السودان قادر على استقبال عشر حالات فقط مصابة بكورونا

17 مارس 2020
يضع الكمامة الواقية (بول بارينا/ فرانس برس)
+ الخط -
الأخطر من احتمال تفشّي وباء كورونا الجديد في السودان يكمن في الضعف الكبير، وعدم جهوزية القطاع الصحي في البلاد لمواجهة هذا الفيروس. إضافة إلى نقص عدد الأسرة، والتي بالكاد تكفي لعشرة أشخاص، هناك ضعف في التشخيص

منذ يوم الجمعة الماضي، سجّل السودان إصابات بفيروس كورونا الجديد، كما أعلنت البلاد عن أوّل حالة وفاة بالفيروس. أمرٌ كهذا يبدو متوقعاً في ظل ضعف القطاع الصحي في البلاد. والشخص المتوفى هو المحامي فيصل الياس، وذلك يوم الجمعة الماضي نتيحة إصابته بالفيروس بحسب وزارة الصحة السودانية. واللافت في الأمر أن الوزارة أعلنت إصابته بالفيروس بعد وفاته، ما أثار حفيظة عائلته التي شككت في النتيجة، وهددت بمقاضاة وزارة الصحة، مشيرة إلى أن ما حدث هو محاولة من الحكومة لإلهاء المواطنين عن فشلها في إدارة الأزمة الاقتصادية والحصول على دعم من المنظمات الدولية.

وكان الياس قد زار دولة الإمارات العربية المتحدة أوائل الشهرالجاري، وقضى فيها بضعة أيام قبل أن يعود إلى البلاد ليعاني من مشاكل صحية. وأجرى فحوصات طبية في أكثر من مستشفى وكانت النتيجة سلبية. لكن بعد وفاته، أخذت منه عيّنة جديدة للفحص، وذكرت وزارة الصحة أن نتيجتها جاءت إيجابية.

ومنذ بداية انتشار كورونا في الصين، بدأ السودان إطلاق جملة من الإجراءات الاحترازية، وتجهيز أماكن للحجر الصحي، وفرق طبية لإجراء فحوصات في مطار الخرطوم وغيره من المعابر الحدودية، ووقف الرحلات الجوية، وتعليق الصلاة في المساجد والكنائس. ويوم السبت الماضي، أغلقت الجامعات والمدارس ورياض الأطفال ومراكز تعليم القرآن. وستدرس الحكومة تأجيل امتحانات الشهادة الثانوية المقررة بداية الشهر المقبل.

ومع الإعلان عن أول حالة وفاة، عمد السودانيون إلى ارتداء الكمامات وشراء المعقّمات، ما أدى إلى ارتفاع في الأسعار من جهة ونفادها من الأسواق من جهة أخرى، وسط شكوك حول إمكانية البلاد وقدرتها على مكافحة الوباء، في حال تفشيه على غرار البلدان الأخرى، تزامناً مع الجدال الدائر في البلاد حول صحة الإعلان عن أسباب وفاة أول حالة.

في هذا الإطار، يقول الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة "الصيحة"، إن الحالة الوحيدة التي تم الكشف عنها أثبتت عجز وزارة الصحة تماماً عن مكافحة الوباء، مشيراً إلى أن الشخص المتوفّى وصل من الإمارات عبر مطار الخرطوم، وأُجري له فحص أولي ولم تَثبت إصابته. وبعد ذلك، تجول بين المستشفيات واستخدم المواصلات العامة وأجريت له فحوصات وخالط كثيرين. وفي كل تلك المراحل، لم تظهر إصابته بالفيروس، ما يؤكد بشكل قاطع ضعف القطاع الصحي والأجهزة والمعدات المستخدمة للفحص.



ويوضح ساتي لـ "العربي الجديد" أن وزير الصحة أكرم علي التوم، وبكل أسف، يدير الوزارة وحملة مكافحة وباء كورونا كناشط سياسي، ويكثر من الكلام والتصريحات الصحافية من دون اعتماد أي نهج علمي ومهني، مشدداً على ضرورة استقالة الوزير وتعيين بديل عنه يدير المعركة بصورة أكثر حكمة ووعياً، لا سيما بعدما اعترف بخطأ عدم وضع المريض في الحجر الصحي.

من جهتها، تقول الطبيبة سهام جابر إن السودان في حاجة للقيام بعمل كبير حتى يشعر الناس بالطمأنينة وقدرة النظام الصحي على تجاوز أزمة كورونا، مشيرة إلى أن الخطوات الأهم في الوقت الحالي هي توعية المواطنين حول خطورة الوباء وكيفية الوقاية منه، والحد من التجمعات، مبدية خشيتها من عدم تحقق الشرط الأخير بسبب وقوف الناس في طوابير طويلة هذه الأيام لشراء الخبز أو في محطات الوقود.

وتبدي جابر، في حديث لـ "العربي الجديد"، مخاوفها من صعوبات أخرى تتعلق بمكافحة الوباء، تتعلق بالحدود المفتوحة مع عدد من دول الجوار، مشددة على ضرورة تأمين تلك الحدود وتهيئتها بكل أدوات الفحص والسلامة سواء مع مصر أو إثيوبيا أو تشاد وغيرها. وتوضح أن البلاد لا تزال بحاجة إلى تدريب الكوادر الصحية وضرورة الحصول على الدعم المالي من المنظمات الدولية. وقبل ذلك، تحتاج البلاد إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية، للعمل معاً في محاربة الفيروس وإخبار الرأي العام بكل الحقائق، وبكل شفافية.



أما حسن أبو ضلع، وهو اختصاصي الطب المخبري، فيرى أن قدرة السودان على التحكم بالمرض ترتبط بمدى إحكام القبضة على الحدود من دون أدنى تساهل، واتباع كل معايير الجودة في عمليات الفحص والتشخيص. يضيف لـ "العربي الجديد" أن ما حدث من تضارب في الروايات حول وفاة أول مريض مشتبه بإصابته، أحدث إرباكاً كبيراً، وربما يؤثر على الثقة في النظام الصحي، مشيراً إلى أن السودان يملك جهازاً واحداً للفحص في معمل تابع للدولة، موضحاً أنه مطلوب بشدة إجراء ثلاثة فحوصات أساسية لجميع المشتبه بهم، الأول خلال 24 ساعة. وفي حال كانت النتيجة إيجابية، يعاد خلال أسبوع، وفي حال جاءت سلبية، يعاد التشخيص بعد 14 يوماً، ومن ثم بعد 28 يوماً، على أن يبقى أي مشتبه به بالحجر الصحي. ويشير إلى أن العينات المخصّصة للفحص ترسل إلى الخارج لمزيد من التأكيد، مبدياً خشيته من أن تساهم بعض العادات السودانية في نشر الفيروس، وتحديداً الاختلاط الكبير والحرص المطلق على المصافحة والعناق.

من جهتها، أقرت وزارة الصحة الاتحادية بعدم قدرتها على التعاطي مع أعداد كبيرة من الإصابات في حال حدوثها. ويقول الطبيب بابكر المقبول خلال حوار مع التلفزيون الحكومي، إن النظام الصحي في السودان لا يحتمل ظهور حالات كثيرة مصابة بكورونا، وإن أقصى رقم يمكن استيعابه للعلاج وفقاً للتجهيزات والاستعدادات الحالية هو عشر حالات فقط.



المساهمون