لماذا لا تستطيع النسور صيد فرائسها؟

15 فبراير 2020
ينتظر من مسافة بعيدة (لورينا دي لا كويستا/ Getty)
+ الخط -

النسوريات (Raptors) من أنواع الطيور الجارحة، التي تضم بالإضافة إلى النسر (Vulture)، العقاب (Eagle) والعقيب (Buzzard) والمرزة (Harrier) والباشق (Sparrowhawk) والباز (Ghoshawk) والحدأة (Kite)، وكلها من جوارح الطير التي تصطاد فريستها الحيّة بالمطاردة تارة وبالمفاجأة تارة أخرى، وبالترصد في بعض الأحيان، في ما عدا النسر (Vulture) الذي لا يستطيع اصطياد فريسته والإمساك بها. وهكذا نراه لا يأكل إلاّ ما هو ميت، وإذا ما رأى حيواناً ينازع فعليه الانتظار حتى يموت.

إنّه آكل الجيف، حتى لو أنتنت، وبدأت بالتحلل والتفسخ. النسر هو من مجموعة الجوارح لأنّ المنقار (المنسر عند الجوارح) قوي ومقوس ورأسه العلوي معقوف ومدبب ثاقب في آخره، وهو يستخدم لتمزيق اللحوم والجلود حتى السميك منها. ومع وجود هكذا منقار عند النسور كما للجوارح الأخرى نرى أنّها، لا تصطاد فريستها بل تستخدم مناقيرها لتمزيق جلود الحيوانات مثل الجواميس والفيلة والوعول والثعالب والأرانب والخنازير والسناجب وغيرها بعد موتها، للوصول إلى اللحوم وتناولها. النسر هو عامل القمامة وبمعنى أصح هو مهندس الطبيعة الصحي. هو يأكل الحيوانات الميتة قبل أن تتحلل وتتحول إلى جراثيم وتنتشر بين البشر. وقد قال أحد العلماء إنّ مجتمعاً بلا نسور سوف يتهاوى خلال 100 عام وقد يندثر، لأنّ الجراثيم في الطبيعة لن تبقي شيئاً. وحتى لو حلّت الكلاب الضالة مكان النسور ونهشت الجثث هنا وهناك فلن تقوم بدور النسور لأنّ أكثرها سيموت من الأمراض التي ستصيبه أو سينقل داء الكلب وغيره إلى الإنسان، لأنّ للنسر على عكس الكلاب، جهازاً هضمياً يقتل كلّ البكتيريا والجراثيم التي يلتهمها مع لحوم الجيف. ولأنّ معظم النسور التي تدخل رأسها في جوف الجيف هي صلعاء، فهي بذلك محمية من الجراثيم، لأنّ الرأس العاري تنظفه أشعة الشمس أكثر مما لو كان مكسواً بالريش. أما الأقدام فلها طريقة تنظيف أخرى، إذ يبول النسر عليها (للطير براز وبول يخرجان معاً من مخرج واحد) وتتكفل مادة الحمض البولي بقتل كلّ شيء فوقها مع تبريدها.

وهنا نأتي إلى سرّ عدم قدرة النسور على صيد الطرائد الحية من خلال النظر إلى أقدامها وأصابعها. وعلى العكس من النسور، تتمتع العقبان والصقور والبزاة والبواشق وغيرها مما هو قادر على صيد الطرائد الحية، بأصابع قوية تنتهي بمخالب كبيرة معقوفة ومدببة تمكّنها من القبض بأقدامها على الطريدة، بل إنّ الإصبع الخلفي مخلبه أكبر ويستخدمه الطير ليضرب به فريسته ويشقها سواء كانت على الأرض أو في السماء. أما النسر فتذكّرنا أصابعه ومخالبه بأصابع الدجاج وأظافرها نوعاً ما. لذلك، فهو لن يستطيع صيد فريسة بقدميه، خصوصاً أنّ صيد الفرائس عند العقبان والصقور وما شابه يتم باستعمال الأقدام للقبض على الطريدة.



إذاً، فالنسر طائر متخصص، أي إنّ له خصائص لا نجدها لدى غيره من الطيور الجارحة أو غير الجارحة. فهو لكي يبقى بصحة جيدة لديه ما يكفي لقتل جراثيم وميكروبات ما يأكل، وهو قادر على تنظيف رأسه بتعريضه لأشعة الشمس، وعلى تنظيف قدميه بالتبرز والتبول عليها. وبعض هذه النسور لديها حاسة شم قوية تكشف لها روائح المركبات الكبريتية الناتجة عن تحلل الجثث وأماكن وجودها من على بعد كيلومترات، وإن كانت حاسة الشم لديها أقل فهي ترافق ما لديه حاسة شم أقوى، فتقدم له الحماية وتستفيد منه للوصول إلى الجيفة. كذلك، تستعيض عن ضعف الشم بقوة البصر، وهذه حال النسر الأسود الذي يترقب الحيوانات الميتة نتيجة صدمها بالسيارات على الطرقات. وللعلم فإنّ النسر الأسود يشذ عن قاعدة النسور التي لا تأكل سوى الجيف، لأنه لا يتورع عن قتل حيوانات ضعيفة أو مريضة أو تنازع كونه يفضل أكل اللحوم طازجة، بينما النسور الأخرى تفضل الجيف الأحدث. بعد كلّ هذه المعلومات لا أجد سوى غرابة في أناس ما زالوا يقتلون النسور.

*متخصص في علم الطيور البرية
المساهمون