تقدمت ابنة أختي، تينا، التي تبلغ من العمر 11 عاماً وسألتني فجأة لماذا لا تستطيع أن تصير رئيسة للجمهورية في لبنان.
كان السؤال مربكاً. وكنت أفكر دائماً في الأسئلة التي قد يطرحها الأطفال. كان واضحاً أن تينا سبق أن حصلت على إجابة سلبية عن هذا السؤال، وكانت تعرف طبعاً أنها لن تتمكن يوماً من أن تصير رئيسة للجمهورية، بسبب حصر المنصب (وبقية المناصب الرسمية الرفيعة وغير الرفيعة في لبنان) في طوائف معينة. كانت تعرف الإجابة، لكنها جاءت إليّ لعلها تجد لدي ما قد يكون أكثر قدرةً على إقناعها.
كان صعباً عليّ أن أكذب، أو أن أتحايل في إجابتي. فكرّرت عليها ما كانت قد سمعته بالفعل. نظرت إليّ باستنكار وغضب وقالت بالفرنسية: "لكن هذا غير عادل!". فأكدت لها أن هذا رأيي أيضاً في الموضوع، وأنني أتفق معها تماماً، وأن أي منصب يجب ألّا يكون حكراً على أية فئة، بل يجب أن يصل إليه الشخص اعتماداً على كفاءته وجهده، وليس على أي شيء آخر. تركتها، وكانت ما زالت تفكر في الموضوع، لكني أعرف أن شيئاً ما انكسر في داخلها. كان ذلك واضحاً في نظرة عينيها.
في قصة أخرى مشابهة، تحمل الأسئلة ذاتها التي يطرحها الأطفال في هذه السن، أخبرتني صديقة عن حادثة حصلت مع ابنتها قبل سنوات، وكانت تبلغ العاشرة. نقلت يارا إلى والدتها ما حصل يومها في صف مادة التربية. أخبر تلميذ، زميل ليارا، المعلمة بأنه يريد أن يصبح رئيساً للجمهورية (يبدو أن هذا المنصب يجذب كثيراً من الأطفال). لكن المعلمة، التي تعرف طائفته، أخبرته، بعد أن عبّرت عن أسفها، بأنه لن يتمكن من تحقيق ذلك يوماً، لأن طائفته مختلفة عن طائفة الرئيس، لكنه يستطيع الحصول على منصب آخر. عندها تحمّس رفاقه في الصف وصار كل منهم يريد أن يعرف ما هو أعلى منصب يمكن أن يصل إليه في هذه الجمهورية العظيمة. الأفدح أن المعلمة كانت تسأل كلّاً منهم عن مذهبه كي تُبلغ صاحب السؤال بالمنصب الرسمي الذي يمكنه أن يصل إليه يوماً. وهي فعلت ذلك غالباً عن سوء تقدير وليس عن سوء نية. لقد وقعت المعلمة في الفخ الذي وقع كل منا فيه عندما تعرّض إلى السؤال نفسه.
اقــرأ أيضاً
لكنها حشرية الأطفال، وحقهم في السؤال عن جميع المواضيع والعناوين التي تعترضهم في الحياة. ربما تكون الإجابة صعبة، وربما يكون تأجيلها ــ إن أمكن ــ أخف الحلول وطأة طالما أننا نخجل من الإجابة الحقيقية ونتهرّب منها لأنها تفتح علينا سلة النفايات.
ثم يأتي من يستغرب لماذا يشارك الأطفال في الثورة!
كان السؤال مربكاً. وكنت أفكر دائماً في الأسئلة التي قد يطرحها الأطفال. كان واضحاً أن تينا سبق أن حصلت على إجابة سلبية عن هذا السؤال، وكانت تعرف طبعاً أنها لن تتمكن يوماً من أن تصير رئيسة للجمهورية، بسبب حصر المنصب (وبقية المناصب الرسمية الرفيعة وغير الرفيعة في لبنان) في طوائف معينة. كانت تعرف الإجابة، لكنها جاءت إليّ لعلها تجد لدي ما قد يكون أكثر قدرةً على إقناعها.
كان صعباً عليّ أن أكذب، أو أن أتحايل في إجابتي. فكرّرت عليها ما كانت قد سمعته بالفعل. نظرت إليّ باستنكار وغضب وقالت بالفرنسية: "لكن هذا غير عادل!". فأكدت لها أن هذا رأيي أيضاً في الموضوع، وأنني أتفق معها تماماً، وأن أي منصب يجب ألّا يكون حكراً على أية فئة، بل يجب أن يصل إليه الشخص اعتماداً على كفاءته وجهده، وليس على أي شيء آخر. تركتها، وكانت ما زالت تفكر في الموضوع، لكني أعرف أن شيئاً ما انكسر في داخلها. كان ذلك واضحاً في نظرة عينيها.
في قصة أخرى مشابهة، تحمل الأسئلة ذاتها التي يطرحها الأطفال في هذه السن، أخبرتني صديقة عن حادثة حصلت مع ابنتها قبل سنوات، وكانت تبلغ العاشرة. نقلت يارا إلى والدتها ما حصل يومها في صف مادة التربية. أخبر تلميذ، زميل ليارا، المعلمة بأنه يريد أن يصبح رئيساً للجمهورية (يبدو أن هذا المنصب يجذب كثيراً من الأطفال). لكن المعلمة، التي تعرف طائفته، أخبرته، بعد أن عبّرت عن أسفها، بأنه لن يتمكن من تحقيق ذلك يوماً، لأن طائفته مختلفة عن طائفة الرئيس، لكنه يستطيع الحصول على منصب آخر. عندها تحمّس رفاقه في الصف وصار كل منهم يريد أن يعرف ما هو أعلى منصب يمكن أن يصل إليه في هذه الجمهورية العظيمة. الأفدح أن المعلمة كانت تسأل كلّاً منهم عن مذهبه كي تُبلغ صاحب السؤال بالمنصب الرسمي الذي يمكنه أن يصل إليه يوماً. وهي فعلت ذلك غالباً عن سوء تقدير وليس عن سوء نية. لقد وقعت المعلمة في الفخ الذي وقع كل منا فيه عندما تعرّض إلى السؤال نفسه.
لكنها حشرية الأطفال، وحقهم في السؤال عن جميع المواضيع والعناوين التي تعترضهم في الحياة. ربما تكون الإجابة صعبة، وربما يكون تأجيلها ــ إن أمكن ــ أخف الحلول وطأة طالما أننا نخجل من الإجابة الحقيقية ونتهرّب منها لأنها تفتح علينا سلة النفايات.
ثم يأتي من يستغرب لماذا يشارك الأطفال في الثورة!