يردّ كثير من أبناء المغرب مشاكلهم المختلفة إلى عين الحسد التي لا تريد لهم أيّ نصيب من الصحة والثروة والنجاح
يعتقد كثير من المغاربة بتأثير عين الحسد في حياتهم سواء في الحاضر أو في المستقبل، ويتعزز هذا الاعتقاد في الفئات الاجتماعية الفقيرة، أو التي لم تحظ بمستويات تعليمية ومعرفية كبيرة. العين بالنسبة إليهم ليست فقط ظاهرة اجتماعية حاضرة بقوة في السلوكيات والممارسات اليومية، لكنّها أيضاً معتقد ديني يحذر من خطورتها على صحة واستقرار الإنسان، وقد تفضي به إلى الموت.
كثير من القصص في المغرب حول العين تُظهر مدى تجذر هذا الإيمان الشعبي، وتأثر البعض إلى حدّ اتخاذ احتياطات شديدة من الوقوع في براثن عين شريرة. تحكي الثلاثينية بديعة لـ"العربي الجديد" كيف تعيش على أعصابها كلّ يوم بسبب نظرات جاراتها في المبنى السكني الذي تقطن فيه. تقول إنّهن مغتاظات من عملها موظفةً، ويحسدنها على وضعها الاجتماعي. تضيف بديعة أنّها تشعر بالتأثيرات السيئة التي تحملها نظرات جاراتها، ما جعلها تخضع نفسها لحصص الرقية الشرعية بشكل يومي، وإطلاق العنان لتسجيلات القرآن خصوصاً سورة البقرة في أجواء منزلها. توضح أنّها كلما مرت أمام جاراتها اللواتي لا يبادلنها التحية إلاّ مجاملة، أو عند الضرورة، شعرت بسوء داخلي يعتريها: "عيونهن تخترق حصانتي فيتعكر مزاجي أو أصاب بحالة عصبية طوال اليوم".
عامل بناء يروي قصة حدثت معه يؤكد أنّها بسب العين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه كان يعمل ذات يوم بنشاط وحيوية وخفة في بناء منزل، فوصله صوت سيدة تقول لرفيقتها: "انظري إلى ذلك البنّاء كيف يقفز بخفة مثل النمر". يضيف العامل أنّ تلك الجملة كانت آخر ما سمعته أذناه قبل أن يقع أرضاً مغشياً عليه من دون أن يعرف سبب سقوطه حتى اليوم، فهل كان السبب انزلاق رجله، أم دوار ألمّ برأسه فأوقعه؟ النتيجة، بحسب العامل، أنّه أصيب برضوض في مختلف أنحاء جسده، جعلته يزور المستشفى أياماً عديدة للعلاج. يعلق: "منذ ذلك الحين أدركت قوة وخطورة العين التي لا يبارك صاحبها ما تراه من أشياء جميلة وحسنة".
اقــرأ أيضاً
من فرط اعتقاد كثيرين في المجتمع المغربي بقوة العين وتأثيراتها على حياتهم اليومية، كثرت "العيادات" الشعبية الخاصة بعلاج الإصابة بالعين. يزورها المتضررون من تأثيرات العين بدنياً ونفسياً. في هذا الإطار، يقول أبو مروان، وهو مالك عيادة لعلاج العين والحسد، لـ"العربي الجديد" إنّ عيادته "لا يأتي إليها فقط أبناء الطبقات الفقيرة كما يروّج البعض، بل أبناء الطبقات الميسورة الذين لم ينفعهم علاج الطب الحديث أبداً". يضيف أبو مروان الذي يعمل على رقي زبائنه المصابين بالعين، أنّ ظاهرة العين تفشت بشكل كبير، وصار الناس يتأثرون بها بطريقة سهلة، راداً السبب في ذلك إلى ما سماه "ضعف التحصين الديني، والابتعاد عن ذكر الله، ما يسهل استحواذ العين على جسد المعيون". يستدل بأحاديث نبوية من قبيل "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين" ويضيف أنّ المؤمن يعتقد بوجود العين لكن لا يجب أن يحمّلها كلّ مشاكله، وأن يحتاط منها بالرقية الشرعية والتحصين الديني.
في هذا الإطار، يعيد الباحث التربوي والنفسي محمد الصدوقي أسباب انتشار الاعتقاد بالعين لدى المغاربة إلى ثلاثة معطيات أساسية على الأقل. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ أولها اعتبار الإيمان بالعين جزءاً من الإيمان الديني، فهناك نصوص دينية تقرّ بالعين وتأثيرها. والثاني سيادة ثقافة شعبية موروثة بوجود أشخاص لهم القدرة الخارقة على إلحاق الأذى من خلال العين، والدعوة إلى الوقاية منها بالتمائم والآيات القرآنية. وثالث المعطيات يتجسد في غياب ثقافة علمية ودينية متينة، وغياب النضج النفسي لدى كثير من الناس، وهو ما يجعلهم ضحايا الاعتقاد المرضي الوسواسي بوجود شخص يسلط عليهم عينيه حسداً أو كراهية، وبذلك، يفسرون كلّ أمراضهم ومصائبهم ومشاكلهم بالعين وتأثيرها.
يتابع الصدوقي أنّ العلاقات الاجتماعية الصراعية والتنافسية والتمثلات السلبية تجاه الآخر الاجتماعي كعدو وخصم يسعى دائماً إلى تدميرنا وحسدنا وكرهنا، تجعل كذلك بعض الأفراد يبرر العين الشريرة التي تستهدفه دائماً كاختزال ورمز لهذه الثقافة الاجتماعية الصدامية والمتوجسة السائدة في تمثل الآخر والعلاقة معه. ويعلق أنّ الإيمان بالعين ينتشر أكثر ما ينتشر في الأوساط الشعبية التي تتسم بالجهل المعرفي والعلمي، وبسيادة الإيمان الشعبي والخرافة والشعوذة والسحر والفقر والصراع الاجتماعي الحاد والعنيف بين الأفراد.
اقــرأ أيضاً
يعتقد كثير من المغاربة بتأثير عين الحسد في حياتهم سواء في الحاضر أو في المستقبل، ويتعزز هذا الاعتقاد في الفئات الاجتماعية الفقيرة، أو التي لم تحظ بمستويات تعليمية ومعرفية كبيرة. العين بالنسبة إليهم ليست فقط ظاهرة اجتماعية حاضرة بقوة في السلوكيات والممارسات اليومية، لكنّها أيضاً معتقد ديني يحذر من خطورتها على صحة واستقرار الإنسان، وقد تفضي به إلى الموت.
كثير من القصص في المغرب حول العين تُظهر مدى تجذر هذا الإيمان الشعبي، وتأثر البعض إلى حدّ اتخاذ احتياطات شديدة من الوقوع في براثن عين شريرة. تحكي الثلاثينية بديعة لـ"العربي الجديد" كيف تعيش على أعصابها كلّ يوم بسبب نظرات جاراتها في المبنى السكني الذي تقطن فيه. تقول إنّهن مغتاظات من عملها موظفةً، ويحسدنها على وضعها الاجتماعي. تضيف بديعة أنّها تشعر بالتأثيرات السيئة التي تحملها نظرات جاراتها، ما جعلها تخضع نفسها لحصص الرقية الشرعية بشكل يومي، وإطلاق العنان لتسجيلات القرآن خصوصاً سورة البقرة في أجواء منزلها. توضح أنّها كلما مرت أمام جاراتها اللواتي لا يبادلنها التحية إلاّ مجاملة، أو عند الضرورة، شعرت بسوء داخلي يعتريها: "عيونهن تخترق حصانتي فيتعكر مزاجي أو أصاب بحالة عصبية طوال اليوم".
عامل بناء يروي قصة حدثت معه يؤكد أنّها بسب العين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه كان يعمل ذات يوم بنشاط وحيوية وخفة في بناء منزل، فوصله صوت سيدة تقول لرفيقتها: "انظري إلى ذلك البنّاء كيف يقفز بخفة مثل النمر". يضيف العامل أنّ تلك الجملة كانت آخر ما سمعته أذناه قبل أن يقع أرضاً مغشياً عليه من دون أن يعرف سبب سقوطه حتى اليوم، فهل كان السبب انزلاق رجله، أم دوار ألمّ برأسه فأوقعه؟ النتيجة، بحسب العامل، أنّه أصيب برضوض في مختلف أنحاء جسده، جعلته يزور المستشفى أياماً عديدة للعلاج. يعلق: "منذ ذلك الحين أدركت قوة وخطورة العين التي لا يبارك صاحبها ما تراه من أشياء جميلة وحسنة".
من فرط اعتقاد كثيرين في المجتمع المغربي بقوة العين وتأثيراتها على حياتهم اليومية، كثرت "العيادات" الشعبية الخاصة بعلاج الإصابة بالعين. يزورها المتضررون من تأثيرات العين بدنياً ونفسياً. في هذا الإطار، يقول أبو مروان، وهو مالك عيادة لعلاج العين والحسد، لـ"العربي الجديد" إنّ عيادته "لا يأتي إليها فقط أبناء الطبقات الفقيرة كما يروّج البعض، بل أبناء الطبقات الميسورة الذين لم ينفعهم علاج الطب الحديث أبداً". يضيف أبو مروان الذي يعمل على رقي زبائنه المصابين بالعين، أنّ ظاهرة العين تفشت بشكل كبير، وصار الناس يتأثرون بها بطريقة سهلة، راداً السبب في ذلك إلى ما سماه "ضعف التحصين الديني، والابتعاد عن ذكر الله، ما يسهل استحواذ العين على جسد المعيون". يستدل بأحاديث نبوية من قبيل "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين" ويضيف أنّ المؤمن يعتقد بوجود العين لكن لا يجب أن يحمّلها كلّ مشاكله، وأن يحتاط منها بالرقية الشرعية والتحصين الديني.
في هذا الإطار، يعيد الباحث التربوي والنفسي محمد الصدوقي أسباب انتشار الاعتقاد بالعين لدى المغاربة إلى ثلاثة معطيات أساسية على الأقل. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ أولها اعتبار الإيمان بالعين جزءاً من الإيمان الديني، فهناك نصوص دينية تقرّ بالعين وتأثيرها. والثاني سيادة ثقافة شعبية موروثة بوجود أشخاص لهم القدرة الخارقة على إلحاق الأذى من خلال العين، والدعوة إلى الوقاية منها بالتمائم والآيات القرآنية. وثالث المعطيات يتجسد في غياب ثقافة علمية ودينية متينة، وغياب النضج النفسي لدى كثير من الناس، وهو ما يجعلهم ضحايا الاعتقاد المرضي الوسواسي بوجود شخص يسلط عليهم عينيه حسداً أو كراهية، وبذلك، يفسرون كلّ أمراضهم ومصائبهم ومشاكلهم بالعين وتأثيرها.
يتابع الصدوقي أنّ العلاقات الاجتماعية الصراعية والتنافسية والتمثلات السلبية تجاه الآخر الاجتماعي كعدو وخصم يسعى دائماً إلى تدميرنا وحسدنا وكرهنا، تجعل كذلك بعض الأفراد يبرر العين الشريرة التي تستهدفه دائماً كاختزال ورمز لهذه الثقافة الاجتماعية الصدامية والمتوجسة السائدة في تمثل الآخر والعلاقة معه. ويعلق أنّ الإيمان بالعين ينتشر أكثر ما ينتشر في الأوساط الشعبية التي تتسم بالجهل المعرفي والعلمي، وبسيادة الإيمان الشعبي والخرافة والشعوذة والسحر والفقر والصراع الاجتماعي الحاد والعنيف بين الأفراد.