شهد لبنان خلال عام 2018 أحداثاً اجتماعية عدّة بمختلف تشكيلاتها، بدءاً من الإنجازات الحقوقية والانتهاكات، مروراً بالبيئة والصحة، وصولاً إلى التعليم. تعرض "العربي الجديد" أبرزها
الجمود السياسي في لبنان عقب الانتخابات البرلمانية في السادس من مايو/ أيار الماضي، المتمثل في عدم القدرة على تشكيل الحكومة، انسحب على قضايا اجتماعية عدّة لا سيما في حالة آلاف الشباب المنتظرين استدعاءهم إلى دورات التدريب لوظائفهم في الأجهزة الأمنية. وهو استدعاء ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة بدوره، والاتفاق كما العادة على حصة كلّ طائفة من التعيينات.
مع ذلك، لم يكن الجمود عاماً، فهناك قضايا شهدت حراكاً برلمانياً وقانونياً، خصوصاً في ما يتعلق بإقرار قانون المفقودين والمختفين قسرياً، وبالجدال الذي خيّم على صيف البلاد، حول تشريع زراعة الحشيشة (القنب الهندي) لأغراض طبية. وبين هذا وذاك استمرّ واقع الانتهاكات المختلفة بحقّ فئات عدة، بالإضافة إلى أزمات النفايات وتلوث المياه وفيضان الشوارع. وفي المقابل، سجلت نقاط مضيئة لعلّ أبرزها ارتفاع عدد النساء في البرلمان إلى ستّة.
اقتراحات ومشاريع قوانين
على الرغم من تقدمه للحكومة بمشروع قانون يجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني تمرير الجنسية اللبنانية لأولادها، فإنّ وزير الخارجية جبران باسيل استثنى اللبنانية المتزوجة من "أجنبي دخل إلى لبنان لاجئاً أو نازحاً، لا سيما من الدول المجاورة للبنان" من هذا الحق، وهو ما يعني تحديداً أبناء اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين وسوريين، ما أثار اعتراضاً كبيراً ضد المشروع.
على صعيد القوانين أيضاً، أقرّ مجلس النواب اللبناني بعد سنوات عدّة من الانتظار، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قانون معالجة قضايا المفقودين وضحايا الاختفاء القسري (خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975- 1990). نصّ القانون على إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، وكرّس حق أفراد الأسر والمقربين في معرفة مصير ذويهم المفقودين أو المخفيين قسراً وأماكن احتجازهم أو اختطافهم، أو حتى رفاتهم في حال موتهم. ونصّ على عقوبة الحبس بالأشغال الشاقة والغرامة المالية لكلّ من أقدم بصفته محرضاً أو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً في جرم الإخفاء القسري. تلك المادة الأخيرة أثارت الشكوك من إمكانية تطبيق القانون، إذ إنّ كثيراً من المتورطين خلال الحرب باتوا من المسؤولين الحزبيين والسياسيين في أعقابها، من مختلف الأطراف.
برلمانياً أيضاً، تصاعد الجدال الممتد إلى الجمهور اللبناني حول إعداد اقتراح قانون يجيز زراعة الحشيشة لأغراض طبية. لكنّه سجال معتاد، كلّ بضع سنوات في لبنان، من دون أن يصل الأمر يوماً إلى مرحلة الإقرار الفعلي، ومن بعده التطبيق.
لبنانيات
حقوق النساء شهدت تجاذبات في لبنان خلال العام 2018، فبعد الحديث عن حق المرأة اللبنانية في تمرير جنسيتها إلى أبنائها وزوجها، برز الحديث مجدداً عن العنف المسجل بحق النساء على الرغم من القوانين والعقوبات الرادعة التي أقرت في السنوات الأخيرة، خصوصاً قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، وإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تنص على أنّه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بنيّة الزواج...) والمعتدى عليها أُوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم في القضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فُرضَ عليه" فإنّ العنف مستمر ضد النساء في لبنان، وتشهد عليه جرائم عدّة وصلت إلى حدّ القتل. وأعلن النائب شامل روكز في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن تقديم اقتراح لتعديل قانون حماية النساء، معتبراً أنّ "العقوبات الحالية لا تردع من ارتكاب العنف".
كذلك، استمر السجال حول حرمان المرأة المطلقة من حقها في حضانة أطفالها، واستعانت النساء بوسائل التواصل الاجتماعي للضغط من أجل إرساء هذا الحق، لينجحنَ في بعض المرات في الحصول على أوامر قضائية، لكن من دون تغيير مأمول في القوانين الأسرية بعد.
على صعيد الإنجازات النسائية، سجلت الانتخابات البرلمانية التي نظمت للمرة الأولى منذ تسع سنوات، وللمرة الأولى بالنظام الانتخابي النسبي، حضوراً نسائياً كبيراً، تمثل في ترشح 113 لبنانية، ووصول ست نساء إلى الندوة البرلمانية، وهما رقمان غير مسبوقين، بل سجلت الانتخابات سابقة ببروز لائحة من النساء فقط، وإن لم يحالفها الحظ بالفوز.
رولا الطبش، واحدة من ست نساء وصلن إلى البرلمان (أنور عمرو/ فرانس برس) |
على صعيد آخر، تمكن لبنان من استعادة الشابة اللبنانية منى المذبوح، التي أدينت بـ"تحقير الشعب المصري والرئيس المصري وازدراء الإسلام" وحكم عليها بالسجن ثماني سنوات خفضت بعدها إلى سنة واحدة مع وقف التنفيذ، وذلك بعد نشرها مقطع فيديو تضمن عبارات قاسية ونابية. وقد أمضت المذبوح ثلاثة أشهر في السجون المصرية، وعادت إلى لبنان في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي.
حقوق وسجالات
في إطار الانتخابات أيضاً، استمر التمييز في حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى صناديق الاقتراع، وسجلت انتهاكات عدّة في هذا الشأن، أكان على مستوى عدم تجهيز المراكز لاستقبالهم، أو على مستوى التعامل السيئ معهم الذي وصل إلى حدّ حمل بعض المقترعين إلى الصناديق حملاً.
على صعيد متصل، فاز في يونيو/ حزيران الماضي "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً" بجائزة دولية، بعد تصنيف مشروعه النموذجي "السياحة للجميع" من أفضل ممارسات السياحة الدامجة حول العالم. وهو المشروع الذي يهدف إلى تسهيل سياحة الأشخاص ذوي الإعاقة في عدد من المناطق اللبنانية في الساحل والداخل.
وقد شهد عام 2018 كذلك "عودة طوعية" لآلاف اللاجئين السوريين، بحسب الأمن العام اللبناني الذي نظم هذه العمليات على مراحل عدّة. لكنّ هذه العودة وجدت معارضة لها من بعض الأصوات التي اعتبرتها "غير آمنة" ومن بين هذه الأصوات المعارضة وزير الدولة لشؤون النازحين، معين المرعبي.
من جهتهم، وبالإضافة إلى حرمانهم من حقوق كثيرة في لبنان، عانى اللاجئون الفلسطينيون من اضطرابات أمنية في بعض مخيماتهم، كان أكبرها هذا العام في مخيم المية ومية، في صيدا (جنوب) الذي شهد جولات قتالية داخلية بين تنظيمَي "فتح" و"أنصار الله" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أدت إلى نزوح كثير من الأهالي وتدمير وحرق بيوت ومنشآت.
حراك السترات الصفراء في بيروت (حسين بيضون) |
وفي نهاية العام، سجل نزول للبنانيين إلى الشارع للاحتجاج على الأزمتَين المعيشية والسياسية، لكن من دون عنوان واضح للحراك. واستورد المحتجون فكرة السترات الصفراء من فرنسا، في تحركَين يومَي الأحد 16 و23 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. التحرك الثاني شهد شغباً من جهة المحتجين، وقمعاً من جانب قوى الأمن والجيش اللبناني.
بيئة وصحة
بيئياً، استمر السجال حول المكبات والمطامر، منذ بداية العام، إذ شهدت شواطئ نهر الكلب وذوق مصبح، في كسروان، إلى الشمال من بيروت، انتشاراً كبيراً للنفايات التي رماها البحر، والتي تمددت من أحد المطامر المستحدثة، والتي لم تحلّ أزمة النفايات إلاّ وقتياً.
كذلك، أصدر المجلس الوطني للبحوث العلمي، في يوليو/ تموز الماضي نتائج دراسة له حول نوعية مياه البحر، فبرزت 16 نقطة على الشاطئ اللبناني تحمل نوعية مياه ذات تصنيف جيد وصالحة للسباحة، وخمس نقاط ذات تصنيف مقبول، وأربع نقاط ذات تصنيف سيئ وملوث ولا يمكن السباحة فيها أبداً، ومن بين الأخيرة شاطئ الرملة البيضاء الأكبر في العاصمة. هذا الشاطئ بالذات شهدت الشوارع الممتدة فوقه فيضاناً للمياه الآسنة، في نوفمبر الماضي، ما خلق سجالاً وتبادلاً للاتهامات بين جهات عدّة، من بينها محافظة بيروت وبلدية الغبيري.
شاطئ الرملة البيضاء ملوث المياه (أنور عمرو/ فرانس برس) |
صحياً، أطلق لبنان البرنامج الصحي المشترك الممول من الاتحاد الأوروبي، لدعم مرونة النظام، وتوفير الخدمات وأدوية الأمراض المزمنة، لجميع المقيمين في لبنان.
جامعات وعلوم
أكاديمياً، احتفلت الجامعة اللبنانية (الرسمية الوحيدة) بنيلها الاعتماد المؤسسي من المجلس الأعلى لتقييم البحوث والتعليم العالي الفرنسي. وهو ما "يضع الجامعة اللبنانية على خريطة التعليم العالي العالمي" بحسب رئيسها البروفسور فؤاد أيوب. في المقابل، استمر السجال في البلاد حول المشاكل التي تعاني منها الجامعة اللبنانية، والتسييس الذي ينال منها، كما استمرت تحركات الأساتذة المتفرغين والمتعاقدين فيها من أجل حقوقهم.
وعلى الصعيد العلمي، أطلقت من الجامعة الأميركية في بيروت، البوابة الإلكترونية حول الأثر الاجتماعي للبحث العلمي من العالم العربي وحوله "أثر"، والتي أسسها أستاذ علم الاجتماع في الجامعة نفسها، الدكتور ساري حنفي، والتي "تسعى إلى تكوين قاعدة معلومات مفتوحة حول مسارات البحوث العلمية في مراحلها المختلفة ومدى تفاعلها مع قضايا المجتمع والحياة العامة، من خلال اعتمادها على المعلومات التي يدخلها الباحثون حول مشاريعهم البحثية ومخرجاتها وتأثيرها الاجتماعي".
كذلك، كان لبنان على موعد في الشهر الأخير من العام، مع افتتاح المكتبة الوطنية، في منطقة الصنائع في بيروت، بعد ترميم مبانيها ومحتوياتها. وتضم المكتبة التي موّلت دولة قطر مشروعها بـ25 مليون دولار أميركي، 300 ألف كتاب.
تبقى الإشارة إلى حالة لبنانية منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي التناقل الملحوظ للأخبار الكاذبة، أو التأويل الكاذب للأخبار، وعدم الالتفات إلى الروايات الحقيقية أو التوضيحات، كأنّ في ذلك تنافساً بين المستخدمين تصل عدواه إلى وسائل الإعلام التقليدية، خصوصاً في الأخبار التي تثير الغرائز الحزبية والمذهبية.