اكتظاظ في مستشفيات العاصمة تونس

30 مارس 2017
زحمة وطوابير (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد قاعات الاستقبال في مستشفيات العاصمة التونسية ازدحاماً كبيراً، ولا يمكن تفويت الطوابير أمام مكاتب التسجيل ومئات المرضى في قاعات الانتظار قبيل خضوعهم لتحاليل أو لكشف صحي. يتكرّر ذلك يومياً، فيما تصادف أشخاصاً مستائين غاضبين بسبب تأجيل موعد علاجهم أو معاينتهم لأشهر، بسبب كثرة المرضى.

ويومياً، تسجّل حالات توتر بين الطاقم العامل من جهة والمرضى من جهة أخرى. ويشكو الطاقم من ضغط العمل اليومي بسبب كثرة المرضى، خصوصاً من عدم تفهّم المرضى ومرافقيهم أولويات الكشف والعلاج، ومن عدم تفهّمهم التمييز بين الحالة المستعجلة والحالة غير المستعجلة وما إلى ذلك.

نتيجة الاكتظاظ الكبير المسجّل، تعمّ الفوضى وتكثر شكاوى المرضى. هم يشكون من ضعف الخدمات، وطول الانتظار، وتباعد المواعيد، والنقص في الأدوية، وسوء التنظيم، والمحسوبية، وغيرها من المشاكل التي تجعل المؤسسات الصحية العمومية لا تحظى برضى قاصديها من مرضى ومرافقين لهم، على الرغم من جهود التأهيل ومعالجة النقائص في عملية تدعيم الطاقم الطبي وشبه الطبي.

وتتشابه حالات عدم الرضى بين قاصدي المستشفيات العمومية في العاصمة، ولا سيّما الآتين من الجهات الداخلية. فأزمة الاكتظاظ تعود أساساً إلى نقص في عشرات الاختصاصات في المستشفيات الجهوية، وهو الأمر الذي يدفع بأهالي المناطق الداخلية إلى التوافد على مستشفيات العاصمة بالمئات. فيأتون من أقصى الشمال، ومن أقصى الجنوب، ومن الوسط، ومن مختلف المدن والقرى. يأتون كباراً وصغاراً، وإن تطلّب الطريق رحلة قد تستمرّ عشر ساعات.

في أحد مستشفيات العاصمة، كان محمد خلف الله من منطقة جندوبة (شمال) يهمّ بالعودة من حيث أتى. فقد طُلب منه إجراء بعض صور إشعاعية غير متوفرة في مستشفى جهته لغياب التجهيزات. ولأنه غير قادر على تحمّل تكلفتها العالية في القطاع الخاص، قصد هذا المستشفى. لكنّ الاكتظاظ منعه من إجراء فحوصاته، الأمر الذي يعني اضطراره إلى العودة ثانية.



تجدر الإشارة إلى أنّ الخدمات الصحية المتوفرة في المستشفيات متطوّرة ومتقدمة، وهي تضاهي ما توفّره المصحات الخاصة، لكنّ ارتفاع عدد المرضى يجعل ذلك يبدو وكأنّه غير مجدٍ. فالمعنيون يضطرون إلى تأجيل مواعيد التحاليل أو الصور، ولا سيما في الحالات غير الطارئة والمستعجلة.

يقول منير وهو من الطاقم شبه الطبي في أحد المستشفيات، إنّ "الإقبال الكبير على مستشفيات العاصمة خلّف منذ سنوات ضغطاً كبيراً يؤدّي إلى تعكير الأجواء وإعاقة تأمين الخدمات، إلى جانب صعوبة التعامل مع الوافدين لعدم تفهّمهم بعض الأولويات ومراعاتها". يضيف أنّ ذلك يتسبب في فوضى ومشاكل بين الوافدين، أو بينهم وبين الطاقم الصحي. وقد يصل الأمر إلى حدّ العنف اللفظي والبدني أحياناً". ولا ينكر منير شكاوى المرضى القائلين إنّ الأطباء يؤجّلون في معظم الأوقات المواعيد، خصوصاً غير المستعجلة، مشدّداً على "ضرورة تأهيل المستشفيات الجهوية بالكوادر الطبية وشبه الطبية، إلى جانب التجهيزات حتى يخفّ الضغط عن مستشفيات العاصمة".

إلى الاكتظاظ وطول الانتظار وتأجيل المواعيد وتعطّل الآلات، ثمّة مشاكل أخرى يواجهها المرضى الذين يحتاجون إلى الاستشفاء. هؤلاء ينتظرون فرصة للحصول على سرير. ويُلحظ أحياناً "إقامة" بعض المرضى في بهو الأقسام لعدم توفّر أسرّة كافية. أحلام على سبيل المثال، تعاني منذ سنة من آلام نتيجة حصى في المرارة. ساءت حالتها قبل مدّة وهي اليوم في حاجة إلى عملية جراحية عاجلة، لكنّها لم تجد سريراً في المستشفى. فأدرج اسمها على قائمة انتظار خاصة بالمرضى الذين تتطلب حالاتهم إجراء تفتيت حصى.



في هذا السياق، أشارت المديرة العامة للمصالح المشتركة في وزارة الصحة، حنان عرفة، إلى أنّ خدمات المستشفيات ليست متردية إلى الحد الذي تتداوله وسائل الإعلام. لكنّها أقرّت في المقابل أنّ ثمّة مشاكل، منها طول فترة الانتظار، مؤكدة أنّ ذلك يُسجّل حتى في المصحات الخاصة أو مستشفيات الخارج. وأوضحت عرفة أنّ معدّل فترة الحصول على موعد بالنسبة إلى الأمراض العادية في تونس، يتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر للحالات غير الطارئة والمستعجلة، فيما تعالج الحالات الحرجة أو المستعجلة خلال ساعات. كذلك قالت إنّ وزارة الصحة تعمل حالياً على دعم مستشفيات الجهات الداخلية حتى يتمكن المرضى من التداوي لدى أطباء الاختصاص في جهاتهم، فلا يضطرون إلى التنقل لبلوغ المستشفيات الكبرى والجامعية في العاصمة. ومن شأن ذلك تقليص الاكتظاظ.

يذكر أنّ 70 في المائة من التونسيين يتلقون العلاج في المستشفيات العمومية، وفق كاتب عام النقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان للصحة العمومية، سامي السويحلي. كذلك نجد 120 طبيباً لكلّ 100 ألف من سكان تونس.


المساهمون