يعدّ موقعه استراتيجياً. إلى يمينه أقيم صرح ثقافي وحضاري هو متحف الفن الإسلامي. وقبالته متحف قطر الوطني الذي افتتح في نهاية شهر مارس/آذار الماضي. كما يعدّ شاهداً على العاصمة القطرية الدوحة وأحد معالمها منذ نحو نصف قرن.
إنه مقهى "حالول"، ملتقى المثقفين والأدباء والإعلاميين والمتقاعدين والمسنين. بعض الصور المعلقة تروي ذكريات عن زمن بالأبيض والأسود لأشخاص أبدعوا في مجالات عدة كالرياضة والغوص وغيرها، إضافة إلى صور لأماكن تراثية تزين القاعة المسقوفة للمقهى، وكأنها شاهدة على ما مضى.
ويقول مدير المقهى عبدالله خلف الكبيسي، لـ "العربي الجديد": "تأسس المقهى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً بين عامي 1971 و1972 على يد مجموعة من الشباب كانوا يعملون في متحف قطر الوطني. وكانت البداية مجرد مكان يجمع هؤلاء الموظفين. كما استقطب المقهى بحكم موقعه قرب ميناء فرضة، الصيادين وكبار السن والمتقاعدين. سابقاً، كان عبارة عن كبينة صغيرة، في داخلها عامل آسيوي يعد الشاي والقهوة ويقدمهما بالمجان. وكان أي صياد سمك من البحر يوزع حصيلته مجاناً أيضاً على الراغبين. كان المقهى يتصف بالبساطة، ثم تطور وحصل على سجل تجاري وحمل اسم مقهى هواة الصيد "الصيادين".
وقبل 17 عاماً، صار اسمه "حالول" كما أراد صاحبه محمد بن خلف الكبيسي.
ومع النهضة العمرانية والحضارية التي شهدتها الدوحة، والتطور الذي شمل الكورنيش البحري، كان المقهى مههداً بحسب مديره عبدالله الكبيسي، بالزوال. لكن يؤكد أن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زار المقهى بصحبة أحد المصمّمين العالميين والمتخصصين بمشاريع مونديال قطر 2022، وجلس مع كبار السن الذين يرتادون المقهى، ولمس مدى تعلقهم به، فأمر بعدم إزالة المقهى وسمح بتطويره وما زال راسياً على ضفة الخليج حتى اليوم.
وبحسب الكبيسي، ما زال المتقاعدون يقصدون المقهى خصوصاً عقب صلاة الفجر، ويواظبون على هذه العادة حتى خلال رمضان. يتسامرون وهم صائمون. ولا يقتصر الأمر على القطريين فحسب، بل يشاركهم أناس من مختلف الجاليات المقيمة. وتتميز الأجواء بالبساطة. ويمكن للزبون الجلوس على أي طاولة، وسيلقى الترحيب. ويقول عبدالله: "إذا حضرت ظهراً، ستجد أشخاصاً معينين. ولو كررت الحضور في الوقت نفسه خلال أيام أخرى، ستجد الأشخاص نفسهم. هؤلاء تعلّقوا بالمكان مثلنا. أحياناً، نغادر المنزل ولا نشعر إلا وقد وصلنا إلى المقهى، علماً أن وجهتنا تكون مختلفة".
معظم المسلسلات التلفزيونية التي جسدت الحياة في الدوحة صورت في المقهى، أو أشارت إلى مكانته في قلوب الناس. ويقول عبدالله: "في أيام معينة، نخصّص طاولات لصحافيين وكتاب ومثقفين. النادلون الذين يعملون في المقهى يعرفون أن الصحافيين سيأتون في يوم وتوقيت معينين للجلوس على طاولتهم. ويشمل الأمر غيرهم من المبدعين والأدباء. مثلاً، بعض الصينيين يأتون إلى هنا صباح كل يوم جمعة. ويحرص الأوروبيون على المرور بالمقهى والتقاط صور تذكارية".
ويتحدث مدير المقهى عن موقف حصل معه خلال زيارته إحدى الدول الأوروبية. يقول: "في إحدى المرات، كنت في هولندا والتقيت شخصاً علم بأنني قطري. أخبرني أنه زار الدوحة وجلس في مكان لن ينسى سحره لبساطته وطيبة رواده. وعندما طلبت منه تحديد المكان، أحضر كمبيوتره الشخصي وبحث عن صور للمقهى من موقع غوغل، فعرف من صديق كان يرافقني أنني مدير المقهى".
معظم الزوار، خصوصاً الأوروبيين القادمين من بريطانيا وألمانيا وأفريقيا وأستراليا وكندا وغيرها، يسألون عن معنى اسم المقهى "حالول"، وهي جزيرة قطرية تبعد نحو 80 كليومتراً شمال شرق الدوحة، وقد اخترنا هذا الاسم نظراً لمكانتها في قلوب القطريين، وفقا لعبدالله الكبيسي.
ويعدّ مقهى الصيادين "حالول" رئة المكان، هو الذي يطل على البحر. له مكانته التاريخية، ولعله المقهى الشعبي الأكثر قرباً من الناس. أسعاره تعدّ في متناول الجميع، بحسب الشاعر السوري عيسى الشيخ حسن. يضيف: "في مقهى الصيادين كانت جلساتنا الأدبية مع المبدعين تمتدّ ساعات طويلة، ومنهم المبدعون من ضيوف الدوحة في المهرجانات والمؤتمرات الأدبية والثقافية والفنية، والمبدعون المواطنون والمقيمون. تناقشنا كثيراً حول القصائد والرواية والمسرح، وسمعنا شيئاً من إبداعاتهم، وسمعوا منّا".
وحول مكانة المقهى في حياة المثقفين والمبدعين، يروي الباحث في التراث الشعبي الإعلامي صالح غريب، ذكرياته لـ"العربي الجديد". يقول: "كانت لي علاقة وطيدة بالمقهى، وكنت أتواجد فيه بشكل دوري. أجريت حوارات صحافية عدة داخل المقهى تتعلق بالتراث الشفاهي، وتسجيلات مع رواد المقهى الذين لهم علاقة بالتراث الشفاهي لدولة قطر، خلال عملي كباحث في مركز التراث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي". ويرى غريب أن المقهى، إضافة إلى كونه موقعا سياحيا، له دور ثقافي في احتضان كوكبة من المثقفين والمهتمين بالتراث. وأطلق الباحثون على المقهى اسم الحضرة (التي نلتقي في أحضانها). ويرتاده عدد من الحرفيين وأصحاب المهن الشعبية".
دور المقهى الثقافي هام جداً كما دوره السياحي. ويقول غريب: "استفدت من ترددي على المقهى سواء في عملي كباحث أو كإعلامي. حتى إصداراتي ومنها كتابي الصادر في عام 2015 بعنوان "خصائص الحكاية الشعبية ونهجها الثقافي عند المجتمعات الخليجية"، اعتمدت مادته على مرتادي حالول".
اقــرأ أيضاً
أما الشاعر السوري الشيخ حسن، فيؤكّد أن جماعة "قلق" شهدت ميلادها في مقهى "حالول"، وعاين أهل المقهى ثلّة ممسوسين بالقصيدة يقرأون بصوتٍ عال، وقد يعجبون بما يقال فيصمتون قليلاً، ثم يتابعون أحاديثهم ولعب الورق، أو مشاهدة مباراة في الدوري القطري. ويشير إلى أن لمقهى الصيادين ذكريات عزيزة لا تنسى مع أصدقاء غادروا ومبدعين تناثروا في دروب الحياة. "تقاسمنا معهم كأس الشاي بالنعناع، وحبّات النخّي". ويقول بعض المفكرين إنّ "المثقف هو نتاج المقهى، وأظنّ أن أكثر من كاتب حضر مقهى حالول في نصوصه، لعلّ أبرزهم الروائي القطري أحمد عبد الملك في روايته المهمة أحضان المنافي".
إنه مقهى "حالول"، ملتقى المثقفين والأدباء والإعلاميين والمتقاعدين والمسنين. بعض الصور المعلقة تروي ذكريات عن زمن بالأبيض والأسود لأشخاص أبدعوا في مجالات عدة كالرياضة والغوص وغيرها، إضافة إلى صور لأماكن تراثية تزين القاعة المسقوفة للمقهى، وكأنها شاهدة على ما مضى.
ويقول مدير المقهى عبدالله خلف الكبيسي، لـ "العربي الجديد": "تأسس المقهى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً بين عامي 1971 و1972 على يد مجموعة من الشباب كانوا يعملون في متحف قطر الوطني. وكانت البداية مجرد مكان يجمع هؤلاء الموظفين. كما استقطب المقهى بحكم موقعه قرب ميناء فرضة، الصيادين وكبار السن والمتقاعدين. سابقاً، كان عبارة عن كبينة صغيرة، في داخلها عامل آسيوي يعد الشاي والقهوة ويقدمهما بالمجان. وكان أي صياد سمك من البحر يوزع حصيلته مجاناً أيضاً على الراغبين. كان المقهى يتصف بالبساطة، ثم تطور وحصل على سجل تجاري وحمل اسم مقهى هواة الصيد "الصيادين".
وقبل 17 عاماً، صار اسمه "حالول" كما أراد صاحبه محمد بن خلف الكبيسي.
ومع النهضة العمرانية والحضارية التي شهدتها الدوحة، والتطور الذي شمل الكورنيش البحري، كان المقهى مههداً بحسب مديره عبدالله الكبيسي، بالزوال. لكن يؤكد أن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زار المقهى بصحبة أحد المصمّمين العالميين والمتخصصين بمشاريع مونديال قطر 2022، وجلس مع كبار السن الذين يرتادون المقهى، ولمس مدى تعلقهم به، فأمر بعدم إزالة المقهى وسمح بتطويره وما زال راسياً على ضفة الخليج حتى اليوم.
وبحسب الكبيسي، ما زال المتقاعدون يقصدون المقهى خصوصاً عقب صلاة الفجر، ويواظبون على هذه العادة حتى خلال رمضان. يتسامرون وهم صائمون. ولا يقتصر الأمر على القطريين فحسب، بل يشاركهم أناس من مختلف الجاليات المقيمة. وتتميز الأجواء بالبساطة. ويمكن للزبون الجلوس على أي طاولة، وسيلقى الترحيب. ويقول عبدالله: "إذا حضرت ظهراً، ستجد أشخاصاً معينين. ولو كررت الحضور في الوقت نفسه خلال أيام أخرى، ستجد الأشخاص نفسهم. هؤلاء تعلّقوا بالمكان مثلنا. أحياناً، نغادر المنزل ولا نشعر إلا وقد وصلنا إلى المقهى، علماً أن وجهتنا تكون مختلفة".
معظم المسلسلات التلفزيونية التي جسدت الحياة في الدوحة صورت في المقهى، أو أشارت إلى مكانته في قلوب الناس. ويقول عبدالله: "في أيام معينة، نخصّص طاولات لصحافيين وكتاب ومثقفين. النادلون الذين يعملون في المقهى يعرفون أن الصحافيين سيأتون في يوم وتوقيت معينين للجلوس على طاولتهم. ويشمل الأمر غيرهم من المبدعين والأدباء. مثلاً، بعض الصينيين يأتون إلى هنا صباح كل يوم جمعة. ويحرص الأوروبيون على المرور بالمقهى والتقاط صور تذكارية".
ويتحدث مدير المقهى عن موقف حصل معه خلال زيارته إحدى الدول الأوروبية. يقول: "في إحدى المرات، كنت في هولندا والتقيت شخصاً علم بأنني قطري. أخبرني أنه زار الدوحة وجلس في مكان لن ينسى سحره لبساطته وطيبة رواده. وعندما طلبت منه تحديد المكان، أحضر كمبيوتره الشخصي وبحث عن صور للمقهى من موقع غوغل، فعرف من صديق كان يرافقني أنني مدير المقهى".
معظم الزوار، خصوصاً الأوروبيين القادمين من بريطانيا وألمانيا وأفريقيا وأستراليا وكندا وغيرها، يسألون عن معنى اسم المقهى "حالول"، وهي جزيرة قطرية تبعد نحو 80 كليومتراً شمال شرق الدوحة، وقد اخترنا هذا الاسم نظراً لمكانتها في قلوب القطريين، وفقا لعبدالله الكبيسي.
ويعدّ مقهى الصيادين "حالول" رئة المكان، هو الذي يطل على البحر. له مكانته التاريخية، ولعله المقهى الشعبي الأكثر قرباً من الناس. أسعاره تعدّ في متناول الجميع، بحسب الشاعر السوري عيسى الشيخ حسن. يضيف: "في مقهى الصيادين كانت جلساتنا الأدبية مع المبدعين تمتدّ ساعات طويلة، ومنهم المبدعون من ضيوف الدوحة في المهرجانات والمؤتمرات الأدبية والثقافية والفنية، والمبدعون المواطنون والمقيمون. تناقشنا كثيراً حول القصائد والرواية والمسرح، وسمعنا شيئاً من إبداعاتهم، وسمعوا منّا".
وحول مكانة المقهى في حياة المثقفين والمبدعين، يروي الباحث في التراث الشعبي الإعلامي صالح غريب، ذكرياته لـ"العربي الجديد". يقول: "كانت لي علاقة وطيدة بالمقهى، وكنت أتواجد فيه بشكل دوري. أجريت حوارات صحافية عدة داخل المقهى تتعلق بالتراث الشفاهي، وتسجيلات مع رواد المقهى الذين لهم علاقة بالتراث الشفاهي لدولة قطر، خلال عملي كباحث في مركز التراث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي". ويرى غريب أن المقهى، إضافة إلى كونه موقعا سياحيا، له دور ثقافي في احتضان كوكبة من المثقفين والمهتمين بالتراث. وأطلق الباحثون على المقهى اسم الحضرة (التي نلتقي في أحضانها). ويرتاده عدد من الحرفيين وأصحاب المهن الشعبية".
دور المقهى الثقافي هام جداً كما دوره السياحي. ويقول غريب: "استفدت من ترددي على المقهى سواء في عملي كباحث أو كإعلامي. حتى إصداراتي ومنها كتابي الصادر في عام 2015 بعنوان "خصائص الحكاية الشعبية ونهجها الثقافي عند المجتمعات الخليجية"، اعتمدت مادته على مرتادي حالول".
أما الشاعر السوري الشيخ حسن، فيؤكّد أن جماعة "قلق" شهدت ميلادها في مقهى "حالول"، وعاين أهل المقهى ثلّة ممسوسين بالقصيدة يقرأون بصوتٍ عال، وقد يعجبون بما يقال فيصمتون قليلاً، ثم يتابعون أحاديثهم ولعب الورق، أو مشاهدة مباراة في الدوري القطري. ويشير إلى أن لمقهى الصيادين ذكريات عزيزة لا تنسى مع أصدقاء غادروا ومبدعين تناثروا في دروب الحياة. "تقاسمنا معهم كأس الشاي بالنعناع، وحبّات النخّي". ويقول بعض المفكرين إنّ "المثقف هو نتاج المقهى، وأظنّ أن أكثر من كاتب حضر مقهى حالول في نصوصه، لعلّ أبرزهم الروائي القطري أحمد عبد الملك في روايته المهمة أحضان المنافي".