ثورة لبنان نسوية بامتياز

12 نوفمبر 2019
ثورة متعددة المطالب (حسين بيضون)
+ الخط -
أخرجت الثورة الحاصلة في لبنان، كثيراً من المفاهيم من القطبية الثنائية "نساء – رجال"، و"عام – خاص"، و"أنا – الآخر"، و"فقير – غني" وأعادت تعريفها بشكل مرن وعفوي. الثورة الشعبية في لبنان ثورة نسوية بامتياز.

الثورة نسوية لأنّها أفقية. الثورة ليست في حاجة إلى رأس. وهو أمر عبّر/ت عنه الثوار والثائرات في أكثر من مكان، ولعلّ آخرها مبادرة المرايا التي انتشرت في بيروت مكتوباً عليها "أنا قائد/ة الثورة". الكلّ قائد/ة الثورة، في انعكاسه بالمرآة. أصر/ت الثوار والثائرات بشكل قاطع على رفض تمثيلهم/هن... عفوية الثورة وحدها كفيلة بإدارة نفسها.

الثورة نسوية لأنّها ليست مركزية. ثارت المدن والأرياف والقرى، ولم تتركز تحركات الثورة في عصب العاصمة. باتت كلّ القرى في لبنان عواصم مركزية للثورة. الثورة نسوية لأنّها تقاطعية. لا يسع القلب ولا العقل تصوير تقاطعية مطالب الثورة. بالأحرى، هي ليست مطالب بل حقوق كما عبّر أحد الثوار. حقوق تقع عند تقاطعات الجندر والطبقة والعمر والوضع الاجتماعي والاقتصادي، وكلّها حاضرة بقوة في الشارع.

الثورة نسوية لأنّها شاملة ودامجة. ليس هناك لون واحد للثورة في لبنان. ألوانها تتعدد بتعدد أفرادها وطرق تعبيرهم/هن بالفن، والرقص، وقرع الطناجر، والراب والغرافيتي، وقطع الطرقات، والحرق وإعادة التدوير وحتى الشتم.

الثورة نسوية لأنّها تحليلية. السياسة، والمال والشأن العام. هذه المنصات التي لطالما ارتبطت بالرجال في لبنان لم تعد كذلك. الفعل السياسي في الثورة بات للجميع. خرج من القطبية الثنائية وبات عاماً وأكثر مرونة. الثورة على رأس المال في لبنان عبر التوجّه للعصب المصرفي هو أساس للتصدي للذكورية والأبوية. استرداد الشارع والشأن العام عبر إعادة فرض السيطرة وقلب موازين القوى هو أيضاً تكسير آخر ما تبقى من هذه الصورة الذكورية – الأبوية. المسألة من الآن فصاعداً مسألة وقت. الثورة في لبنان تعيد كتابة تاريخ نسوي بامتياز.

الثورة نسوية لأنّها تعاضدية. لم يشهد لبنان منذ ثلاثين عاماً ربما هذا المستوى من التعاضد العابر للطوائف والمناطق. التعاضد الفردي والجمعي والمناطقي هو أكبر من قدرتي على استيعاب أن أشهد على المصالحة الشعبية بهذا الشكل وبهذا الدفق والدفء والجمال.

الثورة في لبنان نسوية، ليس لأنّ النساء عصب أساسي فيها وحسب، بل لأنّ تشكيل مطالبها وأولوياتها نسوي ولكلّ ما سبق ذكره وأكثر.




في مقابل نسوية الثورة، ماذا يمكن أن يستخدم السياسيون الذكوريون لمحاولة خرقها سوى الاقتصاد والسياسة؟ هذا هو ربما الشيء الوحيد الذي يفقهون فيه. الثورة مرتهنة سياسياً لأجندات خارجية، أو هي ممولة من سفارات. هذه هي اللغة التي يفقه بها الذكوريون والأبويون. كم هو ضيق منظوركم السياسي يا سادة! اصمتوا قليلاً وشاهدوا الشارع لعلّكم تفقهون.

*ناشطة نسوية
المساهمون