شردت الحرب الدائرة المواطنين بينما لا تكترث سلطات النظام؛ المدارس أيضا بات معظمها مليئا بالنازحين الذين تقدم لهم المنظمات الإنسانية المعونات، لكن هناك مشردين منسيين، هؤلاء الذين نزحوا إلى الأحياء التي تقطنها أغلبية موالية للنظام، والذين يقوم سكانها بطردهم ويتهمونهم بـ"الخيانة والعمالة".
ومع تواصل الصراع، أجبرت ظروف الحياة الصعبة الكثير من النازحين على الاستقرار في الحدائق والطرقات في خيام بالية، وبينهم نساء يعملن في النهار لتحصيل لقمة عيش، وتكون الخيمة مأواهنّ ليلا.
أجرة البيت المرتفعة التي تبلغ 35 ألف ليرة سورية، وعدم صبر صاحب البيت جعله يطرد فادية محمد من المنزل الواقع في حي الزاهرة القديمة المختلط ما بين مؤيدين للنظام وأقلية موالية للمعارضة، لتعيش فادية وحيدة في حديقة الحي، فمنذ خروجها من حي مخيم اليرموك المحاصر عقب موت زوجها بسبب القصف، عملت في مشغل للخياطة، لكن الراتب لا يكفي لدفع إيجار المنزل.
وقالت فادية، لـ"العربي الجديد": "الناس لم تعد ترحم بعضها، صاحب المنزل يريد 35 ألفا، من أجل غرفة واحدة وحمام ومطبخ. لقد طردني دون النظر إلى وجهي حتى. بقيت في الشارع لساعات قبل أن أجد عائلتين من مخيم اليرموك تسكنان في الحديقة، فاتخذت خيمة منزلا بجانبهم".
ويعجز البعض عن الحديث حول وضعه، فيتحدّث المارة عنه، ففي حي المزة، أحد أشهر أحياء دمشق، نقل ناشطون صورة لعائلة تضم رجلا وامرأة عجوزا وطفلا، اتخذوا من سيّارتهم القديمة منزلا، باتت تلك السيارة تمثل الآن وطنهم.
ويقول الناشطون إنّ العائلة تعيش منذ نحو ثلاثة أشهر في أحد الشوارع بحي المزة، ووصفوا ذلك بأنه "أبشع أنواع الذل التي يتعرض لها الشعب السوري"، وركز أحد الناشطين على ذكر مكان وجود سيارة العائلة، وهو "بجانب دوار المواساة بجانب حلويات نبيل نفيسة على الزاوية"، لعل أحدا يرى تلك العائلة ويمد لها يد العون.
وتمثل تلك العائلة الكثير من العائلات التي غابت عنها عين الكاميرا بسبب الخوف من الملاحقة من قبل رجال أمن النظام السوري، فيما تجرأ البعض ونقل تلك الصور التي تحمل قدرا من هموم المشردين.
في حديقة الزاهرة أيضا، يجلس محمود الملا، بعد فقدان منزله في حي الحجر الأسود، جنوب دمشق، قبل أربع سنوات، باتت الحديقة وطنا له، يفترش زاوية من الحديقة نصب فيها خيمة من أكياس النايلون، ويتناول الطعام مما يتفضل به أهل المنطقة.
يقول محمود: "قوات الأمن تقوم دوما بمطاردتنا في المنطقة، فأهرب إلى المسجد القريب إلى أن تغادر المكان، ثم أعود إليه لاحقا، إنهم يأتون بهدف أخذ الشباب والرجال إلى العسكرية، أنام ليلة في الحديقة وليلة في المسجد. لا أعلم إلى أين أذهب".
وتفاقمت في الأشهر الأخيرة ظاهرة التشرد في مدينة دمشق، خصوصاً بين الأطفال الذين فقدوا ذويهم، والذين ينتشرون بشكل كبير في الساحات وتحت الجسور الرئيسة وبين الأسواق.