حين يهاب الاحتلال طفلاً في الثالثة

29 اغسطس 2019
يردّد في المنزل "طخ... طخ" (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يتوقّع الأسير المحرّر مهدي أحمد ظاهر، وهو من مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، أن تعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي طفله قصي (ثلاثة أعوام وخمسة أشهر)، وتتحوّل لحظات الإفراج عن مهدي (25 عاماً) عند حاجز رنتيس على أراضي قرية رنتيس غرب رام الله، إلى توتّر وقلق استمر أكثر من ساعة قبل الإفراج عن قصي ووالده.

يقول مهدي ظاهر لـ "العربي الجديد": "بعد وصولي إلى حاجز رنتيس، احتجزت لبعض الوقت قبل أن أتفاجأ بوجود طفلي قصي محتجزاً في غرفة أخرى عند الحاجز ذاته. حينها، صدمت وسألت جنود الاحتلال عما يجري. لماذا قصي هنا؟ إنه طفل لا يستطيع حتى الكلام بطلاقة، لكن جنود الاحتلال لم يستجيبوا إلي". وحين رأى مهدي قصي وأيقن أنّ طفله قد رآه، طلب أن يقبله ويحتضنه، لكن جنود الاحتلال اختاروا المماطلة، ورفضوا أن يقبل مهدي طفله الصغير ويحتضنه ويسلم عليه. وحين أخرج مهدي للجنود ورقة تثبت أنه قد أفرج عنه من سجون الاحتلال منذ لحظات، أصروا على المماطلة بحجة الفحص. بعدها أفرجوا عن مهدي وقصي. ويوضح مهدي: "كان قصي يشعر بالخوف. وبعد الإفراج عنه، تذكّر جنود الاحتلال وسلاحهم وصراخهم وهجومهم عليه، بل إنه ما زال يعيش صدمة ما جرى. حين أناديه، يخاف وتظهر عليه علامات التوتر".

عصر يوم الجمعة الماضي، انطلق أحمد حامد ظاهر (أبو محمد)، وعدد من أبنائه وأقاربه نحو حاجز رنتيس غرب رام الله، من أجل استقبال ابنه مهدي عقب الإفراج عنه من سجن هداريم الإسرائيلي، بعد اعتقال استمر نحو عام، واصطحب معه قصي ابن مهدي. لكن المفاجأة أنه لدى وصوله بسيارته إلى الحاجز، حاوط جنود الاحتلال السيارة، وفتحوا الباب واعتقلوا قصي.




يوضح أبو محمد لـ "العربي الجديد" أن "قصي كان يشرب المياه. وحين فرغت القارورة، رماها من نافذة السيارة مع اقترابنا من الحاجز، لكن جنود الاحتلال هاجموا السيارة واعتقلوا قصي، الذي عاش لحظات من الخوف والرعب لطفل لا يعرف أن يتكلم. حينها، بدأت بالصراخ وأخبرتهم باللغة العبرية أن قصي طفل صغير لكن أحد جنود الاحتلال حاول الاعتداء علي ودفعني، وبدأوا باستجوابنا حول سبب وجودنا قرب الحاجز. وحين أخبرناهم أن ابني مهدي سيخرج من السجن، احتجزوا الطفل قصي في غرفة عند الحاجز، وأخذوا معهم القارورة لفحصها. وكانت المفاجأة أنه لدى وصول مهدي إلى الحاجز، احتجزوه في غرفة أخرى". ويؤكد أبو محمد أن قصي كان في حالة نفسية صعبة جداً لدى احتجازه، بل إنه ما زال يعيش أجواء من التوتر والقلق، ولا يعرف النوم جيداً حتى الآن. يضيف: "الاحتلال لا يفرق بين صغير وكبير".

محمد ظاهر عم قصي يوضح لـ "العربي الجديد" أن ابن شقيقه قصي شهد اعتقال والده أكثر من مرة، وقد اعتقل مهدي لنحو عامين ونصف العام، على الرغم من أن العائلة تهيئ أطفالها حتى لا يخافوا الاحتلال وعنجهيته. إلا أن قصي عاش توتراً وما زال يعاني حتى اليوم. "قصي الآن في حالة من القلق والتوتر، ولا يتفاعل مع الجميع كما في السابق. وحين نسأله إذا كان خائفاً، يجيب طخ طخ، في إشارة إلى جنود الاحتلال الذين يحملون السلاح".

أما حامد ظاهر، العم الآخر لقصي، والذي جاء ليستقبل بفرح شقيقه مهدي، ووقف قرب حاجز رنتيس ينتظر خروج مهدي وطفله قصي، فيقول إنه لم يتوقع، كما يشير في حديث لـ "العربي الجديد"، أن يتم احتجاز قصي الطفل الذي لا يعرف الكلام جيداً. حامد يتذكر لحظات صعبة عاشتها العائلة ما بين انتظار مهدي السجين والفرحة بالإفراج عنه وبين صعوبة المشهد باعتقال الطفل قصي. ويوضح حامد: "أخذوا قصي معهم. كان يبكي ويصرخ ثم وضعوه في غرفة عند الحاجز. بعدها، احتجزوا مهدي لحظة وصوله من سجن هداريم في البوسطة في غرفة ثانية، وبقي الحال كذلك لأكثر من ساعة، إلى أن أفرج عن مهدي وطفله. وعلى الرغم من الإفراج عنه، ما زال قصي يعيش صدمة نتيجة ما حدث، ويردد طخ، جيش، طخ طخ، في إشارة إلى جنود الاحتلال المدججين بالسلاح".



تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات الاحتلال تحاول ترهيب الأطفال الفلسطينيين كلّما سنحت لها الفرصة بذلك. وعلى سبيل المثال، سبق لتلك السلطات أن استدعت الطفلة ملاك شادي سدر (8 سنوات)، من مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، بعد مداهمة منزل عائلتها في وسط المدينة، مطلع الشهر الجاري، وسلّمت والدها بلاغاً للتحقيق معها بتهمة مضايقة المستوطنين.