبل عامين، ولم أوفق بحملي الأول فقد فقدته في الشهر الثالث، وهذا الحمل الثاني وأنا في شهري الثامن حالياً. هي أطول وأصعب أشهر في حياتي، وقد تكون أصعب من تلك الأشهر التي عشتها تحت القصف والحصار". تضيف: "بسبب السنوات التي عشتها في ظل الحرب والحصار والوضع المادي السيئ، أعاني من فقر دم، ومع الحمل أصبح الوضع أسوأ، وأنا وزوجي كحال غالبية النازحين نعيش على ما قد يصل إلينا من مساعدات، أو بعض ما يجنيه من العمل إن وجد، فقد كانت الطبيبة تصف لي بعض المقويات والأدوية، فإن وُجدت في المركز الصحي أحصل عليها وإن لم تتواجد فغالباً أنا عاجزة عن شرائها، وكان زوجي في بعض الأحيان يسير عدة كيلومترات ليحصل على تلك الأدوية والمقويات من مركز صحي في منطقة مجاورة".
تتابع عائشة: "منذ علمنا أنّني حامل نحاول أن نجمع تكاليف إجراء عملية ولادة قيصرية، فقد لا نحصل على فرصة ذلك في مستشفى مدعوم، وأنا لا أتصور أنّني قادرة على تحمل ولادة طبيعية، واليوم على حساب كثير من احتياجاتنا جمعت 75 ألف ليرة سورية (146 دولاراً أميركياً)، وتبقى 25 ألف ليرة (49 دولاراً)، وعدني أخي أن يساعدني بهذا المبلغ". لعائشة مبرراتها الشرعية والمجتمعية، كما تقول، لإنجاب طفل بالرغم من الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه، وعدم الاستقرار وهي اليوم نازحة للمرة الثالثة، وتسكن في خيمة رثة لا تدفع عنها المطر أو البرد، فكيف لطفل أن يتحمل العيش بها؟
من جهتها، كادت منال عبد الحميد، النازحة في أحد المخيمات العشوائية بريف إدلب، أن ترحل عن الدنيا قبل أيام. تعلق لـ"العربي الجديد": "قبل نحو 20 يوماً شعرت بالمخاض، وفي المخيم الذي نسكن فيه، في العراء، فإنّ أقرب مستشفى للولادة يبعد نحو 5 كيلومترات، وقد تكون هذه الأيام من أسوأ الأيام التي تمر علينا، فالوقود غير متوفر وإن توفر يباع بأسعار مرتفعة، ما يجعل أجور النقل مرتفعة جداً، في وقت نحن بالكاد نؤمن ثمن الخبز، فكان الحلّ الوحيد أن نستنجد بقابلة قانونية تقيم في مخيم قريب منا". وتتابع: "بالفعل، جاءت القابلة لكن يبدو أنّ ولادتي كانت متعسرة، حتى أنّها طلبت من زوجي أن يوفر سيارة لنقلي إلى المستشفى، لكنّه بحث حولنا فلم يجد، ما جعلها تحاول مجدداً، ولله الحمد نجحت بتوليدي، بعدما شعرت أنّ الموت يقترب مني، واليوم ما زلت متعبة جداً، وكثير من الأدوية والمقويات لا أستطيع تأمينها، حتى حليبي لم يعد يشبع الطفل، واليوم نحن بحاجة إلى حليب أطفال فحياة الطفل أصبحت أيضا بخطر".
في السياق، تقول رئيسة "شعبة الصحة الإنجابية" في "مديرية صحة إدلب، بتول خضر، في حديث مع "العربي الجديد"، "تبلغ تكلفة الولادة الطبيعية في المستشفيات الخاصة في إدلب ما بين 40 ألف ليرة (78 دولاراً) و50 ألفاً (97 دولاراً)، أما العملية الجراحية للولادة القيصرية فتبلغ ما بين 80 ألف ليرة (155 دولاراً) و90 ألفاً (175 دولاراً)". وتلفت إلى أنّ "هناك شريحة من الحوامل ترغب بأن تكون ولادتها قيصرية، لأسباب عدة منها النزوح والخوف من الولادة الطبيعية وما قد يحمله من آلام المخاض، كما أنّ للعوامل النفسية دوراً كبيراً". تتابع أنّ "نسبة الولادات القيصرية بحسب منظمة الصحة العالمية تبلغ 5 في المائة عالمياً، أما في الشمال السوري فالولادات القيصرية تفوق نسبتها 30 في المائة، وذلك لأنّ معظم السيدات يرفضن الولادة الطبيعة، كون القيصرية أسرع وأقل تسبيباً للألم".
تشير خضر إلى أنّ "هناك نقصاً كبيراً في احتياجات المرأة الحامل، فمثلاً كثير من مراكز الرعاية لا تملك المقويات والفيتامينات المطلوبة للحامل، خصوصاً أنّ ما نعيشه من حالة نزوح وتهجير جعل غالبية الأهالي يعانون من نقص المواد الغذائية، فتصبح المقويات والفيتامينات هي فرصة لإشباع حاجة الجسم بالنسبة للحامل". وتقول: "هناك نقص في الأطباء الاختصاصيين، وإن لم يكن هذا النقص موجوداً، سينعكس ذلك بشكل إيجابي على رعاية الأم والطفل، وبسبب هذا النقص يجري الاعتماد على القابلات بشكل أكبر، خصوصاً في تغطية المناطق التي لا أطباء أو مستشفيات فيها، ومؤخراً كان لدينا مشروع لتدريب 100 قابلة، وهناك مشروع مرتقب لتدريب 80 قابلة جديدة، مع تقديم أدوات مساعدة لهن".