التأمين الصحي الشامل... شبهات فساد في مصر

01 يوليو 2019
الفساد يتهدّدهم جميعاً (ماركو دي لاورو/ Getty)
+ الخط -

في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وافق مجلس النواب المصري على تمرير قانون التأمين الصحي الشامل، واليوم يبدأ تطبيقه في محافظة بور سعيد وسط تحفّظات.

تشهد وزارة الصحة المصرية حالة من الارتباك الشديد، مع إصرار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي على بدء تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل اعتباراً من اليوم الإثنين من دون تأهيل البنية التحتية للمستشفيات، وقد دفع ذلك الوزارة إلى تكليف مئات من الأطباء التوجّه عشوائياً إلى محافظة بور سعيد التي تعدّ من أصغر محافظات مصر مساحة وسكاناً، إذ إنّ تطبيق المرحلة الأولى من النظام الجديد يقتصر عليها دون سواها من محافظات مصر.

وتلاحق شبهات الفساد نظام التأمين الصحي الشامل، نظراً إلى استحواذ شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية على عدد كبير من المستشفيات الحكومية والخاصة أخيراً، تمهيداً لإدخالها في المنظومة الصحية الجديدة التي تهدف إلى تسعير الخدمة الصحية واقتطاع رسوم ضخمة من كل فئات المصريين لتمويلها، مع العلم أنّها شركة متعددة الجنسيات ومن غير المعلوم مصادر تمويلها أو المشاركين في تأسيسها.

في السياق، رأت وكيلة النقابة العامة لأطباء مصر، الدكتورة منى مينا، أنّ "مستشفيات التأمين الصحي الشامل بمحافظة بور سعيد تصدّرتها لافتات عليها أسماء وعلامات تجارية لكبرى سلاسل المستشفيات الخاصة"، مستطردة "لا ننسى أنّ مجموعة مستشفيات كليوباترا هي الذراع المصرية لشركة أبراج كابيتال متعددة الجنسيات التي حذّرنا مراراً من استيلائها التدريجي على المستشفيات الخاصة في مصر". أضافت مينا في تدوينة لها على موقع "فيسبوك" أمس الأحد: "الآن بات واضحاً أنّ الموضوع يتحرّك لإدارة المستشفيات الحكومية أيضاً، وطبعاً هناك دفاع مستميت بأنّ هذه ليست خصخصة"، متابعة "طيب ده يعتبر إيه بالضبط؟ ومقابل إيه؟ هل يعقل أنّ دي مساهمة بالمحبة من القطاع الخاص لتنظيم العمل في المستشفيات الحكومية بشكل محترم، بما يقلل من لجوء المريض المصري إلى خدمات المستشفيات الخاصة؟". وواصلت مينا تساؤلاتها: "يعني بيساعدوا في عمل تطوعي يخلق منافس قوي يقلل أرباحهم؟ طبعاً ده بالإضافة إلى الغموض الرهيب لأوضاع الأطباء، واللي زملاء كثر يتساءلون عنه حالياً... هناك درجة اضطراب رهيبة قبل بدء تشغيل النظام الجديد للتأمين الصحي، وهذا الاضطراب يقلل الثقة في جدية التنفيذ... وإرسال بعض الزملاء جبراً إلى بور سعيد بقرار إخلاء إداري هو أمر غير قانوني على الإطلاق".

وفي تدوينة أخرى، زادت مينا: "مفترض إن نظام التأمين الصحي الجديد عامل هيئة جديدة للرعاية الصحية، ودي هيئة مستقلة ولا تتبع نفس جهة الإدارة ممثلة في وزارة الصحة... والقانون ينص على عمل الهيئة بلوائح مالية وإدارية مستقلة، ولكن هذه اللوائح المالية والإدارية لم يرها أحد منا حتى الآن... ومن غير المعلوم هل هي موجودة ولكنها غير معلنة، أم أنها لم توضع من الأساس؟".



بدوره، كتب الطبيب في مستشفى أوسيم المركزي بمحافظة الجيزة، الدكتور حمدي العطيفي: "نظام التأمين الصحي الشامل اللي الدولة بتستعد له من سنة عشان يجربوه في بورسعيد اعتبارا من 1/7/2019 واللي مكلف الدولة نحو 12 مليار جنيه (نحو 720 مليون دولار أميركي)... افتكروا مساء يوم الجمعة الموافق 28/6/2019 إنهم ماعملوش حسابهم في الأطباء، فبعتوا رسائل لانتدابهم عبر تطبيق واتساب". أضاف العطيفي في تدوينة نشرها على موقع "فيسبوك"، قبل أن يحذفها لاحقاً بعد تلقيه تهديدات بالفصل من الوزارة: "مفترض نصحى يوم السبت (أوّل من أمس) ننطّ من على السرير نمضي في محافظة بور سعيد، ونشتغل يوم الإثنين في نظام ماحدّش يعرف عنه حاجة... واضح إن النظام الجديد والتخطيط مكسر الدنيا، وإن المشروع هاينجح نجاحاً باهراً!". أمّا الرسالة التي وصلت إلى العطيفي وتداولها أطباء على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "مساء الخير د. حمدي، المديرية مبلغاني حالاً إنك هاتكون في مديرية الشؤون الصحية في محافظة بور سعيد صباح السبت الموافق 29/6/2019، وده تكليف من الوزارة، وليس لك إمضاء بالحضور في دفاتر مستشفى أوسيم المركزي بداية من غد، ولمدة 3 أشهر قادمة".

وقد لجأت وزارة الصحة إلى إصدار تعليمات لمديريات الصحة في المحافظات لانتداب أطباء للعمل بحسب المنظومة الجديدة قبل أيام قليلة من الموعد المحدد لتطبيقها. وهي أرسلت خطابات إلى المديريات التي أرسلت بدورها إعلانات إلى المستشفيات التابعة لها بتاريخ 26 يونيو/ حزيران المنصرم، تعلن فيها عن حاجتها إلى أطباء في تخصصات مختلفة، على أن يكون التعاقد إمّا بنظام "مأموريات العمل" لمدة ثلاثة أشهر أو بانتداب لمدة عام.

وبيّنت خطابات الوزارة أنّ راتب الطبيب المقيم سوف يتراوح ما بين 10 آلاف و12 ألف جنيه مصري (نحو 600 - 720 دولاراً أميركياً) شهرياً، وراتب الاختصاصي ومساعد الاختصاصي سوف يتراوح ما بين 12 ألفاً و16 ألف جنيه (نحو 720 - 950 دولاراً) شهرياً، غير أنّ ثمّة مديريات للصحة في محافظات القاهرة والجيزة والشرقية والغربية حدّدت بالفعل قائمة أسماء الأطباء الذين سوف يتمّ انتدابهم إلى مستشفيات بور سعيد من دون الحصول على موافقتهم، نتيجة إحجام الأطباء عن التقدّم للعمل بحسب المنظومة الجديدة.

ونصّ العقد على أنّ مدّة التعاقد ما بين الوزارة والطبيب هي ثلاثة أشهر نظير مكافأة شاملة غير محدّدة في صورة التعاقد لاختلاف المبلغ من طبيب إلى آخر، في حين يتضمّن العقد بنوداً عدّة أبرزها احتساب نسبة 40 في المائة من إجمالي الأجر طبقاً لمؤشّرات الأداء والجودة، على أن يكون لوزارة الصحة حقّ فسخ التعاقد قبل انتهاء المدّة المحددة من دون أن يكون للطرف الآخر (الطبيب) الحقّ في طلب التعويض.




وقد قرّرت الحكومة المصرية تطبيق المرحلة الأولى من منظومة التأمين الصحي الشامل في محافظة بور سعيد كتشغيل تجريبي لمدّة شهرين، بخلاف أربع محافظات أخرى يأتي التطبيق فيها تباعاً، هي السويس والإسماعيلية وشمال سيناء وجنوب سيناء، بناءً على توجيه من رئيس الجمهورية، على أن يغطّي النظام الجديد كلّ محافظات مصر عبر ستّ مراحل تنتهي في عام 2032.

وتواجه وزارة الصحة عجزاً شديداً في عدد الأطباء، وهو ما أكدته وزيرة الصحة هالة زايد أمام مجلس النواب في سبتمبر/ أيلول من عام 2018، بقولها إنّ ثمّة 103 آلاف طبيب يعالجون نحو 100 مليون مواطن، ما يمثّل 10 أطباء لكلّ 10 آلاف مواطن، بينما المعدّل العالمي هو 32 طبيباً لكلّ 10 آلاف مواطن، مشيرة إلى أنّ عدد الأطباء المصريين العاملين في السعودية وحدها كان يبلغ 65 ألفاً بنهاية عام 2017. يُذكر أنّ زايد سبق أن حذّرت من عدم تفعيل نظام التأمين الصحي الشامل من جرّاء عدم تخصيص 17.5 مليار جنيه (نحو مليار دولار) من أجل تطوير المنظومة الصحية في محافظات المرحلة الأولى، منتقدة اعتماد وزارة المالية نحو 63 مليار جنيه (نحو 3.7 مليارات دولار) فقط لميزانية الوزارة بدلاً من 96 ملياراً (نحو 5.7 مليارات دولار) طلبتها للعام المالي الجديد، غير أنّ مجلس النواب وافق لاحقاً على زيادة تلك الموازنة بمبلغ مليار و925 مليون جنيه (نحو 115 مليون دولار) أي بما يقلّ عمّا طلبته الوزارة بنحو 15.6 مليار جنيه (نحو 93 مليون دولار).

وكان المركز المصري للحقّ في الدواء (خاص) قد حذّر من احتكار شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية القطاع الصحي في مصر، لا سيّما بعد استحواذها على 13 مستشفى ومعمل تحاليل في أشهر قليلة، واتجاهها إلى السيطرة على مصنعين للأدوية في مدينتَي بدر والسادس من أكتوبر وعلى مستشفى في شرق القاهرة، بالإضافة إلى امتلاكها عيادات خاصة ملحقة بها صيدليات في مناطق التجمع الخامس وأكتوبر والقطامية والرحاب.

وقد نشر المركز على موقع "فيسبوك" في مارس/ آذار الماضي، ملخّصاً لوثيقة سرية صادرة عن "هيئة الرقابة الإدارية" (حكومية) تحذّر من سيطرة الشركة الإماراتية على القطاع الصحي في البلاد، مطالبة بضرورة الحصول على موافقات الأجهزة السيادية قبل بيع أيّ مصنع أدوية أو مستشفى بعدما حددت على سبيل الحصر أسماء الشركات التي تعمل في الرعاية الصحية والأدوية.



كذلك كشفت نقابة الأطباء المصرية في وقت سابق أنّ صفقات الاستحواذ تمّت بعيداً عن أيّ رقابة من وزارة الصحة تحت ذريعة "الاستثمار الحر"، مطالبة بتدخل الدولة لإلغاء كلّ صفقات شركة "أبراج كابيتال" في مجال الصحة وإقرار رقابة من وزارة الصحة، فلا يُسمح بالتالي ببيع أي منشآت صحية أو شرائها إلا بعد موافقة الوزارة والتأكيد على هوية الملاك بالإضافة إلى وضع قواعد للبيع والشراء في مجال الصحة لمنع الاحتكار.

من جهتها، أبدت منظمات حقوقية مصرية تخوفها مراراً من تداعيات تطبيق قانون التأمين الصحي الجديد، باعتبار أنّه يمهّد لخصخصة خدمات التأمين على صحة المصريين، من خلال تسليم قطاع الصحة للشركات الخاصة، بما يساهم في تحميل الفقراء مزيداً من الأعباء، كون النظام الجديد لا يعتمد إلا على مستشفيات عالية الجودة، علماً أنّ المستشفيات الحكومية هي الأقلّ جودة في المنظومة الصحية المصرية.

تجدر الإشارة إلى أنّ فرض مصلحة الضرائب المصرية رسوماً إضافية على المنشآت الفردية والاعتبارية، مهما كانت طبيعتها، أو النظام القانوني الخاضعة له، بما فيها الصيدليات، بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2019، لتمويل المنظومة الجديدة، متضمّنة تحصيل نسبة 0.0025 في المائة من إجمالي إيرادات نشاط الصيدليات من واقع الإقرار الضريبي، سواء في المحافظات التي سوف يبدأ فيها تطبيق نظام التأمين الشامل أو تلك المدرجة في المراحل اللاحقة.

ووافق مجلس النواب المصري على تمرير قانون التأمين الصحي الشامل في ديسمبر/ كانون الأول 2017، متضمناً فرض رسوم تُقدّر بألف جنيه (نحو 60 دولاراً) عن كل سرير عند استخراج تراخيص المستشفيات والمراكز الطبية، وما بين ألف و15 ألف جنيه (نحو 60 - 900 دولار) عند تعاقد نظام التأمين الجديد مع العيادات الطبية ومراكز العلاج والصيدليات وشركات الأدوية، وفقاً للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون.




وقد حدّد التشريع الذي صادق عليه السيسي في يناير/ كانون الثاني 2018، اشتراكات العاملين المؤمّن عليهم، من الخاضعين لأحكامه، بنسبة واحد في المائة من أجر الاشتراك، وثلاثة في المائة عن الزوجة غير العاملة أو التي لا تملك دخلاً ثابتاً، وواحد في المائة عن كلّ مُعال أو ابن، فيكون الاشتراك خمسة في المائة من الأجر التأميني أو من الأجر وفقاً للإقرار الضريبي أو الحدّ الأقصى للأجر التأميني (أيّهما أكبر).
دلالات