يشكل الأقباط أحد مكونات المجتمع السوداني، إلا أن حظوظهم في المناصب كانت قليلة، ليأتي تعيين رجاء نيكولا عبد المسيح عضواً في مجلس السيادة كسابقة تاريخية
احتفت أوساط سياسيّة ومجتمعية في السودان الأسبوع الماضي باختيار المستشارة في وزارة العدل رجاء نيكولا عبد المسيح عضواً في مجلس السيادة، وهو أعلى منصب يصل إليه أحد أبناء الطائفة القبطية خلال التاريخ السياسي الحديث للبلاد.
وبقي إشراك الأقباط، الذين هاجرت غالبيتهم من مصر في عصور بعيدة، في إدارة السودان خجولاً، وقد بدأ في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري، الذي عيّن موريس سدرة وزيراً للصحة، ووديع حبشي وزيراً للزراعة. وعمد نظام الرئيس المعزول عمر البشير إلى التقرّب من الأقباط، وكان أحد أبرز رموز الطائفة فيلوثاوس فرج، عضواً في المكتب القيادي، وهو أعلى سلطة تنفيذية في حزب المؤتمر الوطني، في وقت اختير آخرون ليكونوا أعضاء في مجالس تشريعية مركزية وولائية.
وجاء تعيين عبد المسيح في المنصب السيادي بتوافق بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، اللذين كانا يبحثان عن عضو حادي عشر في مجلس السيادة، بعدما تقاسما عضويته مناصفة بواقع خمسة أعضاء للعسكريين وخمسة للمدنيين، استناداً إلى اتفاق سياسي ودستوري وقّع في 17 من الشهر الجاري.
اقــرأ أيضاً
وعبد المسيح من مواليد أم درمان، غرب الخرطوم، وقد أتمّت دراستها الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس الراهبات "كمبوني"، وحصلت في عام 1980 على درجة الليسانس في القانون من جامعة القاهرة ـ فرع الخرطوم. وبعد اجتيازها امتحان المعادلة، التحقت بوزارة العدل، وتنقلت بين عدد من الإدارات، أبرزها إدارة الاتفاقيات الدولية وإدارة المحاماة والنائب العام. ووصلت إلى درجة مستشار (تعادل درجة قاض في المحكمة العليا)، كما عملت مستشارة قانونية لبنك السودان ووزارة الصناعة ومصلحة الأراضي وصندوق الخريجين ووزارة الشؤون البرلمانية، وكانت عضواً في مفوضية مراعاة حقوق غير المسلمين في الخرطوم.
في عام 2015، اضطرّها مرض والدتها إلى التقاعد الاختياري للاعتناء بها. تقول عبد المسيح لـ"العربي الجديد": "فضّلت التخلي عن العمل من أجل والدتي لأنني لم أعتد التغيّب عن العمل وتكرار الأعذار، فكان التقاعد أفضل خيار". ولعبد المسيح عدد من الدراسات، منها دراسة حول موضوع "تركات غير المسلمين". كما شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية واللجان الخارجية، وقد حازت على زمالة العلوم الإدارية من أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، عدا عن مشاركتها في دورات تدريبية حول فن التفاوض ولغة الجسد.
تقول عبد المسيح لـ"العربي الجديد": "بعد إبلاغي باختياري عضواً في مجلس السيادة، رفضت المنصب كلياً لأنني خشيت مهمة صعبة كهذه". ثمّ عادت ووافقت بعد إصرار الفريقين العسكري والمدني، وقد أكدا لها رغبتهما بالعمل من أجل حلحلة المشاكل العميقة في البلاد.
توضح أن سبب خشيتها مرتبط بالتحديات الاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية التي تواجه السودان في الوقت الراهن، إضافة إلى التحدي الأهم المتعلق بتحقيق السلام ومواجهة الكوارث الطبيعية الحالية المتمثلة في الفيضانات والسيول التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد، مشيرة إلى أن المجلس السيادي، ومنذ تعيينه، يعقد اجتماعات متتالية لبحث كافة المشاكل.
لا ترى عبد المسيح أنها اختيرت كونها ممثلة للأقباط فقط، بل لجميع السودانيين، كونها مواطنة سودانية من أبوين سودانيين. وتشير إلى أن الدساتير السودانية ظلت تحتفظ بحقوق غير المسلمين، في ظل عدم تفعيل بنودها، ما تسبب في إبعاد غير المسلمين عن المناصب العليا في الدولة والخدمة المدنية. من جهته، يقول وجيه فيكتور، مدير ديوان مطرانية أم درمان، إنّ عبد المسيح تستحق هذا التعيين بسبب كفاءاتها العالية في المجال القانوني. ويبيّن أنّ مثل هذه الخطوة تأخرت كثيراً خلال العقود الماضية، على الرغم من أن الطائفة الموالية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية جزء أصيل من المكونات الاجتماعية في البلاد.
وما من إحصائيات رسمية حول عدد الأقباط في السودان، الموزعين على أكثر من مدينة، مثل أم درمان وعطبرة (شمالاً)، وكسلا (شرقاً)، والأبيض (غرباً). لكن بعض الإحصائيات تقدّر عددهم بنحو 500 ألف نسمة، وهو ما يشكّك فيه فيكتور الذي يؤكد أن أي إحصاءات يمكن أن تقال غير صحيحة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن عبد المسيح لن تقدم خدماتها خلال السنوات المقبلة للأقباط فقط، بل لجميع السودانيين، مشيراً إلى الإسهام المجتمعي الكبير للطائفة وعيشها في تسامح مع المسلمين وغيرهم من الطوائف. يضيف أن أبناء الطائفة كان لهم وجود مؤثر في الخدمة المدنية ومجال التعليم والطب والمصارف. ويوضح أن مساهمتهم المجتمعية تصل إلى حد تجهيز الإفطارات الرمضانية وتوزيعها على الصائمين خلال شهر رمضان، عدا عن مشاركتهم في كل أعياد المسلمين، كما يشاركهم المسلمون أعيادهم.
كما يوضح أنّ حصر الأقباط الزواج داخل أفراد الطائفة القبطية، والذي يفسره البعض انغلاقاً مجتمعياً، يأتي التزاماً بقانون الكنيسة القبطية التي لا تقبل الزواج حتى من الطوائف المسيحية الأخرى، عازياً هجرة مجموعات من الأقباط إلى أوروبا خلال السنوات الماضية إلى شعورهم بعدم تمتعهم بكافة الحقوق. ويؤكّد أن الأقباط يحلمون مثل غيرهم من السودانيين بتحول البلاد إلى دولة عظمى تقوم أولاً وأخيراً على الأخلاق والالتزام بحقوق المواطنة، والاستفادة من الأراضي الزراعية الشاسعة قبل ظهور النفط والذهب وبعده في البلاد.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول مجدي عبد العزيز، محافظ أم درمان السابق، حيث تعيش غالبية الأقباط، إن وجود الأقباط في مدينة أم درمان العتيقة، قديم جداً، وقد عرفوا بأنشطتهم الاجتماعية والثقافية الكثيرة مع الاحتفاظ بديانتهم، على الرغم من التقلبات أيام الدولة المهدية (1885 ــ 1898)، وهي دولة دينية أنشأها الإمام محمد أحمد المهدي. ويشير عبد العزيز إلى أن الأقباط لم يكونوا مكوّناً رئيسياً في السياسة حتى في أيام الاستعمار البريطاني (1898ــ 1956)، منوهاً بأنهم حرصوا دوماً وأبداً على تعزيز قيم التسامح والتعايش مع الآخر وبناء علاقات إنسانية داخل مجتمع أم درمان.
واشتهر الأقباط بالعمل في التجارة البسيطة، مثل الأواني المنزلية، إلا أن البعض تضرر كثيراً بعد إعلان حكومة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري تنفيذ أحكام الشريعة، علماً أنهم كانوا يركزون في تجارتهم على بيع المشروبات الكحولية، وقد أمر نميري بإغلاق المحال التي تبيعها. واهتمت الطائفة بتعليم أبنائها في مدارس خاصة، وقد خرّجت عدداً كبيراً من الأطباء والمحاسبين الذين عملوا في المؤسسات الحكومية أو المصارف أو الشركات الخاصة وغيرها، موضحاً أن كثيرين منهم هاجروا إلى أوروبا، لكنهم عادوا خلال السنوات الأخيرة وافتتحوا مشاريع تجارية، وقد برز العديد من رجال الأعمال من صفوفهم. يضيف أن للأقباط مساهمات إنسانية خيرية ظاهرة، مثل مبادرة الأطباء لتوفير العلاج المجاني للفقراء في بعض أيام الأسبوع. ويوضح عبد العزيز أن تعيين رجاء نيكولا عبد المسيح عضواً في مجلس السيادة خطوة إيجابية تعطي رسالة للعالم عن التسامح الديني في السودان وحرية والأديان وعدم التمييز.
وبقي إشراك الأقباط، الذين هاجرت غالبيتهم من مصر في عصور بعيدة، في إدارة السودان خجولاً، وقد بدأ في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري، الذي عيّن موريس سدرة وزيراً للصحة، ووديع حبشي وزيراً للزراعة. وعمد نظام الرئيس المعزول عمر البشير إلى التقرّب من الأقباط، وكان أحد أبرز رموز الطائفة فيلوثاوس فرج، عضواً في المكتب القيادي، وهو أعلى سلطة تنفيذية في حزب المؤتمر الوطني، في وقت اختير آخرون ليكونوا أعضاء في مجالس تشريعية مركزية وولائية.
وجاء تعيين عبد المسيح في المنصب السيادي بتوافق بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، اللذين كانا يبحثان عن عضو حادي عشر في مجلس السيادة، بعدما تقاسما عضويته مناصفة بواقع خمسة أعضاء للعسكريين وخمسة للمدنيين، استناداً إلى اتفاق سياسي ودستوري وقّع في 17 من الشهر الجاري.
وعبد المسيح من مواليد أم درمان، غرب الخرطوم، وقد أتمّت دراستها الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس الراهبات "كمبوني"، وحصلت في عام 1980 على درجة الليسانس في القانون من جامعة القاهرة ـ فرع الخرطوم. وبعد اجتيازها امتحان المعادلة، التحقت بوزارة العدل، وتنقلت بين عدد من الإدارات، أبرزها إدارة الاتفاقيات الدولية وإدارة المحاماة والنائب العام. ووصلت إلى درجة مستشار (تعادل درجة قاض في المحكمة العليا)، كما عملت مستشارة قانونية لبنك السودان ووزارة الصناعة ومصلحة الأراضي وصندوق الخريجين ووزارة الشؤون البرلمانية، وكانت عضواً في مفوضية مراعاة حقوق غير المسلمين في الخرطوم.
في عام 2015، اضطرّها مرض والدتها إلى التقاعد الاختياري للاعتناء بها. تقول عبد المسيح لـ"العربي الجديد": "فضّلت التخلي عن العمل من أجل والدتي لأنني لم أعتد التغيّب عن العمل وتكرار الأعذار، فكان التقاعد أفضل خيار". ولعبد المسيح عدد من الدراسات، منها دراسة حول موضوع "تركات غير المسلمين". كما شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية واللجان الخارجية، وقد حازت على زمالة العلوم الإدارية من أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، عدا عن مشاركتها في دورات تدريبية حول فن التفاوض ولغة الجسد.
تقول عبد المسيح لـ"العربي الجديد": "بعد إبلاغي باختياري عضواً في مجلس السيادة، رفضت المنصب كلياً لأنني خشيت مهمة صعبة كهذه". ثمّ عادت ووافقت بعد إصرار الفريقين العسكري والمدني، وقد أكدا لها رغبتهما بالعمل من أجل حلحلة المشاكل العميقة في البلاد.
توضح أن سبب خشيتها مرتبط بالتحديات الاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية التي تواجه السودان في الوقت الراهن، إضافة إلى التحدي الأهم المتعلق بتحقيق السلام ومواجهة الكوارث الطبيعية الحالية المتمثلة في الفيضانات والسيول التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد، مشيرة إلى أن المجلس السيادي، ومنذ تعيينه، يعقد اجتماعات متتالية لبحث كافة المشاكل.
لا ترى عبد المسيح أنها اختيرت كونها ممثلة للأقباط فقط، بل لجميع السودانيين، كونها مواطنة سودانية من أبوين سودانيين. وتشير إلى أن الدساتير السودانية ظلت تحتفظ بحقوق غير المسلمين، في ظل عدم تفعيل بنودها، ما تسبب في إبعاد غير المسلمين عن المناصب العليا في الدولة والخدمة المدنية. من جهته، يقول وجيه فيكتور، مدير ديوان مطرانية أم درمان، إنّ عبد المسيح تستحق هذا التعيين بسبب كفاءاتها العالية في المجال القانوني. ويبيّن أنّ مثل هذه الخطوة تأخرت كثيراً خلال العقود الماضية، على الرغم من أن الطائفة الموالية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية جزء أصيل من المكونات الاجتماعية في البلاد.
وما من إحصائيات رسمية حول عدد الأقباط في السودان، الموزعين على أكثر من مدينة، مثل أم درمان وعطبرة (شمالاً)، وكسلا (شرقاً)، والأبيض (غرباً). لكن بعض الإحصائيات تقدّر عددهم بنحو 500 ألف نسمة، وهو ما يشكّك فيه فيكتور الذي يؤكد أن أي إحصاءات يمكن أن تقال غير صحيحة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن عبد المسيح لن تقدم خدماتها خلال السنوات المقبلة للأقباط فقط، بل لجميع السودانيين، مشيراً إلى الإسهام المجتمعي الكبير للطائفة وعيشها في تسامح مع المسلمين وغيرهم من الطوائف. يضيف أن أبناء الطائفة كان لهم وجود مؤثر في الخدمة المدنية ومجال التعليم والطب والمصارف. ويوضح أن مساهمتهم المجتمعية تصل إلى حد تجهيز الإفطارات الرمضانية وتوزيعها على الصائمين خلال شهر رمضان، عدا عن مشاركتهم في كل أعياد المسلمين، كما يشاركهم المسلمون أعيادهم.
كما يوضح أنّ حصر الأقباط الزواج داخل أفراد الطائفة القبطية، والذي يفسره البعض انغلاقاً مجتمعياً، يأتي التزاماً بقانون الكنيسة القبطية التي لا تقبل الزواج حتى من الطوائف المسيحية الأخرى، عازياً هجرة مجموعات من الأقباط إلى أوروبا خلال السنوات الماضية إلى شعورهم بعدم تمتعهم بكافة الحقوق. ويؤكّد أن الأقباط يحلمون مثل غيرهم من السودانيين بتحول البلاد إلى دولة عظمى تقوم أولاً وأخيراً على الأخلاق والالتزام بحقوق المواطنة، والاستفادة من الأراضي الزراعية الشاسعة قبل ظهور النفط والذهب وبعده في البلاد.
من جهته، يقول مجدي عبد العزيز، محافظ أم درمان السابق، حيث تعيش غالبية الأقباط، إن وجود الأقباط في مدينة أم درمان العتيقة، قديم جداً، وقد عرفوا بأنشطتهم الاجتماعية والثقافية الكثيرة مع الاحتفاظ بديانتهم، على الرغم من التقلبات أيام الدولة المهدية (1885 ــ 1898)، وهي دولة دينية أنشأها الإمام محمد أحمد المهدي. ويشير عبد العزيز إلى أن الأقباط لم يكونوا مكوّناً رئيسياً في السياسة حتى في أيام الاستعمار البريطاني (1898ــ 1956)، منوهاً بأنهم حرصوا دوماً وأبداً على تعزيز قيم التسامح والتعايش مع الآخر وبناء علاقات إنسانية داخل مجتمع أم درمان.
واشتهر الأقباط بالعمل في التجارة البسيطة، مثل الأواني المنزلية، إلا أن البعض تضرر كثيراً بعد إعلان حكومة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري تنفيذ أحكام الشريعة، علماً أنهم كانوا يركزون في تجارتهم على بيع المشروبات الكحولية، وقد أمر نميري بإغلاق المحال التي تبيعها. واهتمت الطائفة بتعليم أبنائها في مدارس خاصة، وقد خرّجت عدداً كبيراً من الأطباء والمحاسبين الذين عملوا في المؤسسات الحكومية أو المصارف أو الشركات الخاصة وغيرها، موضحاً أن كثيرين منهم هاجروا إلى أوروبا، لكنهم عادوا خلال السنوات الأخيرة وافتتحوا مشاريع تجارية، وقد برز العديد من رجال الأعمال من صفوفهم. يضيف أن للأقباط مساهمات إنسانية خيرية ظاهرة، مثل مبادرة الأطباء لتوفير العلاج المجاني للفقراء في بعض أيام الأسبوع. ويوضح عبد العزيز أن تعيين رجاء نيكولا عبد المسيح عضواً في مجلس السيادة خطوة إيجابية تعطي رسالة للعالم عن التسامح الديني في السودان وحرية والأديان وعدم التمييز.