هكذا يتهيأ السودانيون للأضحى

09 اغسطس 2019
أمر لا بدّ منه قبل العيد (إبراهيم حميد/ الأناضول)
+ الخط -

بعد غد الأحد، يحتفل السودانيون، كما سواهم من الشعوب الإسلامية، بعيد الأضحى، وهو العيد الثاني الذي يحلّ عليهم بعد نجاحهم في ثورتهم وتخلّصهم من معاناتهم مع ما يعدّونه أسوأ الأنظمة التي عرفها السودان، نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الذي أطيح به في إبريل/نيسان الماضي، بعد 30 عاماً من الحكم.

كُثر هم السودانيون الذين يتوقّعون أنّ عيد الأضحى سوف يحلّ بفرح، بخلاف عيد الفطر الماضي الذي سيطر الحزن في خلاله على البلاد، عقب استشهاد أكثر من 100 شخص في عملية عسكرية نُفّذت قبل يوم واحد من العيد وهدفت إلى فضّ الاعتصام الشعبي القائم في محيط قيادة الجيش السوداني. يُذكر أنّ أشخاصاً آخرين سقطوا في الأيام التالية، أي في أيام العيد.

وما يدفع أهل السودان هذه المرة إلى الأمل بفرحة مقبلة، هو اقتراب موعد توقيع الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي يقضي بتأليف حكومة مدنية دفعوا ثمنها غالياً، علماً أنّها سوف تكون الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود. يُذكر أنّ ذلك الموعد المنتظر هو غداً السبت.

والسودانيون ينتظرون عادة هذا العيد الذي يُعَدّ "الأكبر" للاحتفال بالطريقة التي تليق به، وسط الأهل. فتبدو العاصمة الخرطوم شبه خالية من الحياة، إذ إنّ أكثر من نصف سكانها يغادرونها متوجّهين إلى الولايات لقضاء عطلة العيد في مدنهم وقراهم الأصلية، حيث الأسر الكبيرة الممتدة. أمّا المواطنون في بلدان الغربة، فيعودون إلى البلاد لقضاء إجازاتهم السنوية بالتزامن مع "العيد الكبير".




بعد نجاح الثورة الشعبية، كانت آمال كبيرة لدى السودانيين برخاء اقتصادي، غير أنّهم أخيراً صُدموا بتكاليف الأضحية، لا سيّما ذوي الدخل المحدود. نور الدين آدم من هؤلاء، هو الذي يعمل في محل صغير لبيع الأدوات المكتبية في منطقة سوبا بالخرطوم. يخبر آدم أنّه قصد "سوقاً مخصصاً لبيع المواشي في منطقة الأزهري، جنوبي الخرطوم، ومعي نحو أربعة آلاف جنيه سوداني (أقلّ من 100 دولار أميركي)، لشراء أضحية. لكنّني فوجئت عندما وجدت أنّ ثمن الواحدة منها لا يقلّ عن سبعة آلاف جنيه (نحو 160 دولاراً)". يضيف آدم لـ"العربي الجديد": "لكنّني اضطرت إلى شراء أيّ خروف بالمبلغ الذي أحمله، حتى لو لم تكتمل في ذلك الشروط المعروفة للسنّة، علماً أنّ الأضحية بموجب السنّة لا تُفرض إلا في حالة التمكّن من ذلك. وبالتالي لم أجارِ بعض الذين ينظرون إلى تلك السنّة كمظهر اجتماعي مفروض على ربّ الأسرة وإن لم يكن قادراً على ذلك".

من جهته، قصد يحيى محمد أحمد سوق الأضاحي حاملاً معه ثمانية آلاف جنيه (نحو 180 دولاراً) لشراء خروف يكفي أسرته ويتصدّق منه لمن هم في عوز. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "لم أجد الخروف المطلوب بحسب ما أحمل من مال، فالتجّار كانوا يحدّدون أثماناً خيالية قد تصل إلى 13 ألف جنيه (نحو 290 دولاراً) وهو مبلغ لا يستطيع ذوو الدخل المحدود تحمّله بالتأكيد، لا سيّما أنّ رواتبهم لا تزيد عن ألف جنيه (نحو 20 دولاراً)". يضيف أحمد: "شأني شأن غيري من الناس، توجّهت إلى سوق الماشية كعادة اجتماعية يفرضها ضغط الأسر قبيل عيد الأضحى عادة"، لكنّه يستدرك قائلاً "ثمّة رغبة أكيدة في تطبيق السنّة".

في سياق متصل، يشير فتح الرحمن محمد، وهو تاجر للمواشي، لـ"العربي الجديد"، إلى "ضعف في حركة البيع، وإن تصاعدت مع اقتراب العيد". ويؤكد محمد أنّ "السودانيين، على الرغم من شكواهم من ارتفاع أسعار الخراف، فإنّهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى شرائها لاعتبارات عدّة، منها الديني ومنها الاجتماعي". يُذكر أنّ في السودان أنواعاً مختلفة من الخراف منها "الكباشي" و"الحمري" و"البلدي".



بالنسبة إلى الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، فإنّ "التعاطي مع الأضحية ومع العيد ككلّ يختلف في السودان بين أسرة وأخرى وبين فرد وآخر"، موضحة لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة من يعدّ المناسبة فرصة لاجتماع الأسرة والأصدقاء، وثمّة من يراها فرصة للاستمتاع بتناول اللحوم، فيما هي بالنسبة إلى آخرين مساحة للتلاقي والتكافل والتسامح". تضيف إبراهيم أنّ "العيد في حقيقته هو حاصل جمع كلّ تلك الأمور، فتكون أيامه مناسبة للتكافل والتسامح وصلة الأرحام والاستمتاع بأنواع اللحوم، مع الابتعاد قدر المستطاع عن التباهي والتفاخر". وتشيد بـ"المبادرات الشبابية التي برزت في خلال الأيام الماضية، وأبرزها البرامج الخاصة التي وضعها الشباب بروح الثورة السودانية الملهمة لمساعدة المحتاجين".