20 دولاراً عن كلّ متظاهر

10 نوفمبر 2015
من أجل "السلام" (الأناضول)
+ الخط -

الماراثون الذي نظمته إحدى الجمعيات في بيروت، الأحد الماضي، للمرة الثالثة عشرة، شهد مشاركة أكثر من 38 ألف مشترك. القلة القليلة من هؤلاء جاءت من أجل التنافس. أما أكثرهم - وهم اللبنانيون- فجاؤوا للاحتفال. فالحدث رياضي لا شك، لكنّه بالدرجة الأولى ترفيهي يتخذ طابع المهرجانات.
حتى المناخ تواطأ مع المنظمين وشهدت سماؤه صحواً بعد أمطار وفيضانات في الشوارع. ومن أجل إنجاح الماراثون، كرست الأجهزة الأمنية، والقوى السياسية من خلفها، نفسها تنظيمياً. سهّلت نشر الإعلانات والمحطات المختلفة والمتطوعين. ونشرت بدورها الكثير من أفرادها من الجنسين في شوارع العاصمة المعنيّة بالماراثون أو المؤدية إليها- أي معظمها. وقطعت على الكثيرين الوصول إلى مقاصدهم.

لم يكن أفراد تلك الأجهزة ينوون بأيّ شكل خوض مواجهة أو "قمع شغب". لم يرتدوا تلك الملابس والأعتدة التي تحولهم إلى مدرعات بشرية. فالوقت وقت ماراثون.. مهرجان فرح لا يطالب فيه الناس بإسقاط النظام الطائفي، أو برفع الظلم عنهم، ولا بحلّ مشاكلهم البيئية.
أما المشاركون فقد شاركوا، ودفع كلّ منهم عشرين دولاراً أميركياً لجمعية "لا تبغي الربح"، من أجل ذلك الفرح الذي يفتقدونه شيئاً فشيئاً في وطنهم.

ربما شارك بعضهم أيضاً في الحراك الشعبي المطالب بحلّ أزمة النفايات. لكنّهم في الوقت عينه يكشفون عن وجه مختلف للعاصمة اللبنانية برعاية القوى السياسية والأجهزة الأمنية. وجه لبنان الذي يريد "السلام"، ذلك الشعار المبتذل الذي لاكته طويلاً أفواه السياسيين الذين صنعوا الحرب وشاركوا فيها وجنوا من بعدها مكاسبها. "السلام" تلك الكلمة التي من دون مضمون، والتي أشبه ما تكون بـ"بسكويت ماري أنطوانيت".
ينظر السياسيون اللبنانيون إلى المواطنين من بعيد جداً، ومن فوق. لكنّ المواطنين يتماهون معهم ولا يتوانون عن المشاركة في تظاهرات طائفية، وحزبية. هم يرفعون أصواتهم في كثير من الأحيان من أجل الاحتجاج على حقّ يُهدَر، لكنّهم سريعاً ما يصمتون. وحتى الاحتفاليات "الجامعة" لأهل السياسة والمال والجمعيات "الراقية" تجد من الناس العاديين من يرفدها. هو ما يحصل سنوياً في ماراثون بيروت، الذي يعطّل طرقات العاصمة، كما المؤسسات الدستورية معطلة.

ومع الإشادة ببعض التحركات الحقوقية التي رفعت شعاراتها في قلب الماراثون، و"لطخت" مثاليته النخبوية، ربما يتوجب على الحراك الشعبي أن يتقاضى من اليوم فصاعداً 20 دولاراً عن كلّ مشارك في تظاهرة. عندها قد يعتبر اللبنانيون المطالبة بحقوقهم حدثاً يستحق المشاركة.

اقرأ أيضاً: حقوق لبنانية فاسدة
المساهمون