إكس

02 يناير 2018
تحتاج اللعبة إلى رسم وحجر ولاعبين (العربي الجديد)
+ الخط -
ينتهي الطفلان من رسم ثمانية مربعات كبيرة مرقّمة بالطبشور الأبيض تتصل ببعضها البعض بطريقة تسمح بتعديل شكل الخطوات التي ستعبر فوقها. هي لعبة تقليدية لدى الصغار معروفة باسم "إكس" في لبنان، عدّتها الكاملة رسمٌ على الأرض، وحجرٌ صغير يُرمى في بداية الدور، ولاعبٌ يقفز بين المربعات ليصل إلى ذلك الحجر. لعبة تمثّل قدرة على الابتكار والتدبير، وتوفّر نشاطاً بدنياً في الهواء الطلق وتفاعلاً بين عدد من الأطفال.

هو مشهد قد ينتمي إلى الماضي ما قبل الثورة الرقمية وما حملته من ألعاب إلكترونية تنفصل عن الإنترنت أو تتصل به. مشهد يعيد ألعاباً عرفناها صغاراً مثل "الكلل" (البيل) و"السبع بلاطات" و"الغميضة" و"اللقّيطة" و"الشكّة" و"الزقّط" و"كيف حالك يا عمي الغول" و"بوظة قشطة حليب كريم" و"طاق طاق طاقية" و"تريمسة يا تريمسة" وغيرها. ألعاب لم تكن تحتاج عدّة أو تجهيزات كهربائية وخطوط إنترنت، بل لا تبتعد عن استخدام حجارة وموارد مهملة يجدها الأطفال في الشارع كما هي الحال مع "النقّيفة" مثلاً وهي بالون مطاطي مربوط برأس قنينة مياه بلاستيكية يسمح بقذف حجر صغير منه للوصول به إلى الخصم أو إلى هدف محدد، وقد تستخدم بدلاً من الحجر ثمرة صغيرة كالقرّاصية (الخوخ الشوكي أو برقوق السياج) أو الزنزلخت (أزدرخت).

صحيح أنّ بعض هذه الألعاب خطير إلى حدّ ما خصوصاً ما يتطلب مراشقة اللاعبين بعضهم بعضاً بالحجارة أو باستخدام "النقّيفة"، لكنّنا لا ننتبه إلى خطورتها إذ نترك أولادنا عرضة لكلّ هذا العالم الواسع من الألعاب المتصلة بالشبكة أو الرقمية بشكل عام وقبلها صفحات الإنترنت وبرامج التلفزيون. تلك الخطورة ليست مادية مباشرة قد تصل إلى حدّ إصابة كوع الطفل أو ركبته أو يده أو حتى رأسه كما كانت الحال في ألعاب النشاطات البدنية المتنوعة، لكنّها تكوينية غير مباشرة تتمثل خطورتها في تغذية الطفل بقيم معينة تحتاج إلى كثير من الدراسات الاجتماعية والتربوية التي تستخدم متغيرات سلوكية وذهنية وحتى بدنية لتبيّن آثارها، خصوصاً أنّ الأهل يتركون أطفالهم ساعات وساعات متصلين بتلك الألعاب، وحجتهم الدائمة أنّها "آمنة"، والمقصود آمنة فيزيائياً.

ليس مشهد لعبة "الإكس" ذاك من الماضي، بل كان يجري السبت الماضي عند رصيف كورنيش المنارة البحري في العاصمة اللبنانية بيروت، واللاعبان شقيقان، صبي وفتاة، يتحدّيان بعضهما بعضاً، ويبديان كثيراً من المرح، بينما يجلس الوالد والوالدة على المقعد الحجري يشربان شيئاً من العصير.

المشهد سريع وسط العابرين من المشاة عند الكورنيش والمسرعين من السائقين في سياراتهم على الطريق، لكنّه يوحي بكثير من الأمور، لعلّ أبرزها أنّ هناك من لم يسلّم بعد بسطوة الرقمي على حياته.

دلالات
المساهمون