47 شرطياً فرنسياً أقدموا على الانتحار منذ مطلع العام الجاري، كانت آخرهم شرطية في السادسة والعشرين من عمرها انتحرت يوم الخميس الماضي بسلاح الخدمة داخل سيارتها في مقر إقامتها، في مقاطعة سين سانت دينيس، شمال العاصمة باريس. الأسباب كثيرة، بحسب الخبراء، ولكن معالجة الحكومة الفرنسية لها تسير ببطء.
وفتحت المفتشية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية التحقيق، لتسليط الضوء على أسباب الوفاة، لكن ارتفاع عدد المنتحرين داخل سلك الشرطة أعاد تحريك الموضوع سياسياً وإعلامياً وحتى داخل أجهزة الشرطة، لإعادة التركيز على معالجة الأسباب التي تدفع رجال الشرطة إلى الانتحار في فرنسا.
الانتحار بالأرقام
تشير تقارير وزارة الداخلية الفرنسية إلى ارتفاع معدلات الانتحار في صفوف الشرطة، إذ يبلغ المعدل انتحار شرطي كل 5 أيام في أنحاء فرنسا، لافتة إلى أن انتحار الشرطية يوم الخميس يرفع العدد إلى 47 شرطياً منتحراً منذ بداية عام 2019.
وبيّنت أرقام الوزارة أن 68 رجل أمن (35 شرطيا و33 من رجال الدرك) أقدموا على الانتحار خلال عام 2018.
وأشار تقرير نشره موقع the local إلى أن السجل القاتم كان عام 1996، إذ شهد انتحار 70 رجل شرطة، في حين انتحر 54 عنصراً عام 2000، و50 شرطياً في عام 2005، و49 شرطياً في عام 2008، و55 شرطياً في عام 2014.
وأدرجت وكالة "أسوشييتد برس"، في تقرير سابق الأسبوع الماضي، ما يشبه المقارنة بين عدد الشرطيين المنتحرين في فرنسا وغيرها من الدول. ولفتت إلى أن في الولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها خمسة أضعاف عدد سكان فرنسا، سجلت انتحار 167 رجل شرطة في 2018 و111 شرطياً منذ مطلع 2019 حتى يوم 18 أغسطس الجاري، وفقًا لمنظمة Blue H.E.P ومقرها ولاية ماساتشوستس المكرسة لمنع الانتحار داخل سلك الشرطة.
وأضافت الوكالة أن إيطاليا التي يقل عدد سكانها بقليل عن فرنسا، انتحر فيها 31 رجل شرطة منذ مطلع هذا العام، وفقًا لمجموعة دعم الشرطة Cerchioblu. في حين سجل مكتب الإحصاء الوطني البريطاني بين 21 إلى 23 حالة انتحار للشرطة بين عامي 2015 و2017.
— Police nationale 76 (@PoliceNat76) August 22, 2019 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
هل من تدابير حماية جدية؟
أصدر اتحاد نقابات الشرطة الفرنسية بياناً صحافياً يوم 22 أغسطس/آب الجاري، أكد فيه عدم فعالية التدابير الحكومية الحالية بتحسين ظروف الشرطة، معرباً عن اعتقاده أنه من الضروري "وضع خطة طوارئ على وجه السرعة"، خطة "حقيقية" لمكافحة الانتحار.
وسبق لوزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، أن أطلق في إبريل/نيسان الماضي "خلية إنذار للوقاية من الانتحار" (CAPS)، في الدائرة 12 من باريس، بقيادة المفتش العام للإدارة ونائب مدير الوقاية والتدريب والدعم، نويمي أنجيل، وبدعم من الطبيب النفسي جان لوي تيرا وضابط شرطة. وفي وقت مبكر من يونيو/حزيران الماضي، تم أيضًا إنشاء خط اتصال على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع خاص بعناصر الشرطة.
كما نقلت وسائل الإعلام عن الشرطي النقابي دومينيك لو دورنور، قوله بعد انتحار الشرطية يوم الخميس، "من الواضح أن الوضع لم يعد مقبولاً. القوات تتحمل فوق طاقتها. نحن نطالب الدولة بحلول في أسرع وقت ممكن، لأن هناك حاجة إلى الكثير من التغييرات".
— ✨Nickey Ratcliffe✨ (@NickeyRatcliffe) April 20, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ما هي الأسباب؟
أظهر تقرير صدر في عام 2018 أن قوات الشرطة في فرنسا تواجه ظروف عمل رهيبة، بما في ذلك ساعات العمل الشاقة، خصوصاً مع تزايد الضغوط عليها أكثر من أي وقت مضى، بسبب الهجمات الإرهابية وأزمة المهاجرين، وحراك السترات الصفراء، نشره موقعthe local.
وأشار التقرير إلى أن عناصر الشرطة يعملون وفق جداول زمنية غير منتظمة، ويحصل الواحد منهم على عطلة نهاية أسبوع واحدة فقط من أصل خمسة، ما يعني أن هناك نقصا كبيرا في أعداد الشرطة التي تحتاجهم البلاد، ويصل معدل النقص إلى 33 في المائة، هذا النقص الذي يحرم الشرطي من أخذ استراحة أسبوعية من عمله.
— David Vance (@DVATW) August 18, 2019 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
يضاف إلى الأسباب السابقة عامل قِدم معدات الشرطة، إذ يوجد 3400 سيارة من سيارات الشرطة الفرنسية في الخدمة منذ أكثر من عشر سنوات، ما يعني أنها لم تعد تؤدي الوظائف الأساسية، مثل صفارات الإنذار، الأمر الذي يعرّض سلامة التدخلات للخطر، بحسب التقرير.
وتابع أن العديد من مراكز الشرطة متداعية وغير آمنة للعمل فيها، ومع تزايد المطالب الإدارية فإنها تضطر إلى التعامل مع أجهزة الكمبيوتر القديمة. كما يجب توفير خزائن فردية لعناصر الشرطة، حيث يمكنهم ترك سلاحهم بعد العمل، ما يمنع استخدام أسلحتهم في عمليات الانتحار في منازلهم.
وفي نهاية عام 2018، تزايد الضغط على قوات الشرطة عندما بدأت أزمة "السترات الصفراء"، مع عجز السلطات الفرنسية عن منع الخسائر في الأرواح بين صفوف الشرطة.
وذكرت الأخصائية النفسية المسؤولة عن خدمة دعم الشرطة، كاترين بينسون، أن من 10 إلى 15 عاملاً يمكن أن يغذوا الأزمة الحادة في قطاع الشرطة الفرنسي، وتؤدي بالعناصر إلى الانتحار، منها الصدمة النفسية، ومواجهة العنف، وذلك في إحدى جلسات مجلس الشيوخ العام الماضي.
في حين أخبرت الأخصائية النفسية أميلي بواو، أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، أن "اليقظة المفرطة" للشرطة في مواجهة الهجمات الإرهابية المحتملة هي عامل ضغط واضح يبقي الشرطي في "فقاعة" حتى في المنزل وخلال إجازته.
ولفتت "أسوشييتد برس" إلى تراجع موقع الشرطة لدى المواطنين واهتزاز صورتهم، إذ أن الإشادة بهم واعتبارهم أبطالاً مع تكرار الهجمات الإرهابية من عام 2015، انهار بمرور الوقت، حين قاومت الشرطة الاحتجاجات ومظاهرات السترات الصفراء المناهضة للحكومة بأساليب عنيفة وقاسية ألحقت الأذى بالمتظاهرين وسببت لأعداد منهم إصابات أدت إلى التشويه وبتر الأعضاء. حتى أن بعض المظاهرات رددت هتافات في وجه الشرطة وتخاطبهم بالقول: اقتلوا أنفسكم! اقتلوا أنفسكم!