زهرة اعتضاد السلطنة.. إيرانيّة ترسمُ بقدميها وتدرّس الفنون للمعوّقين

27 يونيو 2015
كانت في الرابعة عندما بدأت الرسم (العربي الجديد)
+ الخط -
تملأُ زهرة اعتضاد السلطنة منزلها بلوحاتها والجوائز التي حصلت عليها. أينما تنظر، ستجد قطعة فنية صنعتها بقدميها. تحرص على عرضها جميعاً، وتتذكّر جيداً مشاركاتها في العديد من المعارض داخل إيران وخارجها، هي التي تلقت دعوات كثيرة لعرض أعمالها في معارض فنية في لبنان والإمارات والكويت وقطر وغيرها، بالإضافة إلى كونها عضواً في نادي الرسامين في ألمانيا.

تقول زهرة إنها فخورة بما تعلمته طيلة سنواتها الأربعين. تشعرُ بالرضا على الرغم من أنها لم تكن تتقبل وضعها في السابق. فقد ولدت وهي تعاني من تشوّه خلقي، إذ ليس لديها يدين. وقد أدركت هذا الواقع عندما بلغت الرابعة من عمرها، لتبدأ "معركتها مع الحياة".

تروي قصتها لـ "العربي الجديد". بدأت الحكاية منذ أن بدأت تنظر إلى غيرها من الأطفال، لتنتبه إلى أنها مختلفة عنهم. وعلى الرغم من أنها كانت في الرابعة، تذكر جيداً أن التحدي الأول كان حين أعطتها والدتها ورقة بيضاء وأقلاماً ملونة خشبية، وأخبرتها أن عليها تعلّم التقاط الأقلام بأصابع قدميها لتبدأ الكتابة والرسم، ومنعتها من إمساك أي قلم من خلال فمها.

أدركت لاحقاً سبب إصرار والدتها على ذلك. فلو قرّرت الكتابة بفمها، لأثّر الأمر على عمودها الفقري. بدأت الرسم والتلوين، بعدما اعتادت التقاط جميع الأشياء من حولها بقدميها. كان الأمر صعباً، لكن أمها بقيت تجلس إلى جانبها لتشجيعها. حانَ وقت الانضمام إلى مقاعد المدرسة الابتدائية. في ذلك الوقت، رفضتها جميع المدارس بسبب وضعها الخاص، وكانت هذه الصفعة الأولى.

حرصت والدتها على تعليمها في المنزل، وتابعت محاولاتها مع المدارس. في ذلك الوقت، لم يكن هناك مراكز متخصصة للحالات المشابهة، إلى أن استقبلتها مدرسة للصم والبكم لمدة قصيرة، فكانت مضطرة لتعلّم لغة الإشارة التي ساعدتها في حياتها المهنية، وبدأت الاختلاط مع الآخرين. تقول: "كان ذلك أكثر صعوبة بالنسبة إلي من إمساك الأقلام بقدمي".

حين أصبحت في العاشرة من عمرها، افتتحت إحدى المدارس القريبة من منزلها صفاً للحالات الخاصة، وكان غالبية الأطفال يعانون من تشوهات خلقية. استطاعت إكمال تعليمها والتحقت لاحقاً بصفوف عادية، وصار استخدام الأقلام والكتب بقدميها أمراً طبيعياً. تقول إنها تخطّت خوفها من المجتمع تدريجياً. وعندما كبرت، عرفت أن المصاعب التي مرّت بها ساعدتها كثيراً لمتابعة حياتها.

خلال سنوات دراستها الجامعية في كلية علم النفس، عملت في أماكن عدة، وعلّمت في مدرسة للصم والبكم، بالإضافة إلى عملها مرشدة اجتماعية في مدارس عدة، وقد روت للأطفال قصتها ليتعلموا منها معنى الإرادة.

لكن قصتها مع الفن مختلفة. خلال دراستها الجامعية، قرأت في إحدى الصحف إعلاناً لدورات تدريبية في نقابة الخطاطين في العاصمة طهران. قررت المحاولة. تلفت إلى أن النقابة كانت تقبل فقط الأشخاص المميزين، ولم تكن تتوقع اختيارها.

دخلت إلى الصف ولم ترد أن يلحظ زملاءها حالتها الصحية. غطت نفسها بالشادور (عباءة)، وبدأت الكتابة بالريشة مستخدمة قدميها، ما أذهل أستاذ التخطيط عبد الله فرادي. علّمها التخطيط ووقعت بحب الريشة والألوان، وتذكرت أن الألوان الخشبية التي أعطتها إياها والدتها كانت السبب في نجاحها.

استمرّت بتلقي الدروس الخصوصية في التخطيط والرسم، وتعلمت فنوناً أخرى كالأشغال اليدوية وحياكة السجاد والرسم على الأواني. لم تنته قصة الإصرار والنجاح هنا، فالجوائز ومشاركاتها في المعارض لم تكن كافية بالنسبة إليها. قرّرت مساعدة من يعانون من تشوهات خلقية. فتحت باب منزلها لأشخاص لديهم معاناة مشابهة، فهي ما زالت تذكر كم عانت حتى استطاعت الالتحاق بالمدرسة. تشير إلى أن "الانخراط في المجتمع يتطلب أموراً كثيرة، منها قدرة الإنسان على تحقيق ما يريد".

في أحد الأيام، أتى روح الله إلى منزلها، وهو طفل في الثامنة من العمر، لجأت عائلته الأفغانية إلى إيران هرباً من هول الحرب في بلادها. كان قد فقد ذراعيه إثر حريق كبير.

يقصد روح الله زهرة اليوم بشكل شبه يومي ليكتب وظائفه ويقرأ دروسه مستخدماً قدميه. تعلّمه الرسم والتلوين، قائلة إن "حالات من هذا النوع بحاجة للمتابعة بشكل دائم، فهي لن تنسى الصعوبات والتحديات التي مرت بها طيلة حياتها". تقول إن تحويل منزلها إلى مدرسة صغيرة لاستقبال من يرغبون بتعلم الكتابة والرسم وغيرها من الفنون التي تتقنها يرضيها. الأهم بالنسبة إليها هو الشعور بالرضا الداخلي. تضيف: "هذا ما جعلني أقف على قدمي".

إقرأ أيضاً: فنانة شابة عالقة في جسد طفل
المساهمون