بحيرة أرومية الإيرانية... عودة إلى الحياة بعد جفاف طال

12 يوليو 2019
صورة تذكارية في عرض البحيرة (سكوت بيترسون/ Getty)
+ الخط -
بدأت القصة الحزينة لبحيرة أرومية، الواقعة شمالي غربي إيران، قبل نحو عقدَين من الزمن. من دون أن يتنبّه أحد، صارت تضعف شيئاً فشيئاً وقد ضربها الجفاف، حتى كادت تفارق الحياة مع بداية عام 2019 بعدما فشلت كل التدابير التي اتّخذت في إنعاشها.

لكنّ الطبيعة أحيتها من جديد، مع الأمطار الغزيرة التي انهمرت والسيول التي صبّت فيها خلال الشهور الأخيرة، والتي لم يسبق لها مثيل في العقود الماضية. وعادت بحيرة أرومية لترحّب مجدداً بالطيور المهاجرة والسيّاح.
تُعَدّ بحيرة أرومية أكبر البحيرات في الشرق الأوسط وسادس أكبر البحيرات المالحة حول العالم. وهي تقع على بعد 20 كيلومتراً شرقي مدينة أرومية عاصمة محافظة أذربَيجان الغربية.
وحسب الدراسات الجيولوجية التي أعدّها العلماء استناداً إلى رواسب البحيرة، فقد قُدّر عمرها بنحو 13 ألف عام، وهي تحتضن 102 جزيرة صغيرة وكبيرة، فيما تذخر البيئة المحيطة بها اليوم بنحو 550 فئة نباتية.
وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت في عام 1976 المنطقة المحيطة ببحيرة أرومية، والتي تمتدّ بين محافظتي أذربَيجان الغربية وأذربَيجان الشرقية، والتي تبلغ مساحتها 462 ألفاً و600 هكتار متنزهاً وحديقة وطنية محميّة. وفي عام 1976، صارت بحيرة أرومية محميّة بموجب اتفافية "رامسار" الدولية التي تهدف إلى الحفاظ على المناطق المائية والاستخدام المستدام لها.
من جهتها، أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على قائمة محميات المحيط الحيوي في عام 1978.
تتغذّى بحيرة أرومية من مجموعة من الروافد تصبّ فيها من ثلاث محافظات هي أذربَيجان الغربية وأذربَيجان الشرقية وكردستان، وذلك من أنهر دائمة وأخرى موسمية. وتبلغ مساحة حوض البحيرة ومناطق ومنابع وتجمّعات المياه الوافدة إليها، 51 ألفاً 867 كيلومتراً مربّعاً. يذكر أنّ مساحة بحيرة أرومية نفسها، حتى تسعينيات القرن الماضي، كانت تُقدّر بخمسة آلاف و200 كيلومتر مربّع، وكانت تفيض بالمياه لتتعدى حدودها أحياناً إلى الطرقات المحيطة بها. لكنّ منسوب المياه فيها راح يتراجع منذ عام 1998، ليبلغ نحو ثمانية أمتار في خلال العقدَين الأخيرَين، أي بمعدّل 40 سنتيمتراً سنوياً. بالتالي، تقلّصت مساحتها لتبلغ نحو ألف و770 كيلومتراً مربّعاً.
وحسب بيانات عالمية، جفّت حتى عام 2015 نحو 70 في المائة من مساحتها التاريخية. أمّا حجم مياه البحيرة، فقد انخفض في خلال العقدَين الأخيرَين ليصل إلى مليار و120 مليون متر مكعّب.



وثمّة أسباب عدّة وراء الكارثة التي طاولت بحيرة أرومية، لعلّ أبرزها التغيّرات المناخية في عموم إيران والتي أدّت إلى تراجع مستمر في نسبة الأمطار المتساقطة، إلى جانب ارتفاع في استهلاك مياه حوض البحيرة لأغراض زراعية. بالتالي انخفضت نسبة المياه التي تغذّي البحيرة بصورة كبيرة، الأمر الذي أدّى إلى فقدانها أكثر من ثلثَي مساحتها.

نظراً إلى أهمية بحيرة أرومية التاريخية والسياحية والرمزية، فإنّ مخاوف كبيرة نشأت من استمرار جفافها. لم تقتصر تلك المخاوف على احتمال فقدان هذا المعلم البيئي فحسب، بل تجاوزته لتشمل المخاطر التي قد تنشأ من جرّاء كوارث بيئية وإنسانية محتّمة في حال عدم وضع حدّ لهذا الجفاف، ومنها العواصف الملحية التي تعرّض حياة 14 مليون إيراني لخطر دائم بحسب مصادر بيئية إيرانية.
وهكذا تحوّل جفاف بحيرة أرومية إلى قضيّة رأي عام في إيران، بل قضية وطنية، فدخلت في البازار الانتخابي. وقد دفع ذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، في خلال حملته الانتخابية في عام 2013 إلى رفع شعار "إحياء بحيرة أرومية" لاستقطاب أصوات مزيد من المقترعين الإيرانيين. وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في العام نفسه، كان تشكيل لجنة "إحياء بحيرة أرومية" أوّل القرارات الصادرة عن حكومته.
وفي عام 2014، بدأت اللجنة عملها وراحت تنفّذ مشاريع لإنعاشها، منها نقل مياه الأمطار والمجاري والصرف الصحي بعد معالجتها إلى البحيرة، فراح يرتفع منسوب مياهها شيئاً فشيئاً، حتى أعلنت الحكومة الإيرانية أنّها نجحت في إحياء بحيرة أرومية وتثبيت منسوب مياهها. وفي عام 2017، راح منسوب مياه البحيرة ينحسر مجدداً، غير أنّ وضعها حينها كان أفضل حالاً بالمقارنة مع الفترة قبل تشكيل لجنة الإحياء. استمرّ تراجع منسوب مياهها، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة جفاف البحيرة، على الرغم من التقدّم الطفيف الملموس في وضع حدّ له.
وقد عزا الخبراء سبب ذلك إلى تراجع حاد في نسبة هطول الأمطار، وإخفاقات في بعض جوانب الخطط الحكومية في تغيير نوعية الزراعة بأراضي منطقة حوض البحيرة، وعوامل أخرى من قبيل عدم توفير الائتمان والموازنة الكافيَين.
تجدر الإشارة إلى أنّ خطط الحكومة الإيرانية وضعت تصوّراً لإعادة التوازن الإيكولوجي إلى بحيرة أرومية حتى عام 2027 من خلال اتباع أساليب متعددة، في مقدّمتها نقل مياه الأنهر، منها نهر الزاب ومجاري الصرف الصحي وترشيد استهلاك المياه في حوض البحيرة. كذلك انطلقت الحكومة بمفاوضات مع الحكومة التركية على أمل أن توافق الأخيرة على نقل مياه بحيرة وان إلى بحيرة أرومية، وما زالت تلك المفاوضات جارية في هذا السياق.



وبينما كانت الحكومة الإيرانية تنفّذ خططها لإحياء البحيرة وسط نجاحات حيناً وإخفاقات في أحيان أخرى، شهدت إيران خلال شهرَي مارس/ آذار وإبريل/ نيسان من العام الجاري أمطاراً غير مسبوقة منذ عقود، الأمر الذي أنتج سيولاً وفيضانات جارفة في البلاد وصفها روحاني بأنّها غير معهودة في خلال الأعوام المائة الأخيرة.
وتلك الفيضانات، على الرغم من خسائر فادحة تسببت فيها للإيرانيين، إذ إنّها قتلت أكثر من 100 شخص وشرّدت مئات الآلاف، فإنّها بثّت الحياة مجدداً في الأهوار والبحيرات الإيرانية التي تعرّضت على مدى العقدَين الماضيين إلى حالة من الجفاف المستمر. كذلك، عوّضت المياه المتساقطة النقص الحاد في المياه بالبلاد.
وتُعَدّ بحيرة أرومية أولى البحيرات التي أحيتها الأمطار والسيول الناجمة عنها، لتعلن السلطات الإيرانية أخيراً أنّ حجم مياه البحيرة ارتفع إلى أكثر من خمسة مليارات متر مكعب، في حين زادت مساحتها نحو 819 كيلومتراً لتصل إلى ثلاثة آلاف و119 كيلومتراً، بعدما كانت ألفَين و299 كيلومتراً في الفترة نفسها من عام 2018. كذلك ارتفع منسوب مياه البحيرة ما يبيّن ارتفاعاً ملحوظاً بنحو 98 سنتيمتراً، بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2018.
بالنسبة إلى لجنة إحياء بحيرة أرومية، فإنّ إعادة التوازن الإيكولوجي إلى تلك البحيرة تتطلب أن تصل مساحتها إلى أربعة آلاف و333 كيلومتراً مربّعاً وأن يرتفع حجم مياهها إلى 13 ألفاً و730 مليار متر مكعب. لذلك، بعد أن حقّقت الأمطار والسيول قفزة نوعية في إحياء البحيرة، تأمل السلطات الإيرانية المعنية أن تحافظ على استقرار حالتها وتثبيته وكذلك ضخّ مزيد من المياه فيها سنوياً.
من خلال ذلك تستعيد توازنها الإيكولوجي وحيويتها والنشاط السياحي مثلما كانت الحال قبل تسعينيات القرن الماضي. لكنّ التحديات ما زالت كبيرة أمام إيران لبلوغ تلك الحالة المطمئنة.
المساهمون