أهالي الموصل يبحثون عن منازلهم: مدينة بلا ملامح

23 يوليو 2017
حجم الدمار يفوق الوصف (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -



تكبو أم فاروق ذات الستين عاماً وهي تحاول الركض فوق الركام باحثة عن منطقتها التي تركتها هنا، أو كأنّها كانت هنا، على هذه الأرض، أرض مدينة الموصل القديمة التي اختفت معالم أحيائها السكنية، فلا أحد يستطع أن يعرف منطقته أو يقدّر مكانها.

بصوت عال تصرخ وتقول "أين باب البيض؟ أين باب لكش؟ أين بيتي؟ وأين بيت ابني؟ كلها اختفت".

لم تستطع أم فاروق الكلام من أثر الصدمة، بينما تحدّثت أم أحمد، وهي من أهالي منطقة القليعات بالموصل القديمة، وقالت لـ"العربي الجديد": "سعدنا بأنباء تحرير الموصل القديمة، بعد أن ذقنا مرارة العيش في مخيمات النزوح، ولم نستطع الانتظار أكثر، أردنا أن نعرف ماذا حلّ بمنازلنا التي تركناها، لذا قرّرنا نحن مجموعة من النساء أن نأتي للموصل القديمة لنرى ونطمئن على ما تركناه فيها، لكنّ أثر الصدمة كان كبيرا علينا، فالمدينة مسحت من فوق الأرض، ولم يتبق منها سوى أحياء قليلة وهي مخرّبة".

وأوضحت، "لم نعرف مناطقنا ولم نجدها، واصلنا البحث والركض فوق الأنقاض بحثنا عنها في كل جانب فلا معلم يرشدنا إليها، لا شارع معروفاً ولا بناية معينة ولا مسجد قريباً ولا مدرسة"، مضيفة "مناطق بأكملها تحولت إلى خراب، فلا ترى فيها لا معلم ولا أثر لشيء".

وأكدت أنها لم تر في الموصل القديمة سوى عدد من الجنود المنتشرين وأصوات الغربان تنعق من كل جانب، وقالت: "لم نجد بيوتنا ولم نعرف المدينة التي أصبحت أثرا بعد عين".

ويقول مسؤول محلي في الموصل، إنّ "الموصل القديمة لم تحرّر، بل هدمت بمن فيها". وأكد خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "حجم الخراب شمل المدينة بأكملها"، وذكر المناطق التي سويت بالأرض بالكامل واختفت معالمها، ومنها "الطوالب وباب البيض وباب جديد وباب سنجار وباب لكش وباب الطوب والسرج خانة وخزرج والساعة وعبدو خوب والخاتونية والبقجة والقليعات".


أحياء لم تعد صالحة للسكن (أريس مسينيس/فرانس برس) 






وأكمل معددا "وحي اليهود والسلطان ويس والمشاهدة والخراب وشارع النجفي ودجة بركة والفاروق والجامع الكبير والشيخ فتحي والنبي جرجيس"، مؤكدا أنّ "هذه المناطق اختفت بالكامل، ولا يمكن معرفتها إلّا من خلال مهندسي المساحة الذين يقيسون المسافات لتحديد الأماكن".

وأشار إلى أنّ "ثمن معركة الموصل كان باهظا جدّا، وأنّ الأهالي لا يمكن لهم العودة من جديد لمناطقهم، التي لم يبق منها سوى الأرض والأنقاض".

ورغم تقليل الحكومة من حجم الخسائر والأضرار في الموصل نتيجة المعارك، فإنّ خبراء اقتصاديين أكدوا أنّ الموصل تحتاج إلى 100 مليار دولار لإعادة إعمارها، وأنّ أضرارها ستبقى لنحو 10 سنوات.


معالم ضيّعها الدمار (بولنت كيليك/فرانس برس) 


وللأسبوع الثالث على التوالي تتواصل عمليات انتشال الجثث من تحت أنقاض المنازل في الموصل. ويعتقد مسؤولو الدفاع المدني العراقي أنه ما زال هناك نحو 4 آلاف جثة لمدنيين قتلوا جراء القصف رغم استخراج نحو ألفي جثة حتى الآن.

وقال العقيد سلام الطائي، رئيس الوحدة الثالثة بمديرية الدفاع المدني، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات البحث ما زالت جارية وهناك انتشال للجثث على مدار الساعة".


الدفاع المدني يبحث عن الجثث تحت الأنقاض(العربي الجديد)


يعملون على مدار الساعة (العربي الجديد)


وأكد مقتل وإصابة 6 من عناصر الدفاع المدني نتيجة انهيار أنقاض عليهم، أو انفجار قنابل خلال عملية بحثهم عن جثث الضحايا، مرجحا استمرار عمليات البحث أسبوعين آخرين قبل أن يتم السماح بدخول الآليات الثقيلة لتنظيف الأحياء السكنية التي تحول عدد كبير منها إلى مناطق خالية من أي بناء.