سمنة الكويت.. وجبات سريعة تهدّد الأطفال

06 أكتوبر 2016
هل ينجحون في التخلّص من بدانتهم بالرياضة؟ (Getty)
+ الخط -

تُعدّ السمنة الزائدة والبدانة من أمراض عصرنا، لا سيّما مع نمط الحياة السريع وغير الصحي، إذ نسقط من حساباتنا الغذاء السليم والحركة البدنية لصالح الوجبات السريعة والتكاسل. الكويتيون من أكثر الشعوب التي تعاني من هذه الأزمة.

تُعدّ الكويت من بين أكثر البلدان سمنة في العالم، وتراوح بحسب المؤشرات ما بين الدولة الرابعة والثامنة. وتبلغ نسب السمنة الزائدة لدى النساء فيها نحو 44 في المائة، بينما تبلغ لدى الرجال نحو 36 في المائة. وهذا الواقع المتمثّل في ارتفاع معدّلات السمنة الزائدة والبدانة في البلاد، يؤدّي إلى انتشار أمراض مزمنة عدّة، في مقدّمتها داء السكري من النوع الثاني.

وتصل نسبة عدد المصابين بالسكري في الكويت إلى 14 في المائة من مجموع السكان، أيّ ما يعادل 180 ألف شخص وهو رقم ضخم جداً. وقد أشار في هذا السياق الاتحاد الدولي لداء السكري إلى أنّ البدانة المؤدية إلى مرض السكري سوف تكون مسؤولة عن 37 في المائة من الوفيات المتوقعة في الكويت.

يقول الدكتور مصطفى سامح إنّ "أسباب السمنة في الكويت وفي الخليج العربي عموماً تعود إلى غياب ثقافة المشي عند الشعب، على خلفيّة حرارة الطقس المرتفعة ربما، على عكس الدول الأوروبية التي يمشي فيها المواطن ما يعادل خمسة كيلومترات يومياً. كذلك فإنّ مطاعم الوجبات السريعة وأسلوب الحياة غير الصحي، خصوصاً في الولائم، يتسببان في ارتفاع نسبة السمنة في الكويت وبلوغها أرقاماً قياسية عالمياً". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الحلّ الأوّل لمشكلة السمنة هو الوقاية عن طريق تشجيع الناس على اتباع نمط حياة صحي والانتساب إلى نوادٍ رياضية، إلى جانب تحذيرهم من الأطعمة المشبعة بالدهون. أمّا الحلّ الثاني من وجهة نظري، فهو فرض ضريبة على كلّ وجبة يشتريها الفرد من مطاعم الوجبات السريعة، وإلزام الأخيرة بتقليل نسب الدهون. لا بدّ من وضع معايير قياسية لا ينبغي تجاوزها لجهة نسب الدهون في الوجبة الواحدة". ويشدّد سامح على أنّ "وزارة التربية وإدارات المدارس تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، إذ إنّ أكثر حالات السمنة تبدأ خلال الطفولة، مع الإشارة إلى أنّ الطعام الذي يباع في متاجر المدرسة غير صحي ويتسبب في السمنة وأمراض أخرى".

وكانت إدارة التوجيه الفني العام لمادة الاقتصاد المنزلي في وزارة التربية قد أصدرت دراسة حذّرت فيها من انتشار السمنة بين تلاميذ مدارس الكويت وتلميذاتها. وجاء في الدراسة أنّ "السمنة باتت تهدد شريحة واسعة من هؤلاء نظراً للتغيير الذي طرأ على النمط المعيشي وانتشار المشروبات الغازية ومطاعم الوجبات السريعة وجنوح شرائح المجتمع نحو حياة التكنولوجيا العصرية. كلّ ذلك أدّى إلى انتشار السمنة بين التلاميذ بصورة مخيفة، يجب الانتباه إليها". أضافت أنّ "الوقت قد حان لوضع استراتيجية لمكافحة السمنة في مدارس الكويت التي تزايدت معدلاتها فيها بصورة ملحوظة وضرورة التكاتف من أجل بناء مجتمع صحي".




وتسعى وزارة التربية إلى إنشاء أندية صحية رياضية في المدارس للقضاء على مشكلة السمنة، كذلك تسعى إلى زيادة حصص التربية البدنية وجعلها أكثر إلزامية لجهة الدرجات والنجاح والرسوب. وتقول المتخصصة الاجتماعية في الوزارة مزيونة الفضلي إنّ "العبء الأكبر يقع على كاهل الوزارة في محاربة السمنة والقضاء عليها، خصوصاً بين أطفال المرحلة المتوسطة. فالآباء يفقدون في تلك المرحلة السيطرة على ما يأكله أبناؤهم ويشربونه خارج البيت". تضيف أنّ "الوزارة أطلقت حملات صحية تحثّ من خلالها التلاميذ على تقليل أوزانهم وترشدهم إلى الطعام الصحي النظيف". لكنّها تؤكّد على أنّ "كل هذه الجهود لن تكون ذات معنى من دون تعاون الأهالي ومراقبتهم أولادهم. كذلك يتوجّب على الجهات السيادية كوزارة التجارة والبلديات، حظر بيع المشروبات الغازية والوجبات السريعة للأطفال دون الرابعة عشرة، إذ هي التي تسبّب الضرر الأكبر عليهم". وتشير الفضلي إلى أنّ "الأمر بلغ ببعض التلاميذ إلى جلب وجباتهم السريعة معهم إلى المدارس في كلّ صباح، فاضطرت إداراتها إلى توقيفهم ومنعهم من أكلها، خشية ضررها".

في سياق متصل، تعدّ الكويت الأولى في العالم لجهة نسب جراحات البدانة من تكميم أو قصّ أو طيّ للمعدة. هذا ما يؤكده الطبيب الاستشاري في الجراحة العامة والجهاز الهضمي والمناظير في مستشفى مبارك الكبير، الدكتور خالد الشرف، والذي يوضح أنّ "أكبر عدد جراحات خاصة بتكميم المعدة يسجّل هنا، بالمقارنة مع عدد السكان، مع معدّل يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف عملية جراحية سنوياً". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "سبب كثرة هذه الجراحات، بالإضافة إلى نسب السمنة المرتفعة وتوفّر الدخل الذي يمكّن المصابين بالبدانة من إجرائها، هو سهولة القوانين الكويتية وتسامحها مع هذه النوع من الجراحات على عكس الدول الأوروبية والأميركية التي تفرض إجراءات مشدّدة عليها وتضع شروطاً قياسية يستلزم تطبيقها والالتزام بها وقتاً طويلاً".

ويشير في هذا الإطار طبيب استشاري في أحد مستشفيات الكويت الخاصة، فضّل عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "السياحة العلاجية من هذا النوع انتشرت في الكويت، إذ استقبلت مستشفياتها الخاصة في الفترة الماضية عشرات المرضى الألمان والبريطانيين الذين خضعوا لهذه العمليات هنا". ويشرح أنّ "هؤلاء لا يستطيعون الخضوع لها في بلدانهم، نظراً لصعوبة الإجراءات".

من جهته، يقول مدّرب كمال الأجسام مايكل ويل الذي يعمل في أحد أندية الكويت، إنّ "الأندية الصحية تمتلئ، خصوصاً في فصل الصيف، بمصابين بالسمنة الزائدة يرغبون في التخلّص منها لأسباب صحية واجتماعية. لكنّ المشكلة هي أنّ الجميع لا يملك الصبر على التدريب الشاق واتباع نمط حياة صحي، فيكون اللجوء إلى العمليات الجراحية". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "أسلوب الحياة غير الصحي في الكويت مخيف كلياً. سبق وعملت في السعودية، وهناك أيضاً نمط الحياة غير صحي، لجهة الإسراف في الأكل وإقامة الولائم الكبيرة. بالتالي تصبح المحافطة على وزن مثالي أمراً شاقاً جداً، في حين أنّ درجات الحرارة المرتفعة في الصيف والرطوبة تحبط في الفرد الرغبة في المشي وممارسة الرياضة في الهواء الطلق".

دلالات
المساهمون