يستغل سماسرة وتجار الأعضاء البشرية فقر كثيرين في مصر، خلال العهد الحالي الذي يشهد أسوأ الأزمات الاقتصادية، لشراء أعضائهم بأثمان بخسة، والتربح منها
ازدادت خلال الفترة الأخيرة جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية في مصر، إذ انتشر أطباء وسماسرة يتولون عمليات البيع في عدد من المستشفيات الخاصة، وربما العيادات الطبية البعيدة عن الرقابة. وفسر البعض ذلك بسوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وضعف قدرة المواطنين على تلبية حاجاتهم اليومية الأساسية، وارتفاع نسبة الفقر ومتطلبات المعيشة، بعدما وصل الأمر إلى حد الإعلان عن بيع أعضاء بشرية بوسائل المواصلات العامة، وفي الشوارع، أو عبر وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
كانت الأجهزة الأمنية المصرية، قد تمكنت من ضبط عصابة للاتجار بالأعضاء البشرية بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، بالقرب من القاهرة، تخصصت في استقطاب عدد من الأهالي. وتبين من التحريات أنّ العصابة تضم ممرضة بأحد المستشفيات الخاصة ومعها ثلاثة آخرون من بينهم زعيم العصابة. وتكثف الأجهزة الأمنية من جهودها لإلقاء القبض على عدد من الأطباء على علاقة بالمتهمين في عمليات زرع الأعضاء، وتبين من التحريات أنّ المتهمة تستغل وظيفتها بالمستشفى لتعرض خدماتها على المرضى من العرب والمصريين، بتحديد نوع العضو المطلوب زرعه وفصيلة الدم، وإنهاء جميع الإجراءات داخل المستشفى، والتنسيق بين الطبيب المعالج والسماسرة نظير مبالغ مالية.
تكشف مصادر مسؤولة، أنّ مدينة السادس من أكتوبر، أصبحت معقلاً لتجارة الأعضاء البشرية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد أحداث ثورة 25 يناير، لتواجد كثير من الجنسيات العربية فيها، كما أنّ المدينة تضمّ عدداً كبيراً من المستشفيات الخاصة والاستثمارية. يتاجر بعض هذه المستشفيات بالأعضاء البشرية لعائدها المالي الكبير. وتضم محافظة الجيزة الكثير من المناطق الشعبية مثل "البراجيل وأوسيم والبدرشين والحوامدية وبولاق الدكرور وكرداسة وأبو النمرس" ممن يعيش أهاليها في حالة عوز شديد، ومن بينهم محكوم عليهم بالحبس في قضايا شيكات وإيصالات أمانة، والذين لا يتوانون عند إغرائهم بالمال، عن بيع الكلية أو أجزاء من الكبد مقابل مبالغ مالية زهيدة لا تزيد على 25 ألف جنيه (1445 دولاراً أميركياً)، بينما يبيعها المستشفى للمريض بأكثر من 150 ألف جنيه (8661 دولاراً)، بخلاف أتعاب المستشفى والتحاليل الطبية والأشعة التي تجرى قبل وبعد العملية. تضيف المصادر أنّ أطفال الشوارع والنساء العاملات في الجنس، ربما يكونون أيضاً أحد مصادر بيع الأعضاء.
وكشفت تقارير منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى تقارير أممية وحقوقية مصرية عدة، عن ازدهار تجارة الأعضاء في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، لتصبح من أكبر الأسواق في تجارة الأعضاء البشرية في العالم، وأنّ تلك التجارة آخذة في النمو. وأكدت تلك التقارير أنّه بالرغم من صدور قانون عام 2010 الذي يجرّم تجارة الأعضاء البشرية وقد جرى تعديل عدد من مواده عام 2017، فهو يبيح التبرع بالأعضاء بين الأقارب ولغير الأقارب، إذا كان المريض في حاجة ماسّة وعاجلة لعملية الزرع، شرط موافقة اللجنة الخاصة وهي "اللجنة العليا لزراعة الأعضاء" بوزارة الصحة التي تشكلت لهذا الغرض. وعلى الرغم من تشديد العقوبات الواردة في هذا القانون، لم ينجح في درء تلك التجارة السوداء، التي أصبحت تشهد ازدهاراً كبيراً.
من مواد القانون المصري بشأن زرع الأعضاء، السجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه (29 ألف دولار) ولا تزيد على مليون جنيه (58 ألف دولار) لكلّ من قام بنقل عضو بشري أو جزء منه بقصد الاتجار. وتكون العقوبة الإعدام إذا ترتبت وفاة المنقول منه أو إليه، إضافة إلى حرمان الطبيب من مزاولة المهنة لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات، وإغلاق المنشأة الطبية غير المرخص لها بإجراء أي من العمليات المنصوص عليها في القانون.
وأضافت التقارير سواء العالمية أو المصرية، أنّ تغلغل الفساد بعدد كبير من مؤسسات الدولة، أدى إلى زيادة عدد حالات تجارة الأعضاء، مؤكدة أنّ تلك الجريمة تمر يومياً بعدد من المستشفيات الخاصة وفي سرية تامة، وأنّ حب المال لدى بعض الأطباء والسماسرة، جعل البعض يتمادى في تلك التجارة الخطرة وعدم إبداء أيّ اعتبار للقانون. وللتحايل على القانون، يلجأ بعض تجار الأعضاء إلى الحصول على ورقة مكتوبة من الشخص السليم بأنّه "متبرع" فقط، بالرغم من حصوله على المال، وربما يوثق ذلك في الشهر العقاري، من أجل الهروب من المساءلة القانونية.
يكشف أستاذ المسالك البولية في جامعة "عين شمس" الدكتور عادل حسين، أنّ بيع الأعضاء البشرية جريمة كبيرة وانتهاك لحقوق الإنسان، موضحاً أنّ بعض المستشفيات الخاصة تقوم ببيع الكلى أو جزء من الكبد عن طريق الأطباء والسماسرة الذين يتعهدون للمريض أو ذويه بإحضار من يرغب في البيع، مؤكداً وجود عصابات لسرقة الأعضاء البشرية من الجثث مجهولة الهوية وبيعها بأسعار خيالية، مشيراً إلى أنّ بيع الأعضاء البشرية منتشر في الأحياء الشعبية نتيجة البطالة والأزمات الاقتصادية المتعددة، وهو ما يدفع الأهالي إلى البيع يأساً وفقراً.