صغيرات يتزوّجن في غزّة

10 اغسطس 2016
بدأت مراسم العرس (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -
كثيراً ما راودها حلم ارتداء الفستان الأبيض. تحقّق حلمها في أسرع ممّا كانت تظنّ، وآلمها شراء فستانها من محلّ لبيع ملابس الأطفال. حين تزوّجت، لم تكن قد تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها، الأمر الذي ترك في داخلها جرحاً عميقاً لم يختفِ على الرغم من مرور ستّ سنوات على زواجها وإنجابها ثلاثة أطفال.

سميّة محمود (21 عاماً) تزوّجت، حالها حال كثيرات في القطاع، بطريقة تقليدية. وافق والدها على ارتباطها بأوّل عريس دقّ بابها. كان يرى أنّ مكانها هو في بيت زوجها، ولم يكن مستعداً لتحمّل مسؤوليّتها لسنوات أخرى. كان نصيب هذه الطفلة أن تكبر قبل أوانها وتصبح ربّة منزل ومسؤولة عن تربية ثلاثة أطفال. تقول لـ "العربي الجديد": "حين أخبرتني أمي بموافقة والدي على زواجي، لم أخف استنكاري ورفضي الأمر. بدت متفهّمة لموقفي من دون أن تكون قادرة على فعل أي شيء. تزوّجت وصرت مسؤولة عن أسرة في عمر صغير".

تسكن سميّة في غرفة في بيت عائلة زوجها في حيّ التفاح شرق مدينة غزة. هذه العائلة تتكوّن من 18 شخصاً، فيما لا تتجاوز مساحة البيت 160 متراً مربعاً. تتولى المرأة الشابة مسؤولية تربية أطفالها بالإضافة إلى مساعدة حماتها في أعمال المنزل. تقول: "في بداية زواجنا، لم أكن أعرف ما يجب فعله. دائماً ما كنت أُوبَّخ وأُضرَب من قبل زوجي وحماتي في حال أتيت بعمل خاطئ، وزادت معاناتي بعد إنجاب طفلي الأول. لم أكن أعرف كيفيّة التعامل مع الأطفال". كانت تقول لنفسها دائماً إنّها لم تعش طفولتها، "فكيف أجعل أطفالي يعيشونها؟".

في قطاع غزة، تكثر نسبة الزواج المبكّر لأسباب عدّة، منها الفقر وعدم إدراك مخاطر هذا الزواج على الأسرة والمجتمع ككلّ. يضاف إلى ما سبق ضعف الاهتمام الرسمي بأهالي القطاع، وتمسّك البعض بالعادات القبلية القديمة.

الآراء كثيرة ومختلفة حول الزواج المبكّر. يرى البعض أنّه أمر عادي، فيما يعدّه آخرون مشكلة لها تأثيراتها على المجتمع. وتعمل المؤسسات النسويّة في قطاع غزة على توعية المجتمع حول مخاطر هذا الزواج، مع التركيز على حقّ الفتيات في عيش طفولتهنّ ومتابعة تعليمهنّ. لكنّ العادات في القطاع ترى أنّ المكان الحقيقي للفتاة هو بيت زوجها، بغضّ النظر عن عمرها.



في هذا السياق، تقول ياسمين القاضي، (32 عاماً)، التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة في غزة، إنّ "للفتاة مكانتها الخاصة في المجتمع". وتضيف أنّها "إنسانة لها كينونتها وأفكارها، وهي شريكة للرجل في كل مناحي الحياة. بالتالي، يجب أن يكون لها القرار في اختيار مستقبلها وحياتها، وإكمال تعليمها الجامعي، والعمل، وعيش طفولتها كما يجب". وتتابع أنّه "على الرغم من صعوبة الأوضاع في القطاع ولجوء الآباء إلى تزويج بناتهم مبكراً، لعدم قدرتهم على تحمل مصاريفهنّ، إلا أنّه من الخطأ تزويجهنّ وهنّ بعد أطفال. لا أفهم كيف يمكن لطفلة تحمل مسؤولية بيت وأسرة وزوج". وتلفت إلى أنّ نسبة الفتيات المتعلّمات أصبحت كبيرة، مما يعني أنّ الوعي يزداد حول خطورة الزواج المبكّر.

وتؤكّد القاضي على "ضرورة أن يعمل المجتمع على الحدّ من انتشار هذه الظاهرة، وسط الأخطار التي قد تؤثّر على نسيج المجتمع. وفي ظلّ غياب القوانين المتعلقة بتكوين الأسرة في قطاع غزة وسلطة الأهل وتحكّمهم بمصير أولادهم، تصبح هذه القضية عادية".

من جهته، يقول محمود البشتلي (60 عاماً) إنّ "الزواج المبكّر مفيد للفتاة حتى تعتاد منذ الصغر على تحمل المسؤولية". ويضيف أنّ "الفتاة ليست قادرة على مواجهة الحياة لوحدها، ولا يستطيع الآباء توفير كلّ ما تحتاجه بناتهم في ظلّ الوضع الاقتصادي السيئ. بالتالي، يعدّ وجودها في بيت زوجها أمراً جيداً يساعدها على مواصلة الحياة وتحملها. ولا مشكلة في إنجاب عدد كبير من الأطفال، فهذه ثروتنا في الحياة".

وتفيد دراسة أجراها مركز شؤون المرأة في غزة حملت عنوان "التزويج المبكّر.. الآثار والأسباب"، بأنّ "آثار الزواج المبكّر وخيمة على الصعد النفسية والاجتماعية والتعليمية، إذ إنّ الفتيات يحرمن من عيش مرحلة مهمة جداً من حياتهنّ، التي تتشكّل فيها شخصيّتهنّ، عدا عن التغيّرات الجسديّة والنفسيّة". وتشير الدراسة إلى "ضرورة الاهتمام بالفتيات بدلاً من تزويجهنّ وتحميلهنّ مسؤوليات لا تتناسب وأعمارهنّ، بالإضافة إلى تأثير الإنجاب المبكّر على أجسادهنّ". وتوصي الدراسة بضرورة سنّ قوانين تعاقب الأهل الذين يزوّجون بناتهنّ وهنّ صغيرات، وتحديد سنّ الزواج للفتاة بأكثر من 18 عاماً.

المساهمون