أظهر استطلاع حديث للرأي أعدّه مركز "ليفادا" الروسي، تفاقماً كبيراً لظاهرة رهاب الأجانب بين الروس وزيادة عدد أنصار شعار "روسيا للروس" بمقدار ضعفَين، وسط تساؤلات حول الأسباب التي أدّت إلى هذه التغييرات في بلد كبير ومتعدد القوميات والأديان.
يأتي الغجر في مقدمة القوميات التي تثير رفض الروس، بحسب الاستطلاع نفسه، إذ إنّ 43 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم دعوا إلى عدم السماح بدخولهم إلى البلاد، بينما أيّد 32 في المائة منع إقامتهم في روسيا، وذلك في مقابل 17 في المائة في العام الماضي. أمّا في المرتبة الثانية، فقد أتى المهاجرون الوافدون من أفريقيا، من أصحاب البشرة السوداء، وبلغت نسبة رافضي دخولهم إلى البلاد 33 في المائة. ثمّ يأتي المهاجرون من آسيا الوسطى مع رفض بنسبة 30 في المائة، والشيشانيون والصينيون مع 27 في المائة، والأوكرانيون مع 22 في المائة.
أمّا نسبة أنصار فكرة "روسيا للروس" التي كانت في تراجع مستمر منذ عام 2014، لتنخفض في العام الماضي إلى 10 في المائة فقط، فإنّها عادت لترتفع مسجّلة 19 في المائة في هذا العام. وفي هذا الإطار، تعيد مديرة مركز بحوث العلاقات بين القوميات في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ليوكاديا دروبيجيفا، تنامي ظاهرة رهاب الأجانب في روسيا إلى "التوترات الجيوسياسية والشعور بأنّ العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على موسكو ظالمة".
تقول دروبيجيفا لـ"العربي الجديد" إنّ "سكان روسيا يرون أنّ العقوبات الغربية المفروضة على بلادهم ظالمة، الأمر الذي انعكس على مواقفهم تجاه جميع الغرباء". ومع ذلك، تشير دروبيجيفا إلى أنّ العلاقات بين القوميات في داخل روسيا تشهد في المجمل تحسناً تدريجياً، مضيفة أنّ "الروس كانوا يظهرون أكبر رفض للأجانب في تسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الجديد، إذ إنّهم عانوا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي من مشكلة الهوية في ظل إعادة كتابة التاريخ، شأنهم في ذلك شأن سكان فرنسا وبريطانيا (بعد فقدانهما مستعمراتهما) فباتوا يبحثون عن عدو. لكنّ الأجيال الجديدة باتت أكثر تقبلاً للأجانب".
وتتابع الباحثة الاجتماعية الروسية أنّ "موسكو تشهد تدفقاً كبيرا للمهاجرين من آسيا الوسطى، وقد تحوّلت في تشكيلتها السكانية من مدينة أوروبية إلى أخرى أوراسية. لكنّ سكان موسكو الأصليين تعوّدوا عليهم وتعلموا العيش جنباً إلى جنب مع المهاجرين الذين باتوا بدورهم يندمجون بشكل أكبر في البلد المضيف". ووسط تردّي الأوضاع الاقتصادية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، لم يجد ملايين الشباب في طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان بديلاً من التوجّه إلى روسيا بحثاً عن مصدر رزق وحياة أفضل. لكنّ عدم اطلاع كثيرين منهم على تقاليد روسيا وثقافتها وقوانينها، تسبب في توترات مع السكان المحليين وتكوين نظرة سلبية تجاههم. وهو الأمر الذي وصل إلى حدّ انتشار إعلانات لتأجير شقق، لا سيّما في موسكو، تشترط أن يكون المستأجر سلافياً (أي من أصل روسي أو بيلاروسي أو أوكراني). وبحسب استطلاع "ليفادا"، فإنّ 10 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم يستحسنون مثل هذه الإعلانات العنصرية، بينما أبدى 29 في المائة آخرون تفهّماً لها في مقابل استياء 10 في المائة فقط.
تجدر الإشارة إلى أنّ روسيا شهدت في العقد الأول من القرن 21 انتشاراً كبيراً لحركات النازيين الجدد، المعروفين باسم "حليقي الرؤوس" الذين اعتمدوا شعار "روسيا للروس" ومارسوا أعمال عنف بحق الأجانب وصلت إلى حدّ القتل، مطالبين بمغادرة هؤلاء "الغرباء". لكنّ هذه الحركات تراجعت كثيراً بعد صدور أحكام بالسجن لفترات طويلة بحقّ عدد من عناصرها، قبل أن تُحدث الأزمة الأوكرانية في عام 2014 انقساماً نهائياً بين صفوفها، لتقضي في الواقع على الحركات القومية المتشددة في روسيا.
وتوضح دروبيجيفا ذلك، قائلة إنّه "مع تفاقم الأزمة الأوكرانية، انقسمت الحركات القومية المتشددة الروسية إلى فئة توجهت إلى منطقة دونباس (شرق أوكرانيا) للقتال دفاعا عن العالم الروسي، في حين قصدت فئة أخرى الميدان في كييف تأييداً لاستنساخ التجربة الأوكرانية في إقامة دولة قومية. وكانت مسيرات القوميين الروس تحشد آلاف المشاركين في السابق، إلا أنّ المشاركين فيها لم يعودوا يزيدون عن 200 - 500 مشارك حالياً".
لكن مع إطالة أمد الأزمة الأوكرانية والمواجهة المسلحة في دونباس، لم تعد المواقف السلبية من الروس تقتصر على السلطات في كييف، بل باتت تطاول المهاجرين الاقتصاديين الوافدين من أوكرانيا ومواطنيها كذلك. ويأتي ذلك في مقابل تحسن المواقف حيال الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وفق بيانات مركز "ليفادا". بالنسبة إلى الباحثة في المركز، كارينا بيبيا، إنّ العنصرية الخارجية حلّت ما بين عامَي 2014 و2017 محلّ رهاب الأجانب التقليدي تجاه الأقليات الإثنية داخلياً، إلا أنّه بدأ يعود الآن، بينما ساهمت بطولة العالم لكرة القدم التي استضافتها روسيا في هذا العام، في تحسين المواقف تجاه الولايات المتحدة وأوروبا. يُذكر أنّ معدّي الدراسة كانوا قد لفتوا كذلك إلى السياق الاقتصادي - السياسي في فترة إجراء الاستطلاع الذي تزامن مع استياء السكان من رفع سنّ التقاعد وتراجع المؤشرات الاستهلاكية والاجتماعية، الأمر الذي قد يكون انعكس في إعادة توجيه الاستياء إلى "الآخر" وزيادة رهاب الأجانب.