"اصفعها!"

18 يناير 2015
وعبّروا عن سبب الرفض.. "لأنها فتاة!" (Getty)
+ الخط -

تقف مجموعة من الفتية تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و12 أمام الكاميرا. يبتسمون. يشاركوننا أعمارهم وطموحاتهم المستقبلية وأحلامهم. تظهر فتاة بقربهم. يسألهم صوت (المصور أو المخرج ربما) أن يعبّروا عن أكثر ما أعجبهم بها. يطلب منهم ملاطفتها. ومن ثم، تتوقف الموسيقى التصويرية. لحظة صمت، ويطلب من الأولاد "اصفعها".

ليس اللافت هو ردة فعل الأولاد على الطلب الغريب. ولا الطلبات الغريبة التي تختزل الفتاة بشكلها. اللافت هو التهليل بالفيلم من قبل الناشطين/ات كأداة توعية ضد العنف الممارس بحق النساء والفتيات. استنكر الفتية جميعاً هذا الطلب. هزوا رؤوسهم رفضاً. وعبّروا عن سبب الرفض. "لأنها فتاة!". "لأنني لا أريد إيذاءها". "لأنها جميلة". "لأنني رجل!".

لهذه الأسباب إذاً العنف غير مسموح بنظر المجتمع. هي فتاة. وهو رجل. تختصر هذه الإجابة السبب الجذري للعنف الموجّه ضد النساء. ففي مجتمعاتنا، تبقى المرأة "فتاة" إذا لم تتزوج وتنجب. وفي هذه المجتمعات، يعدّ الطفل البالغ من العمر 11 عاماً "رجلاً" قبل أن يبلغ. هكذا إذاً يتم فرز دينامية ومنظومة القوى بين الجنسين. هكذا يصار إلى تعزيز هذه الثقافة، وتكريسها وإعادة توريثها لتصبح أمراً عادياً وطبيعياً. ثمة أمر آخر لافت في هذه الإجابات يستحق التوقف عنده. التمييز ذو طابع حب النساء. توحي الإجابات بالإيجابية بداية. لكنه في الواقع تمييز يحمل طابعاً حمائياً، وينطوي على اعتقاد أنّ النساء مخلوقات ضعيفة بحاجة لحماية.

هكذا إذاً تفاعل الناشطون والناشطات مع الفيلم. شاركوه كأداة توعوية "مؤثرة" و"عاطفية" يمكن من خلالها التأثير بالناس لتغيير اتجاهاتهم ومواقفهم تجاه الرجال والفتيان. ظنّوا أن الفيلم يحمل مواقف واتجاهات إيجابية من قبل الرجال تجاه النساء، الأمر الذي قد يكون صحيحاً لأول وهلة، لكنه مضلل.

وبمقابل هذا الفيلم، كانت شركة فوط صحية قد أطلقت حملة الصيف الماضي بعنوان "مثل الفتاة". طُلب من مجموعة من الراشدين النساء والرجال وبمقابلهم مجموعة من البنات الركض "مثل الفتاة"، والضرب "مثل الفتاة"، ورمي الكرة "مثل الفتاة". يلفتنا إيجاباً في فيلم الحملة رد فعل وتجاوب الفتيات مع هذا الطلب. على خلاف الراشدين الذين نُمّطوا مجتمعياً، أجابت الفتيات بأنهن فهمن من "أركضي كفتاة" أن تركض بأسرع ما يمكنها. هذا نموذج عما يحمله مصطلحي "مثل الفتاة" و"كالرجل" من إرث ذكوري ويبعدهما عن كونهما مجرد وصف. على أمل أن يصبح وصف "رجل" أقل تطلباً، ووصف "فتاة" بلا مضمون استخفافي، فيُزال عنهما كل العبء الذكوري.

*ناشطة نسوية
المساهمون