"لم أكن في أي يوم من الأيام من أصحاب السوابق الجنائية، ومع ذلك أتهرّب من كلّ دورية أمنية أصادفها في الشارع. أنا مسجّل على قائمة الملاحقين في تونس، على خلفية عدم تسديد النفقة الزوجية". هذا ما يقوله حسان، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّ الطلاق بينه وبين زوجته تمّ قبل أربعة أعوام وحُكِم عليه بتسديد نفقة أبنائه البالغة قيمتها شهرياً 120 دولاراً أميركياً. ويتابع: "لكنّني لم أستطع تأمين المبلغ منذ أكثر من ثلاثة أشهر، الأمر الذي جعلني على قائمة الملاحقين وصرت مهدداً بالسجن، على الرغم من أنّ زوجتي تعمل ولديها دخل ثابت، بخلاف ما أنا عليه".
وحسان واحد من بين أكثر من 100 ألف تونسي ملاحقين على خلفية النفقة الزوجية، بحسب ما يفيد مصدر في وزارة الداخلية "العربي الجديد". يضيف أنّ "المتهرّبين من تسديد النفقة الزوجية يحتلون صدارة قائمة المفتَش عنهم (الملاحقين) والبالغ عددهم نحو نصف مليون شخص، بسبب تهرّبهم من إجراءات قانونية مرتبطة بحالات من قبيل النفقة وحوادث الطرقات، بالإضافة إلى جرائم الحق العام والإرهاب".
وبحسب مجلة الأحوال الشخصية، ينصّ الفصل 46 على أنّ "الإنفاق يستمر على الأبناء حتى بلوغ سنّ الرشد أو بعده إلى نهاية مراحل تعليمهم، على ألا يتجاوزوا الخامسة والعشرين من عمرهم. وتبقى البنت مستحقة للنفقة إذا لم يتوفر لها الكسب أو تتزوج ويتمّ الدخول بها وتجب نفقتها على زوجها". كذلك "يستمر الإنفاق على الأبناء المعوقين العاجزين عن الكسب بغض النظر عن سنهم". أمّا الفصل 47 من المجلّة نفسها فيوضح أنّ "الأم، حال عسر الأب، مقدّمة على الجد في الإنفاق على ولدها".
بحسب الأصول، "يصدر حكم النفقة إمّا من قبل المحكمة الابتدائية صلب حكم الطلاق، باعتبار نفقة المطلقة طيلة فترة العدة ونفقة الأبناء ما دام أثر من آثار الموجب القانوني قائماً، أو يصدر حكم النفقة من قبل محكمة الناحية صلب قضية مستقلّة، سابقة أو لاحقة لقضية طلاق. وفي كلتا الحالتين، يتمّ إعلام المحكوم ضده بواسطة عدل تنفيذ بالحكم الصادر ضده بأداء النفقة لمن يستحقّها، ويحرّر محضر في ذلك الإعلام". وفي السياق، "ينفذ الحكم القاضي بالنفقة إمّا بخضوع المحكوم عليه طوعياً لدى إعلامه بالحكم، أو بالحجز على مرتّب المدين بالنفقة وإجراء عقلة عليه طبق القانون، وذلك عن طريق رفع شكاية إلى وكيل الجمهورية، عند امتناع المدين بالنفقة عن الدفع لمدّة تفوق شهراً واحداً من تاريخ إعلامه بالحكم الصادر ضده، وطلب تتبّعه عدلياً. وهذه التتبعات تمثل وسيلة ضغط كافية على المدين بالنفقة من شأنها إجباره على دفع مبلغها تفادياً للعقوبة الجزائية، خصوصاً أنّ الأداء في هذه الجرائم يوقف التتبعات وآثار المحاكمة. أمّا إذا كان المدين بالنفقة مقيماً في الخارج، فإنّه يقع التنفيذ عليه بتطبيق بنود الاتفاقيات الثنائية للتعاون القضائي".
وبحسب القانون، "وفي كل الحالات، فإنّه عند تلكّؤ المدين بالنفقة، تتمتع المطلّقة، في حق نفسها وحق أبنائها، بحقّ الانتفاع بخدمات صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، ثمّ الرجوع على المحكوم عليه لاسترجاع المبلغ، باستعمال ما يلزم من إجراءات الجبر القانونية المتاحة. وكل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطلاق فقضى عمداً شهراً من دون دفع ما حكم عليه بأدائه، يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام وبخطية (غرامة مالية) من 50 دولاراً إلى 500 دولار". ويتولى الصندوق "إعلام المدين بمكتوب مضمون الوصول بقرار تحمّل النفقة أو جراية الطلاق. كما يتضمن المكتوب إنذار المدين بأنّه إن لم يسدد للصندوق في ظرف شهر المبالغ المطلوبة منه، فإنّ الاستخلاص يقع بطريقة بطاقة الجبر".
القانون نفسه والتهرّب من دفع النفقة الزوجية بسبب البطالة، جعلا الطاهر في قائمة الملاحقين. يخبر "العربي الجديد" أنّه "في السابق، تعرّضت إلى التوقيف للسبب نفسه، وهو عدم دفع النفقة، وقد حكم عليّ بالسجن لثلاثة أشهر. واليوم أنا غير قادر على تسديد النفقة التي تبلغ قيمتها 130 دولاراً، لأنّني عاطل من العمل". وتكشف أرقام وزارة العدل أنّ عدد قضايا الطلاق وصلت إلى نحو 15 ألف قضية في خلال عام واحد، أي بمعدّل 41 حالة طلاق يومياً.
تجدر الإشارة إلى أنّ تقرير لجنة الحريات والمساواة اقترح مراجعة مسألة النفقة في إطار المساواة بين الزوجين، لأنّ "النفقة تعدّ بعداً رمزياً سلبياً لا يمكن إنكاره. فواجب إنفاق الزوج على زوجته يتأسس على علويّة دوره في الأسرة بوصفه رئيسها، وهو ما يفسر ما قام به المشرّع من ربط بين رئاسة العائلة والإنفاق على الزوجة. وهو ما يفسّر أيضاً تعليق النفقة على شرط الدخول بالزوجة، فتستحقها حتى وإن كانت ثرية أثرى من الزوج، وحتى وإن كان لها شغل وكان هو عاطلاً (من العمل)".
ويشير التقرير إلى أنّه بهدف "تحرير النفقة من البعد السلبي، تتعيّن إضافة شرط جديد لها، فلا تستحقها إلا من لم يكن لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة. ويشترط أن يكون الدخل الذي تتمتع به المرأة كافياً لتغطية حاجيتها". لذا، يقترح تنقيح الفصل 38 من مجلة الأحوال الشخصية، ليصير "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدّة عدتها إلا إذا كان لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة".
في سابقة من نوعها في تونس، ألزمت محكمة تونسية في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، امرأة مطلقة بتسديد النفقة لزوجها وأبنائها، تعويضاً لهم عن الضرر الذي لحق بهم من جرّاء الطلاق ومساهمة منها في الإنفاق على أبنائها الذين هم في حضانة طليقها. أمّا قيمة النفقة فتقدّر بنحو 60 دولاراً أميركياً شهرياً.