المصريون يعلنون التقشّف في أواخر شعبان

25 مايو 2017
ينتظر الزبائن ولا يأتون (العربي الجديد)
+ الخط -
غلاء الأسعار الذي يضرب السوق المصري دفع بالأسر المصرية إلى إعلانها حالة تقشف قبيل حلول شهر رمضان، إذ قرّرت الاكتفاء بشراء الضروريات. فالزيادة المتلاحقة في الأسعار خلّفت أزمة اقتصادية ضربت كل بيت مصري، إذ لم يعد في مقدور أصحاب الدخل المحدود والمتوسط مواجهتها.

خلال الأيام الماضية، لم تشهد الأسواق التجارية الكبرى في القاهرة وفي محافظات أخرى الاكتظاظ المعهود قبيل شهر الصوم. فالمصريون بمعظمهم فضّلوا شراء حاجياتهم الأساسية فقط، بسبب غلاء المعيشة والصعوبات المادية التي أثرت بصورة كبيرة على إنفاقهم. يُذكر أنّ مؤشّر الاستهلاك العائلي تراجع بنحو 50 في المائة خلال شهر شعبان وفق البيانات الحكومية بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. وقد اتخذت عائلات كثيرة القرار بخفض استهلاكها للحوم والدواجن إلى أقل من 30 في المائة وبالامتناع عن شراء العصائر بأنواعها، بالإضافة إلى رفض العزائم التي يشتهر بها هذا الشهر والاكتفاء بما هو قليل لسدّ حاجة إفطار المغرب والسحور فقط.

في سياق متصل، كانت مصادر "العربي الجديد" قد أشارت إلى عزم الحكومة المصرية خفض الدعم على البنزين والمحروقات في الموازنة الجديدة، الأمر الذي يعني ارتفاع أسعار كل شيء، أي المواد الغذائية واللحوم والأسماك وكذلك تذاكر السفر وبدلات التنقل. وهي قرارات بدأ تنفيذ بعضها بالفعل، خلال الأيام الماضية. ومن شأن ذلك أن يزيد من معاناة المصريين الذين عجز كثيرون منهم عن شراء مستلزمات رمضان بما يكفي، لا سيّما مع ارتفاع أسعار السلع الرمضانية، ومنها الياميش والبلح وقمر الدين والمكسرات. فهذه كلها سلع مستوردة وقد شهدت ارتفاعاً غير مسبوق هذا العام تأثراً بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري، إلى جانب الأوضاع السياسية والأمنية التي تشهدها سورية، إذ يستورد المصريون معظم السلع الغذائية الرمضانية منها.


وكشفت إحصاءات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنّ "27.8 في المائة من سكان مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء. كذلك فإنّ 57 في المائة من سكان ريف الوجه القبلي فقراء في مقابل 19.7 في المائة من ريف الوجه البحري، و10.8 في المائة من السكان أي ما يصل إلى أكثر من 11.8 مليون مواطن هم في أدنى فئة إنفاق في مصر".

التقت "العربي الجديد" عدداً من المواطنين المصريين للوقوف عند آرائهم الخاصة بإعلان التقشّف خلال شهر رمضان. يقول رمضان أبو بكر وهو موظف، إنّ "كل ما حولنا من ظروف يدعونا إلى الإعلان عن حالة التقشف. في الماضي، كنّا نتحضّر لاستقبال رمضان بالفرح إذ هو شهر خير. لكنّ الدولة حوّلته إلى كآبة بسبب الظروف المالية التي تعاني منها الأسر كلها حالياً". يضيف أنّ "عائلات عدّة لجأت إلى الاستدانة لتغطية جزء من العجز وتأمين النفقات الضرورية". أمّا هالة محمود وهي ربّة منزل، فتوضح أنّها سوف تمتنع عن إقامة "العزومات"، وذلك "للهروب من تحمّل تكاليف إضافية". وتشير إلى أنّها كانت تشتري مستلزمات رمضان في شعبان، "لكنّ الظروف الاقتصادية حالت دون ذلك".

من جهتها، تقول سحر عبد العاطي وهي موظفة، إنّها لجأت إلى تخفيض ميزانيتها الخاصة بالطعام والشراب خلال رمضان بسبب تزايد أسعارها "وقد تخليت عن كل ما يتعلق بالرفاهية، خصوصاً أنّ أحد أبنائي في مرحلة الثانوية العامة". إلى هؤلاء يلفت عدلي السيد وهو يشتغل في الأعمال الحرة، إلى "غياب تام في الرقابة على الأسواق، الأمر الذي أدى إلى تلاعب في الأسعار. فجشع عدد كبير من التجار يتزايد بصورة كبيرة خلال رمضان".

في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية الدكتورة عزة كريم إنّ "ارتفاع أسعار السلع الغذائية في مصر تضاعف وبصورة كبيرة، في ظل غياب تام لجهاز حماية المستهلك. وهو ما دفع المواطنين إلى الإعلان عن حالة تقشف خلال شهر رمضان في ظل ثبات الأجور وغلاء الأسعار". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "أسعار الغاز والكهرباء والمياه والمواصلات ارتفعت بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، في حين أنّ الحكومة لم تعلن أيّ إجراءات لتخفيف العبء عن الفئات محدودة الدخل". وتشير كريم إلى أنّ "الأسر المصرية تعيش حالة من الريجيم (الحمية) بعد ارتفاع الأسعار الذي طاول كلّ شيء"، مشددة على "ضرورة إيجاد حلول سريعة لمواجهة الغلاء، إلى جانب وضع رقابة على الأسعار في السوق من قبل جمعيات حماية المستهلك ومنع احتكارها".

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده إنّ "الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد حالياً أثّرت سلباً على الأسرة المصرية"، مشيراً إلى أنّ "الأمر يزداد في رمضان بسبب زيادة الاستهلاك. وهو ما دفع ربات البيوت إلى تخفيض ميزانيتها الخاصة بالطعام والشراب لصالح احتياجات أسرتها الأخرى، وعلى سبيل المثال مصاريف التعليم التي تتزايد يوماً بعد يوم". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "غول الأسعار وعدم فرض رقابة على السوق مشكلة كبرى. وهذا ما يدفع البعض اليوم إلى شراء ما يُستخدم للطعام بصورة يومية، بدلاً من شرائها شهرياً".