يلعب الطفل السوري محمد (11 عاماً) مع إخوته الثلاثة فوق ركام منزلهم بمدينة أريحا في ريف إدلب، وقد ملأ الغبار ثيابهم، يحاولون إزالة الحجارة وإخراج بعض الأغراض، فهنا كانت غرفتهم، وقد تركوا بها دفاترهم وأقلامهم وألعابهم.
وعلى مقربة منهم تجلس والدتهم، بعد أن أوقدت النار تحت قِدر للطبخ، وغسلت بعض الأطباق لتُعدّ لهم ما يسدون به رمقهم، في ظل ظروف إنسانية صعبة.
تقول الأمّ لـ"العربي الجديد": "عدنا إلى أريحا رغم كل شيء، ولم يبقَ لدينا من المنزل الذي كنا نملكه سوى غرفة واحدة، فقد دمّر القصف غالبيته، ولكنني أشعر بحال أفضل من الخيمة التي كنا نسكنها في شمال إدلب".
عائلة أمّ محمد ليست الوحيدة التي عادت إلى أريحا، فقد وصل أبو عبد الله عاصي، إلى مدينته قبل عدة أيام، مصطحباً معه بعض أغراضه، يقول لـ"العربي الجديد": "بقدر ما أشعر به من سعادة بعودتي إلى منزلي بعدما توقعت أنني لن أراه مجدداً، أشعر بالقلق من تجدد عمليات النظام، وبالتالي العودة إلى النزوح وخسارة أرضنا وبيتنا".
من جهته، يقول الناشط الإعلامي محمد الأشقر، لـ"العربي الجديد": "في الآونة الأخيرة، عادت إلى المدينة عائلات هرباً من الفقر وإيجارات المنازل المرتفعة في الشمال، وحالياً تعاني من عدم وجود كهرباء. فبعد الحملة الأخيرة نُقلَت جميع مولدات الكهرباء إلى مناطق أخرى، وكذلك شبكة المياه متوقفة، ويجري الاعتماد على صهاريج نقل الماء، حيث يباع برميل المياه الواحد بما بين 350 و400 ليرة".
وأضاف: "الوضع الصحي سيئ جداً، فالمستشفى خارج الخدمة بسبب القصف الأخير، وحالياً لا توجد أي نقطة طبية، وتقتصر الخدمات الطبية على أربع متطوعين يقدمون استشارات طبية، دون أن تتوافر لديهم أي معدات أو تجهيزات أو أدوية".
ولفت إلى أن "الأهالي يعتمدون على بعض المحالّ التجارية التي فتحت من جديد لتأمين المواد الغذائية، فيما يُحصَل على الخبز من الفرن، وسعر الربطة الواحدة نحو 400 ليرة".
ولا يشعر الأهالي بالاستقرار، وهم قلقون يترقبون الأخبار خوفاً من عودة العمليات العسكرية، بحسب إعلامي الدفاع المدني في قطاع أريحا حسن الأحمد، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "الناس لم يعيدوا كامل أغراضهم، بل تركوها في المنزل أو الخيمة التي كانوا نازحين إليها".
ولفت إلى أن "هناك دماراً كبيراً في المدينة، ومساعي لإزالته، خاصة أن الناس يسكنون في بيوت شبه مدمرة، إلا أنها تبقى أفضل من المخيمات".
بدوره، قال رئيس المجلس المحلي في أريحا عمر صلوح، لـ"العربي الجديد"، إن "الحياة تعود تدريجاً إلى أريحا، وقد بلغ عدد العائلات التي وصلت إلى المدينة اليوم أكثر من 3700 عائلة"، وبيّن أن "المنازل في المدينة موزعة ما بين تلك التي لم تتأذّ بالقصف، والمدمرة جزئياً، ونسبتها 25 في المائة، في حين أن 15 في المائة مدمرة بشكل تام، وأصحابها غالباً لم يعودوا بعد إلى المدينة".
ولفت إلى أنه "لا وجود لأي مساعدات إنسانية تصل إلى الأهالي في المدينة، ونحن نناشد المنظمات الإنسانية اليوم التحرك، وخاصة مع قدوم شهر رمضان، علماً أن غالبية العائدين أهلكهم الفقر والضغوط المعيشية".
وذكر أن "المجلس المحلي يعمل على بعض الخدمات، مثل ترحيل القمامة، كذلك أُعيد تشغيل فرن للخبز، وفي القطاع الصحي هناك عيادات خجولة لا تؤمن احتياجات الأهالي، فيما تقع أقرب مستشفى في مدينة إدلب، في ظل عدم توافر وسائل نقل عام، وتبلغ أجرة الطلب الخاص 6 آلاف ليرة، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة إلى الأهالي، وفي بعض الأحيان يُسعف الدفاع المدني بعض الحالات".
يشار إلى أن مدينة أريحا واحدة من عشرات المدن والبلدات في ريفي إدلب وحلب، التي نزح منها سكانها هرباً من العمليات العسكرية، التي شنّها النظام السوري والروس، فيما أوضحت آخر تقارير فريق "منسقو الاستجابة في سورية" أن عدد العائدين من النازحين حتى اليوم الخميس بلغ أكثر من 119 ألف نسمة موزعين على أرياف إدلب وحلب، وهم من أصل أكثر من مليون نازح غادروا هذه المناطق.