تعليم السعودية.. سياسة العصا والجزرة

07 ابريل 2016
لا يحق للمدرّس خفض الدرجات (العربي الجديد)
+ الخط -

بات تداخل الصلاحيات بين الإشراف التربوي وإدارات المدارس يؤثر سلباً على مستوى التعليم في السعودية، لعدم وضوح الرؤية التي يحاول وزير التعليم الرابع في أقل من عامين، تطبيقها. وهو الأمر الذي زاد من الانتقادات تجاه أبرز وزارة خدمية في البلاد تحظى بالرقم الأعلى في موازنة الدولة السنوية، وهو رقم تجاوز على الرغم من تقليص النفقات 191 مليار ريال سعودي (51 مليار دولار أميركي)، وكان في العام الماضي قد بلغ 217 مليار ريال (58 مليار دولار).

على الرغم من أن صلاحيات مديري المدارس ضرورية ليتمكن كل واحد من إدارة مدرسته بشكل جيد، إلا أن توسيع هذه الصلاحيات بجرة قلم وسحبها بالقلم نفسه، يتسبب في الفوضى أكثر من التنظيم.

منذ توليه منصبه، دخل الوزير محمد العيسى في دوامة من القرارات والتعديلات، لكن بدلاً من التركيز على تطوير المناهج وتقليص الاعتماد على المدارس المستأجرة، بات يناقش موعد خروج المدرّسين وكيفية شرح الدروس من قبل كل مدرّس أو مدرّسة. مع أن هذه الأمور هي من صميم عمل الإشراف التربوي وقد منح المدراء أكثر من 60 صلاحية كانت في يد الإشراف، إلا أن 15 صلاحية سحبت منهم في الوقت ذاته ورميت في ملعب الإشراف.

يشبّه المتخصص في التعليم والمدير المتقاعد وليد المزيد ما يحدث في وزارة التعليم بـ "سياسة العصا والجزرة التي تتبادل فيها الصلاحيات والمواقف، بطرقة جعلت الأمور مشوشة على الجميع". يقول لـ "العربي الجديد" إنه "يوماً بعد يوم تتسع الرقعة وتتقلص الفجوة والتباعد. الصلاحيات بين الطرفين تتبادل كل فترة، ويحاول كل واحد منهما التقدم على الآخر والحصول على مزيد من الصلاحيات التي تؤخذ من الطرف الآخر. يضيف أن "التحدي الحقيقي ليس في تبادل الصلاحيات، إنما في الخروج بصلاحيات مبتكرة وفي عدم تغيير هذه الصلاحيات بعد أشهر. الأهم هو الثبات في الاستراتيجية، لكن للأسف هذا الأمر غائب في الوزارة".


من جهته يقرّ الوزير العيسى بقصور في عملية التعليم في السعودية، وقد كتب مقالاً تحت عنوان "تعليمنا إلى أين؟" أكد فيه أن ثمّة حاجة إلى نظام تعليمي مختلف عن الحالي. وسأل: "هل الواقع الراهن لنظامنا التعليمي يرضي الطموح بمستقبل أفضل؟". يضيف: "للتأكيد فإن الإجابة هي النفي، فبلادنا تستحق تعليماً أفضل ومدارس أفضل. ونظامنا التعليمي ما زال دون مستوى الطموح، ودون مستوى الإمكانات التي وفرت له، ودون مستوى التحديات التي يواجهها الوطن على الصعد كافة، وما زالت مخرجات نظامنا التعليمي أضعف من أن تواجه تحديات الحاضر والمستقبل".

من وجهة نظر العيسى، المشكلة تكمن في أن النظام التعليمي ما زال "مكبلاً بكمّ هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة، والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة وممن لا يمتلكها". يضيف: "نحتاج أولاً إلى أن نعيد صياغة مفهوم المدرسة، وأن نعيد إلى النظام التعليمي هيبته وانضباطه وجديته، فالمدارس تهاونت كثيراً في احترام وقت الدراسة". ويتهم الوزير المدرّسين والمدرّسات بعدم الاهتمام بالمهنة، إذ يرى أن طلبهم النقل إلى مدارس قريبة من مقرات سكنهم، أمر غير مهني.

وإذ يعترف العيسى بأنه من الصعب حل كل المشكلات بسهولة، يشدّد على أنهم في حاجة إلى 500 عام لتطوير المدرّسين في البلاد. يضيف: "إيجاد حلول جذرية لمشكلات النظام التعليمي المتجذرة والمتراكمة عبر عقود من الزمن لن تأتي من دون قرارات صعبة وحاسمة، ولن تأتي من دون أن ندفع ثمن بعض السياسات والقرارات، والتي كانت تعالج قضايا التعليم من منظور قصير المدى".

يعلق تربويون على آراء الوزير، قائلين إنها "موغلة في التشاؤم". بالنسبة إلى مدير التوجيه التربوي السابق في الرياض فهد الشمري، فإن "ما يقوله الوزير مبالغات لا أساس لها. للأسف هو غير مطلع على واقع التعليم عن خبرة. التعليم في السعودية متأخر بالتأكيد ويعاني من كثير من المشاكل، لكن حلها لا يأتي من خلال سحب الصلاحيات من جهة ومنح أخرى، بل يأتي من الابتكار والتطوير واستحداث أمور جديدة. والأهم من هذا كله، معالجة المشاكل التي يعاني منها المدرّس. خلال السنوات الماضية تحوّل المدرّس إلى شماعة، فهو لا يستطيع معاقبة التلميذ المقصر والمهمل، كذلك لا يحق له خفض الدرجات أو حتى التهديد بذلك. بالتالي، فإن هذا الأمر أوجد لنا نظاماً تعليمياً أعور، أضف إلى ذلك ضعف المناهج وتكرارها وابتعادها عن الجوانب العلمية".

المساهمون