غشّ عراقي.. تلاميذ يستعينون بالمسلّحين لينجحوا

28 ابريل 2016
لا بدّ من دراسة حجم الظاهرة بداية (فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب موعد امتحانات نهاية العام الدراسي، يلجأ التلاميذ في بعض مدن العراق إلى الغشّ بطرق مختلفة. سرمد تلميذ في المرحلة الثانوية، لم يعد بحاجة إلى المذاكرة حتى يحصل على المعدّل الذي يطمح إليه. كلّ ما يحتاجه هو سماعات أذن لاسلكية متناهية الصغر أو أخرى توضع في الهاتف النقال أو تُلصق بياقة القميص.

كثيرون هم أمثال سرمد الذين "يشقّون طريقهم بأساليب ملتوية"، بحسب ما يؤكد بشار عبدالله، وهو مدير إحدى المدارس الثانوية في محافظة ديالى، شمال شرق بغداد. ويتحدّث لـ "العربي الجديد" عن أسباب الغش وآخر الأساليب والابتكارات المتبعة في الامتحانات النهائية، لا سيّما ما يلجأ إليه تلاميذ المرحلة الثانوية، لافتاً إلى أنّ "التلاميذ استحدثوا طرقاً كثيرة، الأمر الذي أدّى إلى الفوضى. وقد تحوّل النجاح سلعة تُباع وتُشترى، ولم يعد الاعتماد على الطموح والاجتهاد سبيلاً لبلوغ أعلى درجاته".

يقول عبدالله إنّ "كثيرين هم التلاميذ الذين يعتمدون على الغش للنجاح. لكنّ الأمر وصل ببعضهم إلى الاتفاق مع أشخاص من ذوي النفوذ أو المنضوين تحت لواء مليشيات وأطراف مسلحة، بهدف تخويف وتهديد كادر مراقبة الامتحانات لإفساح المجال أمامهم لممارسة الغش. وهذا ما يجعل مدرّسين في مدارس عديدة، خصوصاً تلك الواقعة في مناطق تسودها الفوضى، يخشون توقيف تلميذ يغشّ أو تنبيهه، إذ إنّ جهة ما تسنده. وقد سُجّلت حالات كثيرة من هذا النوع في مؤسسات تربوية مختلفة". يضيف أنّ "ذلك يأتي إلى جانب الردّ الجماعي الذي يشمل جميع التلاميذ في قاعة امتحان واحدة"، لافتاً إلى أنّ "الغشّ يضيّع حق التلاميذ المجتهدين".

إلى ذلك، يتحدّث كيلان علي، وهو أيضاً تلميذ في المرحلة الثانوية، عن تعدد الوسائل والحيل المستخدمة في الغشّ. ويشير إلى أنّ "أكثرها انتشاراً في السنوات الأخيرة هي التي تعتمد على سماعات لاسلكية. من خلالها يتلقى التلميذ الإجابات من شخص يكون خارج قاعة الامتحان، إما حصل على الأسئلة من أحد التلاميذ الذين خرجوا سريعاً أو اشترى الأسئلة المهرّبة مسبقاً بمبالغ مرتفعة جداً". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "تلك السماعات تُباع في متاجر عامة أو يستأجرها التلاميذ من بعضهم بعضاً بأسعار مرتفعة قد تصل إلى 80 دولاراً أميركياً عن كل امتحان. يضيف أنّ "سعر السماعة يتراوح ما بين 250 دولاراً وألف دولار، بحسب مواصفاتها والشركة المصنعة ومسافة الإرسال التي تؤمنها. ثمّة سماعات تلتقط الإشارة عن بعد كيلومتر واحد، وتكون هذه أغلى ثمناً. كذلك، ثمّة سماعات لا تتأثر بوسائل التشويش التي تعتمدها إدارات بعض المدارس للحدّ من الغش".




بالإضافة إلى السماعات الإلكترونية التي تختلف أشكالها وأحجامها وطرق استخدامها، يلفت علي إلى "الوسائل التقليدية مثل استعمال البرشام. هو وسيلة تقليدية لكنها الأكثر شعبية والأكثر رواجاً بين التلاميذ الذين يعمدون إلى طباعة معلومات مكثفة على أوراق صغيرة جداً. كذلك، يمكن الغشّ عن طريق الكتابة على المناديل الورقية أو على ملصقات عبوات المياه". يضيف: "صحيح أنّ القوانين أصبحت تحظر حمل الهواتف النقالة أو استخدامها أثناء الامتحان، إلا أنّ البعض قد يحمل معه أكثر من جهاز آملاً خيراً. لكنّ من يلجأ إلى هذه الوسيلة، غالباً ما يُكشف".

من جهته، يرى الباحث التربوي نبيل إبراهيم الزركوشي أنّ "بناء أمّة واعية مثقفة متعلمة لا يمكن إلا بالقضاء على المعوّقات التي تحول دون تحقيق ذلك، والغشّ من أخطر هذه المعوّقات. لذا، لا بدّ من دراسة حجم هذه الظاهرة بداية، ومعرفة أسبابها، ومن ثم حشد كل الطاقات في محاربتها والقضاء عليها حتى ننشئ أجيالاً سويّة السلوك وبنّاءة". ويشدّد لـ "العربي الجديد" على أنّ "سلوكاً بهذا الحجم من الخطورة، لا بدّ من أن يقف الجميع ضدّه، التربويون والوزارات المعنية والجهات الرسمية الأخرى. لا بدّ من وقفة تكاتف وتعاون للقضاء عليه بكل السبل المتاحة والمشروعة".

يشير الزركوشي إلى "مكاتب متخصصة تعلن عن توفّر سماعات مع مدرّسين جاهزين للردّ على التلاميذ أثناء الامتحان، في مقابل مبالغ تدفع مسبقاً. كذلك، ثمّة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن جهاراً عن بيع سماعات الغشّ وبيع الأسئلة المسرّبة أيضاً". يُذكر أنّ لدى الزركوشي بحثاً في هذا الإطار تحت عنوان "أنواع الغشّ الإلكتروني ومقترحات وحلول للحد من هذه الظاهرة"، وهو بصدد رفعه إلى وزارة التربية.

في السياق، يقترح الزركوشي "إجراءات حتى لا يضيع حقّ التلاميذ الذين سهروا الليالي لينجحوا بمجهودهم وتعبهم الحقيقي، وذلك من خلال تنظيم ندوات في المدارس تجمع أولياء الأمور وتكرّم التلاميذ وكذلك أسرهم بشهادات معنوية ومادية". ويدعو أيضاً إلى "تشديد المراقبة مع ضرورة تفهّم حركات وسلوك كل ممتحن على حدة، تجنباً لسوء الظن والاتهام المجاني لبعض منهم. ولعلّ أفضل طريقة للمراقبة هي التي يجلس خلالها المراقبون وراء الممتحنين الذين سوف يتجنّبون الالتفات يميناً أو يساراً لاعتقادهم بأنّ هؤلاء يركزون أنظارهم عليهم". ويشدّد على "عدم التسامح مع الذين يتساهلون أو يتواطؤون في عملية الغشّ المدرسي، وتشديد العقوبة على من يمارس الغشّ من التلاميذ أو من يسمح بالغشّ من المراقبين. وهنا لا يكفي إلغاء اختبار التلميذ، بل يجب فرض عقاب رادع. كذلك يجب التعاون مع نقابة الأطباء ووزارة الصحة من أجل فرض عقوبات على الأطباء المتعاونين مع التلاميذ في زرع سماعات الغشّ". يتابع الزركوشي مؤكداً على "ضرورة تطوير نظام التقييم التربوي للامتحانات، ليرتكز على قواعد صلبة لا تسمح بالغشّ. كذلك، لا مفرّ من تجهيز المدارس وقاعات الامتحانات بمزيد من أجهزة التشويش التي توزعها وزارة التربية، بالإضافة إلى تعزيز دور الأمن في محيط المدارس أثناء الامتحانات".