ألمانيا مقبلة على انتخابات برلمانية خلال أيام تراهن فيها المستشارة أنجيلا ميركل على فوز ائتلافها، ثم بقائها في منصبها. تراهن في ذلك على ملايين الشباب الذين يميلون لتأييدها.
"لو أتيحت الفرصة لي لانتخاب مباشر لما ترددت بوضع صوتي لموتا ميركل (الوالدة ميركل)، فهي منحتنا كنساء ما يمكن أن يلهمنا، وبالرغم من أنّي أميل إلى اليسار، لا أستطيع أن أتجاوز شجاعتها في قرار 2015 باستقبال المهاجرين" هذا ما تقوله لـ"العربي الجديد" الطالبة الجامعية ريتا كاوفكويني من هامبورغ. تضيف أنّ هذا "موقف إنساني وأخلاقي ومبدئي بقيت محافظة عليه بالرغم من كلّ ما أعلنه الشعبويون (حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني)".
"موتا"
ريتا كاوفِكيني هي من بين أكثر من ثلاثة ملايين شاب وشابة في ألمانيا سينضمون يوم 24 سبتمبر/ أيلول الجاري إلى ملايين من مواطنيهم في الانتخابات البرلمانية العامة التي تبدو مصيرية هذه المرة. وفقاً لاستطلاعات رأي في أغسطس/ آب الماضي، فإنّ هؤلاء الملايين من الشباب ليسوا أقل شأناً في الاختيار السياسي، أو محاولات جذب الأحزاب لأصواتهم. فقد قال 57 في المائة منهم إنّهم لو أتيحت لهم فرصة انتخاب مباشر للمستشارية، فإنّهم سيصوّتون للمستشارة الحالية أنجيلا ميركل.
وعلى الرغم من أنّ المنافس لها الاجتماعي الديمقراطي مارتن شولتز صاحب توجهات قد تكون أقرب لفئة الشباب، إلاّ أن شعبية ميركل بين هذا الجيل تبدو متجاوزة له. يصف بعض الشباب الألماني نفسه بأنّه من "جيل ميركل" أو "جيل الماسة" في إشارة إلى حركة يدي المستشارة ميركل المعروفة بها حين تتحدث وهي تتمسك بتلك الإشارة المثلثة الأضلاع المرسومة بأصابعها عند أسفل البطن.
لا مبالغة حين يُطلق وصف "جيل ميركل" على ملايين الشباب فقد نشأوا ولم يعرفوا غيرها مستشارة لبلادهم. وفي المقابل، مثلما وُصف المستشار الراحل هيلموت كول بـ"أبي الأمة"، وهو موحد ألمانيا ومعزز موقعها الأقوى في أوروبا والذي بقي مستشاراً طوال 16 عاماً، فإنّ جيل 2017 لا يتردد في وصف ميركل بـ"والدة الأمة"، أو ما يطلقونه عليها بالألمانية "موتا" وهو وصف يسبق حتى اسم ميركل في مجلات وصحف الشمال، خصوصاً منذ خريف عام 2015 مع تدفق مئات آلاف المهاجرين.
لاجئون سوريون في حملة مؤيدة لميركل (أود أندرسن/ فرانس برس) |
شبابية
ينظر مراقبو مسار ألمانيا الانتخابي المقبل إلى هذه النسبة الكبيرة، المعبرة عن رغبتها في التصويت لميركل، على أنّها قد تكون معاكسة للنظرة التقليدية لتمرد الشباب على السلطة واختيارهم يسار ويسار الوسط تقليدياً. فالتحولات الاجتماعية والاقتصادية في ظل ميركل "أوجدت اتساعاً في قراءة جيل شاب لنفسه على أنّه أقرب ليمين الوسط والبورجوازية" بحسب ما يقول الباحث في الشأن الشبابي في هامبورغ فيليكس كوهللر. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ المستشارة ميركل هي بالنسبة لهذا أيضاً "من جعلت ألمانيا تتجاوز كثيراً من التحديات، وخلقت وضعاً مميزاً لبلدهم على الساحة الأوروبية، وشكلت صمام أمان في أوضاع عاصفة ومأزومة وتوترات في علاقات دولية بين ضفتي الأطلسي، عدا عن الإحساس بالتحسن الاقتصادي والمعيشي بعد عقد من الأزمة الاقتصادية العالمية".
في أواسط أغسطس/ آب الماضي، قبلت ميركل دعوة إلى حوار سياسي على منصة شبابية ألمانية على "يوتيوب" معروفة باسم "خيارك". لإدراكها أهمية أصوات الشباب، خصوصاً عبر قناة يتابعها أكثر من مليون ونصف مليون شخص، تلقت ميركل كلّ الأسئلة الممكنة وتفاعلت مع مذيعين شباب تناوبوا على عرض هموم وأطروحات "جيل ميركل" طوال أكثر من ساعة.
مما لا يغيب أيضاً عن خيارات الشباب الألماني، من شتى الخلفيات العرقية أيضاً، مواقف ميركل الإنسانية، فبالنسبة لهذا الجيل تمكنت المستشارة من بناء مصداقية لها حين أطلقت شعار 2015 : "يمكننا القيام بذلك" بالرغم مما تعرضت له من انتقادات وهجوم لاذع داخلي وخارجي بسبب السماح باستقبال مئات آلاف الهاربين من الحروب. ولا يغيب أيضاً في المراهنة على الصوت الشبابي، ليس عند ميركل شخصياً فحسب بل حزبها الديمقراطي المسيحي ككلّ، رمزية المرأة التي بقيت في السلطة بالرغم من كلّ الهزات، ما يشكل حافزاً لكثير من الألمانيات تحديداً.
صغار المهاجرين يحبّون ميركل كذلك (شون غالوب/ Getty) |
المهاجرون
بالنسبة للشاب العشريني دينيز كيشليك -التركي الأصل- فإنّ المستشارة ميركل "تستحق التصويت لحزبها لدورة جديدة في المستشارية، فهو ما أتمناه لها. هي الأكثر قدرة على الحفاظ على مبادئ إنسانية في بلدنا، وفي الوقت نفسه ترفض رفضاً قاطعاً اليمين المتطرف وضغوط فئات اجتماعية لتخريب العلاقة بين مختلف أعراق الشعب". دينيز يرفض الدعوات الصريحة إلى مقاطعة الانتخابات: "التصويت يهمنا جميعاً بغض النظر عن خلفيتنا، فنحن جميعاً أبناء هذا البلد، مثل آبائنا الذين اختاروه كموطن". وهو يلفت، كغيره من الشباب الألماني ذوي الأصل التركي والسياسيين الألمان، إلى دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل مبطن لمن هم من أصول تركية إلى عدم التصويت للطبقة السياسية الحالية.
زميل دينيز -الألماني أباً عن جد- نيكلاس بوردوف لا يخفي أنّه لن يصوت لميركل. هي المرة الأولى التي يشارك فيها في الانتخابات البرلمانية، ويظن أنّه "بات من الضروري أن يأتي الاجتماعيون الديمقراطيون ليطبقوا سياسة أكثر عدالة اجتماعياً، وعلينا الخروج من نمط العولمة المفروضة علينا وتحويل ألمانيا إلى صندوق مالي لإنقاذ اقتصاديات فاسدة حول أوروبا". لكنّ نيكلاس يردف: "هذا لا يعني أنّي ضد سياسة ميركل في استقبال المهاجرين التي ينتقدها بعض يسار الوسط واليمين المتطرف".
يبدو واضحاً أنّ الشباب الألماني وجد وعيه السياسي خلال سنوات ميركل في المستشارية، فبعضهم لم يكن بعد قد التحق في صفوف الابتدائية قبل وصولها إلى المستشارية عام 2005، لكنّه يرى نفسه الآن جزءاً من مواطنة أوسع من حدود بلده بانفتاح أكبر مما شهدته ألمانيا الموحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج مجتمع الشرق والغرب فيها من الحرب الباردة. بالنسبة لمارتن كوغر فإنّ "ألمانيا في فترة المستشارة ميركل أضحت جزءاً من قرية عالمية صغيرة، ففي المجال الصناعي والتقني نرى أنفسنا كشباب جزءاً من حالة عالمية أوسع، وليس بغريب أن تكون هناك فئات شبابية واسعة ترى في المستشارة محركاً ودافعاً لفعالية وقوة ألمانيا على الصعيد العالمي، خصوصاً الوجه الإنساني الذي يهمنا كشباب في اختيار من يمثلنا". لكنّه يبدو أيضاً متخوفاً "مما يمكن أن يجلبه تقدم اليمين المتشدد، ونزعته نحو التقوقع باتجاه الولايات، من تأثيرات سلبية على نسيج وعلاقات المجتمع الألماني مستقبلاً".
استطلاعات
تبقى الإشارة إلى أنّ الجدل المجتمعي حول توجهات ملايين الشباب، قبل الانتخابات، عكسته أيضاً الاستطلاعات في نهاية أغسطس الماضي، فنسبة ضخمة من الألمان لم يقرروا بعد لمن سيصوتون. وفي حين عبر 60 في المائة عن اتخاذهم قرارهم لمن سيصوتون، فإنّ 44 في المائة من النساء فقط من قررن أصواتهن، وذلك وفقاً لما خرجت به مؤسسة قياس الرأي "إمنيد". وكان على المستطلعين أن يحددوا في إجاباتهم أيّاً من الأحزاب يفضلون عادة. فأظهر الاستطلاع في صفوف مؤيدي ومتعاطفي حزب اليمين المتشدد "البديل من أجل ألمانيا" تأكيداً على التصويت له بنسبة 75 في المائة. وكانت نسبة المتأكدين من التصويت لـ"الائتلاف المسيحي" من أنصاره 69 في المائة، ومع "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" 65 في المائة، و"الخضر" 49 في المائة.
استطلاعات بداية سبتمبر تشير إلى أنّ "الائتلاف المسيحي" مع حليفه، سيحصل على 39 في المائة من أصوات الناخبين، و"الاجتماعي الديمقراطي" 22 في المائة، واليساري "لينكا" 9 في المائة، و"البديل" الشعبوي المعارض للجوء والهجرة 8 في المائة.
الاستطلاع نفسه يظهر بوضوح أنّ الألمان يفضلون ميركل في منصب المستشارة بنسبة 38 في المائة على أساس المصداقية، في حين تتدنى نسبة شولتز في هذا المعيار إلى 11 في المائة. والمثير أيضاً أنّ 44 في المائة لا يرون فرقاً بين الشخصين لناحية المصداقية. لكنّ قياس معيار "الشخصية التعاطفية" فازت فيه ميركل بنسبة 42 في المائة مقابل 19 في المائة لشولتز. وفي معيار "العدالة الاجتماعية" فإنّ طروحات حزب شولتز تحظى بنسبة تأييد بـ33 في المائة مقابل 22 في المائة لحزب ميركل.