ثمّة جدال في فرنسا اليوم حول تعليم اللغة العربية في المساجد والمراكز الإسلامية، وسط مطالبات للسلطات الفرنسية المعنية بتعزيز تعليم هذه اللغة في المدارس
تعلّم اللغة العربية في فرنسا ليس أمراً سهلاً. ثمّة مدارس ومؤسسات تدرّس هذه اللغة، إلا أنّها تبقى خاصة في معظمها، ولا يتجاوز عدد المؤسسات التي أبرمت عقوداً مع وزارة التربية الوطنية الفرنسية أصابع اليدَين. لكنّ الطلب على تعلّم هذه اللغة كبير جدا، خصوصاً مع وجود ما بين خمسة ملايين وستة ملايين عربي ومسلم في فرنسا.
وتدريس اللغة العربية في فرنسا شهد تجارب مختلفة أشرفت عليها سفارات عربية في فرنسا بناءً على اتفاقات مع السلطات الفرنسية، من بينها سفارة المغرب. فقد وقّعت اتفاقاً في هذا السياق في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1983، طابعه اختياري ويأتي بالتنسيقٍ مع أهل التلاميذ المغاربة، على أن تسدد "مؤسسة الحسن الثاني" رواتب المدرّسين الذين تقدّر أعدادهم بـ300 مدرّس. من جهتها، تقوم الجزائر بعمل مشابه. بحسب بيانات 2013 - 2014، أتاحت السفارة الجزائرية لـ33 ألفاً و424 تلميذاً تلقّي دروس اللغة العربية على أيدي 365 مدرّساً جزائرياً، بمعدّل ثلاث ساعات أسبوعياً. السلطات التونسية حاضرة كذلك في مجال تدريس اللغة العربية في فرنسا، وقد وقّع آخر اتفاق بين وزيرة التربية الوطنية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم وبين نظيرها التونسي ناجي جلول في 31 مارس/ آذار من عام 2017. وينصّ الاتفاق على "إرسال مدرّسين تونسيين للتدريس في فرنسا"، و"تتكلف تونس باختيارهم ودفع مرتباتهم"، و"تكون مادة اللغة العربية اختيارية بالنسبة إلى التلاميذ في المدارس الابتدائية".
تؤكد إحصاءات وزارة التربية الوطنية أنّ عدد الذين تعلّموا اللغة العربية في عام 2017، لم يتجاوز أربعة آلاف و573 تلميذاً في المدارس الإعدادية وستة آلاف وتلميذا واحدا في المدارس الثانوية، أي أقلّ من اثنَين في الألف. وتُدرَج هذه اللغة بعد اللغتَين الصينية والروسية. أمّا في المدارس الابتدائية، فلم يتعدَّ عدد التلاميذ الذين يدرسون اللغة العربية 567 تلميذاً بحسب الإحصاءات ذاتها.
إلى جانب إشراف وزارة التربية الوطنية الفرنسية على تعليم اللغة العربية، وإلى جانب مثابرة السفارات العربية - لا سيّما المغاربية - على تعليم اللغة لمواطنيها والمتحدّرين من أصولها، واللذَين استفاد منهما أكثر من 75 ألف تلميذ في عام 2012 بحسب تقرير نشره "المعهد الفرنسي للاندماج" في عام 2015، تأتي المساجد والمراكز الإسلامية التي تدير عدداً كبيراً من المساجد التي استقبلت في عام 2016 أكثر من 80 ألف تلميذ بحسب "معهد مونتين".
تجدر الإشارة إلى عدم توفّر أرقام دقيقة لعدد تلك المساجد، في حين أنّ وزارة الداخلية الفرنسية تحدّثت في عام 2012 عن ألفَين و449 مسجداً أو دار عبادة، 318 منها في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية. وهذه الأعداد تُعَدّ غير كافية قياساً بعدد المسلمين في فرنسا. يُذكر أنّ عميد مسجد باريس الكبير، دليل بوبكور، كان قد قدّر في تصريحات له في عام 2015، أنّ المسلمين في فرنسا يحتاجون إلى ضعفَي ما هو متوفّر. وهو الأمر الذي قال به وزير الدولة الفرنسي لشؤون الإصلاح الإداري والتبسيط، تييري ماندون، في العام نفسه، إذ صرّح بأنّه "لا يوجد في فرنسا ما يكفي من المساجد، وهذا أمر واضح. وثمّة مدن كثيرة تُمارَس فيها الديانة الإسلامية في ظروف غير لائقة".
لا يعني ذلك أنّ كل مسجد أو دار عبادة من شأنهما أن يقدّما خدمات خاصة بتدريس اللغة العربية، وإن كانت ثمّة مساجد صغرى تلجأ إلى ذلك ما بين الصلوات، خصوصاً يومَي السبت والأحد حين يكون التلاميذ في عطلتهم الأسبوعية. والتعليم في المساجد مستمر منذ عقود، ويأتي هنا تقرير كريم القروي من "معهد مونتين" الذي قدّمه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي يتضمّن توصية ببثّ الروح من جديد في تدريس اللغة العربية. وقد أثار ذلك السجال الذي زادته تصريحات وزيرة التربية الوطنية اشتعالاً، خصوصاً في أوساط اليمين واليمين المتطرّف في فرنسا. فقد جرى تأييد تعليم اللغة العربية بشكل اختياري، مثلما تدرَّس لغات أجنبية أخرى، منها الروسية والصينية.
ودقّ كريم القروي ناقوس الخطر، عندما تحدّث عن تراجع نسبة الذين يتعلمون اللغة العربية في المدارس الإعدادية والثانوية الفرنسية إلى النصف خلال عشرين عاماً، وفي الوقت نفسه تحدّث عن تزايد عدد من يتلقى التعليم في المساجد بعشرة أضعاف. وقد رأى في تخلّي الدولة تراجعاً أمام التطرّف و"الإسلاموية". يُذكر أنّ اليمين راح يتطرّق مع بعض قياداته، بطريقة لا تخلو من جهل لحقيقة الأمور، إلى "مخاطر تدريس اللغة العربية" المستمر منذ عقود في بعض المدارس الرسمية الفرنسية.
التقت "العربي الجديد" بعائلات عربية ومسلمة كثيرة، عبّرت بمعظمها عن أملها في انفتاح المدارس الفرنسية أكثر على اللغة العربية. أحمد الريفي على سبيل المثال، يرسل أبناءه منذ سنوات إلى مسجد المدينة، ويقول إنّه يفعل ذلك "حتى يتعلّموا العربية ويسهل تواصلهم مع بلدهم الأصلي. ولست معنياً بالتطرّف. لو كانت مدارس المدينة تقدّم دروساً في اللغة العربية لما ذهب الأولاد إلى المسجد". هو الموقف نفسه الذي تتبناه عائلة داود الراجي، فيقول إنّ "تعلّم لغة ما أفضل من جهلها. ولا أخفي أنّني أودّ لو يشتغل أبنائي بعد تخرّجهم في بلد عربي خليجي".
اقــرأ أيضاً
وتحرص عائلات عربية في فرنسا على تعليم أبنائها اللغة العربية لأغراض دينية. فيقول الحاج عيسى البقوحي: "أنا رجل أميّ وبالكاد أعرف بعض قصار السُوَر القرآنية. أريد أن يتعلّم ابني العربية ويحفظ بعض السُوَر القرآنية. هذا واجب دينيّ عليّ، فهل أنا متطرّف؟". أمّا الحاجة فطيمة العثماني، فتخبر أنّ ابنها يتابع دروس لغة عربية في المدرسة، "لكنّها دروس علمانية. وأنا أريده أن يعرف كيف يمارس ديانته. بالتالي، هذا ما دفعني إلى تسجيله في المسجد، حيث يتلقى دروسه كلّ يوم سبت".
ولا ينفي الباحث ومدرّس اللغة العربية في ثانويات فرنسية، قدور زويلاي، الحقيقة التي يتضمّنها كلام كريم القروي من "معهد مونتين"، لكنّه يحمّل "مختلف الحكومات الفرنسية مسؤولية الجمود الحالي". ويسأل: "لماذا لا تخرّج وزارة التربية الوطنية مدرّسين للغة العربية سنوياً حتى يتضاعف إقبال التلاميذ على هذه اللغة"؟ يضيف: "ولماذا لم تنجح السلطات في فرض تكوين خاص بمجموع الأئمة في فرنسا لتأمين ما يحدث في المساجد؟ باختصار، لن يحلّ الأمر سوى إسلام فرنسي خالص، أي إسلام جمهوري. وهذه أمنية بعيدة المنال في الوقت الراهن".
تعلّم اللغة العربية في فرنسا ليس أمراً سهلاً. ثمّة مدارس ومؤسسات تدرّس هذه اللغة، إلا أنّها تبقى خاصة في معظمها، ولا يتجاوز عدد المؤسسات التي أبرمت عقوداً مع وزارة التربية الوطنية الفرنسية أصابع اليدَين. لكنّ الطلب على تعلّم هذه اللغة كبير جدا، خصوصاً مع وجود ما بين خمسة ملايين وستة ملايين عربي ومسلم في فرنسا.
وتدريس اللغة العربية في فرنسا شهد تجارب مختلفة أشرفت عليها سفارات عربية في فرنسا بناءً على اتفاقات مع السلطات الفرنسية، من بينها سفارة المغرب. فقد وقّعت اتفاقاً في هذا السياق في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1983، طابعه اختياري ويأتي بالتنسيقٍ مع أهل التلاميذ المغاربة، على أن تسدد "مؤسسة الحسن الثاني" رواتب المدرّسين الذين تقدّر أعدادهم بـ300 مدرّس. من جهتها، تقوم الجزائر بعمل مشابه. بحسب بيانات 2013 - 2014، أتاحت السفارة الجزائرية لـ33 ألفاً و424 تلميذاً تلقّي دروس اللغة العربية على أيدي 365 مدرّساً جزائرياً، بمعدّل ثلاث ساعات أسبوعياً. السلطات التونسية حاضرة كذلك في مجال تدريس اللغة العربية في فرنسا، وقد وقّع آخر اتفاق بين وزيرة التربية الوطنية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم وبين نظيرها التونسي ناجي جلول في 31 مارس/ آذار من عام 2017. وينصّ الاتفاق على "إرسال مدرّسين تونسيين للتدريس في فرنسا"، و"تتكلف تونس باختيارهم ودفع مرتباتهم"، و"تكون مادة اللغة العربية اختيارية بالنسبة إلى التلاميذ في المدارس الابتدائية".
تؤكد إحصاءات وزارة التربية الوطنية أنّ عدد الذين تعلّموا اللغة العربية في عام 2017، لم يتجاوز أربعة آلاف و573 تلميذاً في المدارس الإعدادية وستة آلاف وتلميذا واحدا في المدارس الثانوية، أي أقلّ من اثنَين في الألف. وتُدرَج هذه اللغة بعد اللغتَين الصينية والروسية. أمّا في المدارس الابتدائية، فلم يتعدَّ عدد التلاميذ الذين يدرسون اللغة العربية 567 تلميذاً بحسب الإحصاءات ذاتها.
إلى جانب إشراف وزارة التربية الوطنية الفرنسية على تعليم اللغة العربية، وإلى جانب مثابرة السفارات العربية - لا سيّما المغاربية - على تعليم اللغة لمواطنيها والمتحدّرين من أصولها، واللذَين استفاد منهما أكثر من 75 ألف تلميذ في عام 2012 بحسب تقرير نشره "المعهد الفرنسي للاندماج" في عام 2015، تأتي المساجد والمراكز الإسلامية التي تدير عدداً كبيراً من المساجد التي استقبلت في عام 2016 أكثر من 80 ألف تلميذ بحسب "معهد مونتين".
تجدر الإشارة إلى عدم توفّر أرقام دقيقة لعدد تلك المساجد، في حين أنّ وزارة الداخلية الفرنسية تحدّثت في عام 2012 عن ألفَين و449 مسجداً أو دار عبادة، 318 منها في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية. وهذه الأعداد تُعَدّ غير كافية قياساً بعدد المسلمين في فرنسا. يُذكر أنّ عميد مسجد باريس الكبير، دليل بوبكور، كان قد قدّر في تصريحات له في عام 2015، أنّ المسلمين في فرنسا يحتاجون إلى ضعفَي ما هو متوفّر. وهو الأمر الذي قال به وزير الدولة الفرنسي لشؤون الإصلاح الإداري والتبسيط، تييري ماندون، في العام نفسه، إذ صرّح بأنّه "لا يوجد في فرنسا ما يكفي من المساجد، وهذا أمر واضح. وثمّة مدن كثيرة تُمارَس فيها الديانة الإسلامية في ظروف غير لائقة".
لا يعني ذلك أنّ كل مسجد أو دار عبادة من شأنهما أن يقدّما خدمات خاصة بتدريس اللغة العربية، وإن كانت ثمّة مساجد صغرى تلجأ إلى ذلك ما بين الصلوات، خصوصاً يومَي السبت والأحد حين يكون التلاميذ في عطلتهم الأسبوعية. والتعليم في المساجد مستمر منذ عقود، ويأتي هنا تقرير كريم القروي من "معهد مونتين" الذي قدّمه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي يتضمّن توصية ببثّ الروح من جديد في تدريس اللغة العربية. وقد أثار ذلك السجال الذي زادته تصريحات وزيرة التربية الوطنية اشتعالاً، خصوصاً في أوساط اليمين واليمين المتطرّف في فرنسا. فقد جرى تأييد تعليم اللغة العربية بشكل اختياري، مثلما تدرَّس لغات أجنبية أخرى، منها الروسية والصينية.
ودقّ كريم القروي ناقوس الخطر، عندما تحدّث عن تراجع نسبة الذين يتعلمون اللغة العربية في المدارس الإعدادية والثانوية الفرنسية إلى النصف خلال عشرين عاماً، وفي الوقت نفسه تحدّث عن تزايد عدد من يتلقى التعليم في المساجد بعشرة أضعاف. وقد رأى في تخلّي الدولة تراجعاً أمام التطرّف و"الإسلاموية". يُذكر أنّ اليمين راح يتطرّق مع بعض قياداته، بطريقة لا تخلو من جهل لحقيقة الأمور، إلى "مخاطر تدريس اللغة العربية" المستمر منذ عقود في بعض المدارس الرسمية الفرنسية.
التقت "العربي الجديد" بعائلات عربية ومسلمة كثيرة، عبّرت بمعظمها عن أملها في انفتاح المدارس الفرنسية أكثر على اللغة العربية. أحمد الريفي على سبيل المثال، يرسل أبناءه منذ سنوات إلى مسجد المدينة، ويقول إنّه يفعل ذلك "حتى يتعلّموا العربية ويسهل تواصلهم مع بلدهم الأصلي. ولست معنياً بالتطرّف. لو كانت مدارس المدينة تقدّم دروساً في اللغة العربية لما ذهب الأولاد إلى المسجد". هو الموقف نفسه الذي تتبناه عائلة داود الراجي، فيقول إنّ "تعلّم لغة ما أفضل من جهلها. ولا أخفي أنّني أودّ لو يشتغل أبنائي بعد تخرّجهم في بلد عربي خليجي".
وتحرص عائلات عربية في فرنسا على تعليم أبنائها اللغة العربية لأغراض دينية. فيقول الحاج عيسى البقوحي: "أنا رجل أميّ وبالكاد أعرف بعض قصار السُوَر القرآنية. أريد أن يتعلّم ابني العربية ويحفظ بعض السُوَر القرآنية. هذا واجب دينيّ عليّ، فهل أنا متطرّف؟". أمّا الحاجة فطيمة العثماني، فتخبر أنّ ابنها يتابع دروس لغة عربية في المدرسة، "لكنّها دروس علمانية. وأنا أريده أن يعرف كيف يمارس ديانته. بالتالي، هذا ما دفعني إلى تسجيله في المسجد، حيث يتلقى دروسه كلّ يوم سبت".
ولا ينفي الباحث ومدرّس اللغة العربية في ثانويات فرنسية، قدور زويلاي، الحقيقة التي يتضمّنها كلام كريم القروي من "معهد مونتين"، لكنّه يحمّل "مختلف الحكومات الفرنسية مسؤولية الجمود الحالي". ويسأل: "لماذا لا تخرّج وزارة التربية الوطنية مدرّسين للغة العربية سنوياً حتى يتضاعف إقبال التلاميذ على هذه اللغة"؟ يضيف: "ولماذا لم تنجح السلطات في فرض تكوين خاص بمجموع الأئمة في فرنسا لتأمين ما يحدث في المساجد؟ باختصار، لن يحلّ الأمر سوى إسلام فرنسي خالص، أي إسلام جمهوري. وهذه أمنية بعيدة المنال في الوقت الراهن".