منع النقاب... سجال سياسي ومجتمعي في تونس

07 يوليو 2019
لطالما شكّل النقاب مسألة خلافية في تونس(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أثار قرار الحكومة التونسية فرض كشف الوجه على كلّ شخص يدخل إلى المؤسسات الحكومية، سجالاً ما بين مرحبين يطالبون بتعميمه في الشوارع والأماكن العامة، وما بين متخوفين من ضرب الحريات الفردية

أصدر رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، قراراً يمنع دخول أيّ شخص إلى المؤسسات الحكومية غير مكشوف الوجه، بما يقضي بمنع دخول مرتديات البرقع والنقاب، وكلّ من يخفي وجهه، وذلك لدواعٍ أمنية ووقائية. وأرسل الشاهد بقراره إلى الوزراء، والمحافظين، ورؤساء المؤسسات والمنشآت الحكومية، ورؤساء البلديات والجماعات المحلية، ليصبح نافذاً مباشرة، منذ يوم الجمعة الماضي. وجاء فيه: "في إطار الحفاظ على الأمن العام وحسن سير المرافق العمومية وضمان التطبيق الأمثل لمتطلبات السلامة يتعين اتخاذ الإجراءات الضرورية قصد منع أيّ شخص غير مكشوف الوجه من دخول الهياكل العمومية التابعة لكم". وشدد الشاهد في منشوره على حسن تطبيق إجراءات السلامة والحرص على تنفيذ القرار في جميع المؤسسات والمقرات الحكومية والعمومية.




جاء قرار الشاهد بعد العملية الإرهابية المزدوجة التي شهدتها العاصمة تونس الخميس قبل الماضي، وذهب ضحيتها عنصرا أمن ومواطن إلى جانب عدد من الجرحى، مع تواتر التهديدات والمخاوف من انتحاريين يعمدون إلى التنكر والتنقل مخفيي الوجوه لتنفيذ عمليات منفردة.

فرض الشاهد المنع بذريعة الإرهاب (ياسين قايدي/ الأناضول) 












تهديدات

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة، أياد الدهماني، في تصريح صحافي بخصوص أسباب إصدار قرار حكومي يمنع النقاب بالمؤسسات والإدارات العمومية: ''هناك أمور أمنية لا أريد أن أغوص فيها، لكنّ تقديرنا مبنيٌّ على المصلحة الوطنية وهذا القرار ضروري اليوم ولهذا سرنا فيه''. ولفت الدهماني إلى أنّ "من الطبيعي أن تكون هوية أي شخص في الفضاء العام معروفة وأن يكون وجهه مكشوفاً"، مضيفاً أنّ رئيس الحكومة كعادته تحمّل مسؤوليته.
وقال الوزير لدى رئيس الحكومة، المكلف بالهيئات الدستورية وحقوق الإنسان، العميد محمد الفاضل محفوظ، في تصريح صحافي إنّ قرار الشاهد "إجراء لا يحدّ من الحريات في جوهرها ففي الأصل يمكن أن تطرح مسألة حرية اللباس، لكن أمام الوضع الحالي الذي تمرّ به البلاد والوضع العالمي إجمالاً المتعلق بالإرهاب والعنف، فإنّ مثل هذا القرار لا يحدّ من الحريات في جوهرها". ودعا محفوظ كلّ من يتقدم بطلب للإدارة أن يكون مكشوف الوجه، لافتاً النظر إلى أنّ كلمات القرار الحكومي كانت واضحة.




من جانبها، تعتبر رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان التونسي، والقيادية بحزب النهضة، لطيفة الحباشي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ القرار، وإن لم يراعِ جانباً شكلياً في الحدّ من الحريات، فهو يبقى مبرراً بمقتضيات الحفاظ على أمن وسلامة الوطن. تضيف أنّ الدستور التونسي سمح بالحدّ من الحريات وفق مبدأي التناسب والضرورة، وفي هذه الحالة فإنّه جرى تقييد حرية اللباس بما لا يمسّ من جوهرها، طالما اقتصرت على المؤسسات العمومية، وذلك في سبيل غاية أخرى وهي ضمان إحدى الحريات الأساسية، وأهمها الحق في الأمن وفي الحياة.

تتابع الحباشي أنّ الظروف الاستثنائية التي تمرّ فيها تونس تبرر ما اتخذه رئيس الحكومة من إجراءات في إطار تأمين المؤسسات العمومية والمنشآت، والتحقق من هوية من يدخلها. تشير إلى أنّ كلّ المؤسسات اليوم مزودة بكاميرات مراقبة حتى يجري التعرف على الأشخاص الذين يلجؤون إليها، ويمكن التحقيق معهم في حال ارتكبوا جرائم إرهابية أو غيرها من الجرائم التي تهدد الأمن العام.

تكشف الحباشي أنّ حزب النهضة لم يجتمع بعد حتى يتخذ موقفاً من القرار الحكومي، لكنّ الاتجاه العام داخل النهضة يرى أنّ الحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة الإرهابية يبرر هذه الإجراءات. تقول في هذا الصدد إنّ "الأمن إذا فُقد واختلّ النظام العام تكون هناك فوضى وانفلات في البلاد قد يفقد خلالهما التونسيون حرياتهم وحقوقهم، لذلك، لا يمكن إلا دعم جميع جهود مكافحة الإرهاب والحفاظ على استقرار البلاد". تلفت إلى أنّ المتضررين من هذا القرار يمكنهم التوجه إلى القضاء الذي يعدّ الفيصل بين الجميع والضمانة الدستورية لحقوق المواطنين وحرياتهم.

حريات
يطرح قرار منع ارتداء النقاب والدخول به إلى المؤسسات العمومية جدالاً في تونس، بالرغم من اقتناع الغالبية بالوضع الاستثنائي وحالة الطوارئ التي تمرّ فيها البلاد، والتي تمكّن الحكومة من اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية، بالإضافة إلى أنّ النقاب ليس لباساً شائعاً في تونس. ويخشى حقوقيون من المسّ بالحقوق الفردية التي يكفلها دستور الثورة ومن بينها حق اللباس، إذ ينص الدستور على ضرورة سنّ قوانين لضمان الحريات الخاصة والفردية والحريات العامة.

هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها حظر ارتداء البرقع وإخفاء الوجه في تونس، حيث قدمت الكتلة الحرة التابعة لحزب مشروع تونس، عام 2016 مشروع قانون يمنع إخفاء الوجه في الأماكن العمومية بما يقضي منع ارتداء النقاب والبرقع في الشوارع والساحات العامة، لكنّ المشروع بقي فوق رفوف البرلمان، بسبب رفض عدة أطراف عرضه لأسباب تتعلق بالحريات، وأسباب أيديولوجية. وخلّف هذا المشروع منذ طرحه ردود فعل متابينة من الأحزاب والكتل ما بين مؤيد بشدة ومتحفظ ورافض خشية المسّ بالحريات الفردية للتونسيين والعودة بهم إلى مربع الاستبداد.




بدوره، أيد مفتي الديار التونسية السابق، حمدة سعيد، في تصريحات سابقة، منع ارتداء النقاب لضرورات أمنية، موضحاً أنّه "لولي الأمر الحق في تقييد المباح إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة منها حفظ النفس من المخاطر".

يقول النائب سهيل العلويني، رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان التونسي، لـ"العربي الجديد" في خصوص منع تغطية الوجه للأشخاص الذين يزورون الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية لأسباب أمنية، إنّه قرار يندرج ضمن صلاحيات رئيس الحكومة، مشيراً إلى أنّ تغطية الوجه ثبت أنّها تمسّ بالأمن العام، نظراً لخطورة الفترة التي تمرّ فيها البلاد. يضيف العلويني أنّه تقدم ضمن مجموعة من النواب سنة 2016 بمقترح قانون أشمل، لكنّه بقي في درج لجنة التشريع العام، مشيراً إلى أنّ المقترح معروض على المجلس وسيجري النظر فيه خلال الولاية البرلمانية الحالية أو المقبلة.

من جانبه، كشف النائب غازي الشواشي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، المعارض أنّ "من المؤكد ربط اتخاذ هذا القرار بدواعٍ أمنية ونحن معه... لكن، ليست كلّ منقبة تحمل فكراً متطرفا وتنتمي إلى جماعة إرهابية، فهناك لباس تقليدي تونسي يغطي الوجه وليس بنقاب". واقترح الشواشي أن تكلف موظفات نساء في مداخل المؤسسات بالكشف عن وجوه المنقبات وهويتهن قبل الدخول، مشيراً إلى أنّ تونس تمرّ في وضع أمني دقيق وحساس ومن الضروري سدّ جميع المنافذ أمام الإرهابيين منعاً لدخولهم إلى المؤسسات العمومية، لكن من دون المسّ بالحريات الفردية.

برز النقاب بقوة في أعقاب الثورة (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 












نتائج عكسية

في سياق متصل، يعتبر القيادي والنائب عن حزب "تحيا تونس"، الناصر جبيرة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ هذا القرار يمثل خطوة إيجابية نحو مزيد من الوقاية وحماية المواطنين ورجال الأمن والمؤسسات بسبب التهديدات والمخاطر الملموسة. وأشار إلى أنّ لدى السلطات معطيات عن المخاطر المحدقة بالبلاد والتي يجب اتخاذ تدابير خاصة للوقاية منها. وبيّن أنّه "لا خوف على الحريات، فالدستور يحميها، وقيادة البلاد حريصة على حماية الحريات والمسار الديمقراطي المهدد من قبل أعداء تونس".

وتداولت صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي مواقف تونسيين ومثقفين من قرار الحكومة، ففي وقت طالب كثيرون بتعميمه في الفضاءات العامة والشوارع وإصدار قانون صارم يضع حداً لارتداء النقاب في تونس، اعتبر آخرون أنّ في ذلك اعتداء على الحريات الفردية. وحذر البعض من أن يكون القرار مدخلاً لعودة الاستبداد وقمع النساء اللواتي يرتدين البرقع والنقاب بهدف التضييق على الحرية الدينية. وذهب آخرون إلى أنّ من ترغب في ارتداء البرقع فعليها التزام بيتها وعدم الاعتداء على حق الآخرين في الأمن والاستقرار.




واعتبر آخرون أنّ التذرع بحرية الأفراد لا يستقيم في وقت تتعرض فيه البلاد إلى تهديدات إرهابية، وتمرّ في وضع أمني دقيق، معتبرين أنّ أكبر الديمقراطيات منعت إخفاء الوجه والنقاب في الأماكن العامة، لحماية مواطنيها والمقيمين فيها، خصوصاً أنّ الإرهابي بات يتنكر بأكثر من وسيلة في سبيل تنفيذ مخططاته.

وشدد آخرون على أنّ منع المنقبات لن يجدي نفعاً بل سيؤدي إلى نتائج عكسية من خلال عزل فئة من المجتمع، وقد يفتح أبواب الغضب المجتمعي، ويتحول إلى نافذة لاستقطاب هذه الفئة المعزولة والمرفوضة مجتمعياً ووطنياً.